علي حسين
كنت أنتظر مقالاته التي تنشرها مجلة العربي تحت عنوان "فلاسفة معاصرون"، وأعرف أنني لا أفهم كثيراً مما يقوله صاحب المقال. ولكني أشعر أن هذه المقالات على صعوبتها فتحت أمامي أبواباً جديدة، وساهمت باعادة ترتيب أفكاري، وأن صاحبها أشبه بساحر يأخذ بيدي إلى كل ما هو عجيب وغريب.
كان هذا الساحر اسمه زكي نجيب محمود، لا أعرف حتى هذه اللحظة كيف أسمي هذه المقالات التي كان يكتبها، والتي سعى من خلالها الى خلق عالمٍ تنويريٍ من خلال كتبه ومقالاته، كما أنه حاول أن يكون عقلانياً من خلال مؤلفاته، وفي السير مع الفلسفة بكل اتجاهاتها وعمقها وتعدديتها، وكان يؤمن أن التخلف الذي يسود حياتنا، لا يمكن التخلص منه إلا بإغراق حياتنا بالفكر الإبداعي الحديث، ليس على صعيد التكنولوجيا فقط، وإنما على صعيد الفكر.. ولعل زكي نجيب محمود بهذا يكون أول مفكر عربي تجرأ وأصر على أن يُدخل إلى عالمنا فلسفة يتحدى بها الخطاب السائد والتقليدي، وليفتح بها عقول الناس. في كتابه تجديد الفكر العربي نجد هذه العبارة التي ستلازمنا طويلاً: "أعتقد أن أهم نقلة تنقصنا الآن، هي أن نستخدم عقولنا في مجال لا نستخدم فيه عقلاً، وهو أن نقرأ".
منذ الأيام الأولى لهذه الزاوية حاولت أن أقدم بعض الخلاصات للكتب التي أقرأها، لكني في مرات عديدة كنت أخشى أن يتهمني القارئ العزيز بالبطر، فمن يهتم بحديث الكتب في بلد يعجز فيه البرلمان عن إقرار موازنة الدولة.. هل قرأتم يوماً أن بلداً استمرت فيه مناقشة الموازنة أشهر وأشهر ثم تتحول إلى أعوام؟، من يصدق أن نواب الشعب وهم يناقشون الموازنة يسعون إلى تفصيلها حسب مصالح أحزابهم وكتلهم السياسية؟
طوال الفترة الماضية، كان أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة، يزيدون ويُعيدون في حكاية الموازنة، فيما المواطن البسيط ينتظر أن تتكرم الدولة عليه وتمنحه قليلاً من السكر والطحين وكثيراً من الخطابات الزائفة.
إننا أمام عملية فساد منظمة، أبطالها يستغلون مناصبهم في الاستيلاء على أموال البلاد، والحصول على امتيازات يتمتعون بها هم وعوائلهم ومن يهتف باسمهم.
أيها السادة عندما يستسهل المسؤول الكبير، الضحك على مواطنيه، يصبح كل شيء آخر بسيطاً أو مبسطاً. كالسطو على المال العام وبثّ الفساد في مؤسسات الدولة،
إنها خرافة السياسة التي تشبه خرافة الشعارات التي انتقدها زكي نجيب محمود في كتابه "خرافة الميتافيزيقيا" عندما كتب: "فقد اعتادت الألسنة أن ترسل القول إرسالاً غير مسؤول دون أن يطوف ببال المتكلم أدنى شعور بأنه مطالب أمام نفسه، وأمام الناس، بأن يجعل لقوله سنداً من الواقع الذي تراه الأبصار وتمسه الأيادي".
يكتب زكي نجيب محمود: "حينما فرط إنسان في حقه ظهر لذلك الحق طاغية يستبد به" وما أكثر الطغاة في بلادنا.
أقرأ ايضاً
- خرافة الدستور
- الاستثمار القَطَري والموازنة الثلاثيّة وطريق التنمية في العراق
- ملاحظات حول الموازنة العامة – الجزء السابع