- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الشعائر الحسينية.. دلالات وأهداف ونتائج - الجزء السابع
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
تأصيل المنهج العبادي في الزيارة عند اهل البيت(عليهم السلام)
إن أهم ركيزة سعى اليها الأنبياء والأئمة المعصومين عليهم السلام هي ركيزة التوحيد باعتبارها الاساس في اساسيات الديانات الإلهية وانهم عليهم السلام قد حملوا راية التوحيد ابتداءً من ادم عليه السلام والختم بخاتمهم( صلى الله عليه واله ) ومن بعدهم اهل البيت عليهم السلام والاولياء والصالحون ، وان الاسلام قد ركز على قاعدة التوحيد في مصادره المعرفية سواء في القرآن الكريم و السنة المطهرة للنبي صلى الله عليه واله ونهج البلاغة والروايات الشريفة الواردة عن الأئمة الطاهرين( عليهم السلام ) ، وايضا ما نجده في أدبيات الزيارة من استحضار الذوات المقدسة التي بلغت ذروة الكمال البشري وهم الذي يقفون في قمة الهرم التوحيدي والذين نالت نفوسهم الاصطفاء الالهي بإخلاصهم لتلك الراية وفناء حياتهم من اجلها على طول التاريخ لهداية الانسان والبلوغ به الى مراتب الكمال، فنقرأ في زيارة الامام الحسين عليه السلام المعروفة بزيارة وارث وغيرها في بعض العبارات والفقرات (السلام على آدم صفوة الله، السلام على نوح نبي الله، السلام على ابراهيم خليل الله، السلام على موسى كليم الله، السلام على عيسى روح الله، السلام على محمد حبيب الله) فنجد في هذه الزيارة استحضارا للذوات المقدسة التي حملت راية العبودية لله عزوجل و التوحيد الالهي ٠
وان هذه القاعدة الأساس التي تشكل المحور الأساس في الأديان الالهية انها قد أخذت بشكل واضح جدا كمعلم معرفي مهم وركن أساس لزرعه في نفوس شيعة أهل البيت عليهم السلام من خلال ممارسة الزيارة واستيعاب مفاهيمها ودلالاتها الواضحة ٠
ولاشك أن الإمامة الإلهية في النظرية الشيعية تمثل حقيقة التوحيد بل انها تقوم بدفع الانسان نحو الله عزوجل ٠
لذا نجد في أدبيات هذه الزيارات الحث العملي للسير في خطى من حمل راية التوحيد وتؤكد على مفهوم التوحيد ، فمثلا ما ورد في بعض أدبيات زيارة المعصومين عليهم السلام هو ممارسة عبادة الله ذكر عزوجل، فنجد عند الاستئذان لزيارة مولى الموحدين الإمام أمير المؤمنين عليه السلام هو ذكر تكبير الله (١٠٠) مرة ، أو الذكر(٣٠) مرة ثم بعد ذلك تمجيد الله وتسبيحه(لا اله الا الله الحليم الكريم، لا إله الا الله العلي العظيم، لا اله إلا الله نور السموات السبع ونور الارضين السبع ونور العرش العظيم).
فهذا الاعلان التوحيدي عند الذين هم اخلصوا لدين الله وتوحيده وضحوا بحياتهم من اجلها وعندهم (عليهم السلام ) وانهم هم يشكلون السبيل الى الله وهم الإدلاء على الله عزوجل ٠ وان الذكر بالصيغ المتعددة الذي يرد في نصوص الزيارة هو في حقيقته وتكراره بشكل دائم يستبطن معاني الولاء لله عزوجل والتجرد عن غير الله تعالى ٠
اذن ممارسة الزيارة لها دلالات عقائدية دأب اهل البيت عليهم السلام الى تقوية معانيها واثارها في الفرد الشيعي كعمل وسلوكيات لغرض استقامته في حياته اليومية وتحصينا له للحفاظ على معتقداته الحقة ومواجهة تحديات اخطار الانحراف٠
ممارسة الزيارة والتعبئة الاحتماعية
اصبحت ممارسة الزيارة الانموذج الأكثر تاثيرا في مجال التغيير الثقافي والاجتماعي والمعرفي. ولم تقتصر على البعد العبادي والروحي فحسب بل انها شملت ابعادا تغييرية في حياة الفرد الشيعي بل تعدت الى ابناء ملل ومذاهب أخرى ، فكان لوشائج الولاء لأهل البيت عليهم السلام ملامح اجتماعية ظهرت وانعكست كبعد أخلاقي واجتماعي في سلوكيات الممارسين للزيارة، ومن هذه الملامح:
١ـ اتساع العلاقة المبنية على التعايش السلمي بين المؤمنين٠
٢ـ اشاعة قيم التآلف والمحبة بين الزائرين ٠
٣ـ اتساع البعد الاجتماعي عباديا كأقامة صلاة الجمعة وصلاة الجماعة وقراءة القرآن ، وقراءة الدعاء بشكل جماعي وعقد المجالس الحسينية ٠٠٠٠ و هذه تحمل جوانب إجتماعية واضحة٠
٤ـ ايجاد الأنموذج الايجابي في المجتمع من خلال الأعمال التطوعية جماعة٠
٥ـ تجاوز الجنسية الواحدة والجغرافيية الواحدة لتشمل جنسيات متعددة ومن مناطق متعددة ايضا، وهذا يعزز اواصر المحبة مع الاخر٠
٦ـ ايجاد خطوات في الاصلاح الاجتماعي الذي تعرض الى الخراب، والتاسيس لأعراف اجتماعية صحيحة كبديل لأعراف موروثات اعراف جاهلية هزيلة وغير مقبولة ،بل ان الجميع ينصهر بثقافة الاسلام ومفاهيمه واحكامه من خلال ممارسة الزيارة ٠
٧ـ ايجاد مناخات من الرحمة والتعاطف والتجاذب بين المؤمنين تفرضه طبيعة الزيارة٠
٨ـ إشاعة قيم اخلاقية تدفع بالمجتمع نحو التحابب والتآلف الإجتماعي ليبلغ بها ذروة التكامل مثل الكرم- وبذل الطعام والعمل من اجل الاخر، في قبالها هناك تغييبا لخصال ذميمة كالبخل والاناينة المفرطة والجشع.
وهذه الملامح الاجتماعية قد جمعتها رواية قد ذكرت في كتاب كامل الزيارات عن محمد بن مسلم عن الإمام الصادق عليه السلام(عليه السلام) حيث قال:
قلت له: إذا خرجنا إلى أبيك أفلسنا في حج ؟. قال: بلى ، قلت: فيلزمنا ما يلزم الحاج ؟. قال: ماذا؟. قلت: من الأشياء التي يلزم الحاج ؟.قال: يلزمك حسن الصحابة لمن يصحبك .
ويلزمك قلة الكلام إلا بخير .
ويلزمك كثرة ذكر الله تعالى .
ويلزمك نظافة الثياب .
ويلزمك الغسل قبل أن تأتي الحير .
ويلزمك الخشوع وكثرة الصلاة ، والصلاة على محمّد وآل محمّد .
ويلزمك التوقير لأخذ ما ليس لك .
ويلزمك أن تغضّ بصرك .
ويلزمك أن تعود على أهل الحاجة من إخوانك إذا رأيت منقطعاً والمواساة.
ويلزمك التقية التي قوام دينك بها، والورع عما نُهيت عنه ، والخصومة ، وكثرة الأيمان والجدال...)
هذه ركائز اجتماعية كفيلة ببناء الانسان بناءا سليما، الجامع لمفردات هذه الوصايا البناءة والتي يفتقر اليها المجتمع التي تضمنتها الرواية الشريفة هو حسن الصحبة مع الاخر وقلة الكلام الا من خير والمواساة للإخوان ونبذ الخصومة والجدال، فهذه توصيات تحيا بها الأمة مشحونة بعناصر الخير الانساني والنبل وحسن السمت مع الاخر كلها منبعها ثقافة اهل البيت(عليهم السلام).
أقرأ ايضاً
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة