- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
السيولة العامة ومشكلات الائتمان في العراق
بقلم: د. مظهر محمد صالح
يخضع النظام الائتماني المصرفي في العراق الى تراكيب موروثة ومعقدة، يتمثل قيدها الاول بارتفاع مخاطر استرداد الديون والتعثرات في تحصيل القروض الممنوحة والتي تبلغ ١٨٪ في حين ان النسبة المعيارية العالمية للتعثرات لاتزيد على ٣٪ ما يدفع المصارف الى اجراء تحوطات كبيرة وباستمرار حول راس المال لمواجهة الخسائر الائتمانية بسبب نوعية الضمانات نفسها والتي غالبا هي عقارية غير القابلة للتسييل عند التعثر وهو الامر الذي يزيد من درجة التردد في منح الائتمانات النقدية او القروض او يساعد على ارتفاع مخاطر الائتمان بالتشدد بالفائدة المصرفية المرتفعة والتي تتمثل بمعدل الانتشار spread بين الفائدتين المصرفيتين الدائنة والمدينة الى ضعف او اكثر من معدلاتها التقليدية في العالم.
فمازالت القروض الممنوحة من المصارف الى الجمهور او الاهلين لاتزيد على ٥٪ من الناتج المحلي الاجمالي وهي الاقل عالميا.
اما القيد الثاني ويتمثل بانخفاض قدرة المصارف على تعبئة السيولة العامة المتسربة خارج الجهاز المصرفي وهي بحوزة الجمهور وبصورة اكتنازات نقدية، وتعد مقتطعة من دورة الدخل وهي خارج سيطرة الجهاز المالي الرسمي وتخضع لسلوك الجمهور في الطلب على السيولة النقدية بسبب عاداته وتقاليدة في تقديس السيولة النقدية المتاحة تحت اليد فورا.
وتعد تلك الاموال في الاحوال كافة فوائض مالية مهمة وثروة نقدية كبيرة (غير متحركة ولاتساعد على نشاط الاستثمار الاهلي الا جزئيا، ولو اودعت حقا في المصارف كما هو الحال في البلدان المتقدمة مصرفيا لأمكن اقراضها بكلفة فائدة منخفضة عبر الجهاز المصرفي نفسه بدلا من اكتنازها في المنازل).
وتقدر متوسطاتها كسيولة فائضة مكتنزة خارج الجهاز المصرفي اليوم ما يعادل قرابة ٢٥٪ من الناتج المحلي الاجمالي للعراق.
وبناء على هذه الانماط من العادات النقدية والتعاطي البدائي مع السيولة النقدية الفائضة خارج الجهاز الائتماني المصرفي القانوني، فقد تشكل جهاز ائتماني (ربوي) في السوق المالية الموازية او غير الرسمية.
اذ مازالت السوق الموازية تمنح قروضها النقدية الربوية الى الجمهور بشروط اقراض عالية الكلفة جدا، اذ تبلغ الفائدة الربوية السنوية فيها ما بين ٥٠-٨٠٪ (وهو مايسمى بالربا الفحش) .. وتعد السوق الربوية سوق مالية موازية (غير منظمة) شديدة الاستغلال عالية المخاطر ولكنها تمتلك في الوقت نفسه مرونة عالية في التعاطى مع السيولة النقدية الراكدة عن طريق تحريك اداة الفائدة الربوية.
وتقدر مبالغها كما نوهنا انفاً (كاموال متسربة متاحة تقع خارج المنظومة المصرفية) بنحو ربما يبلغ ٥٠ تريليون دينار. وهي اموال مهمة. وحيوية تتداول حالياً خارج سيطرة النظام المصرفي القانوني او الرسمي.
فكلا المشهدين سواء في السوق المالية او المصرفية الرسمية المنظمة او السوق الربوية الموازية (غير الرسمية وغير المنظمة) قد صعبتا سهولة حصول الجمهور على الائتمانات او القروض سواء بالكلف او الشروط المعقولة المعقولة ولاسيما القروض التي تتناسب مع متوسطات دخل عموم الطبقة الاجتماعية التي هي بحاجة الى المال، ما دفع السياسة النقدية بالذهاب حقا الى التدخل (الكمي المباشر) في سوق الائتمان الرسمي بتبني سياسات التيسير الائتماني ودعم السوق بقروض ميسرة جدا ومنخفضة الكلفة والتي قدم جلها (ضمن مبادرة البنك المركزي العراقي) سواء بشكل قروض اسكان عبر الجهاز الائتماني العقاري الحكومي (المصرف العقاري وصندوق الاسكان) او بصورة دعم النشاط الاقتصادي بالقروض الصغيرة والمتوسطة والكبيرة في مختلف المجالات الاقتصادية.
ونظرا للتعقيدات المؤسسية في ادامة التواصل بين الجمهور والمصارف في التعاطي السهل، اصبح لزاما ادخال ادوات مالية وسيطة مساعدة تحمل فائدة مصرفية بشكل (سندات) تباع على نحو اختياري الى الجمهور الراغب من حملة الفوائض النقدية وتكون تلك الادوات مؤمنة من اي اخفاق في التسديد من جانب مؤسسات ضمان رسمية ومنح حائزيها امتيازات حتى عند الاقتراض وقبول تلك الادوات كضمانات مصرفية مثلى عند الحاجة للائتمان وقابلة للتسييل فورا في السوق المالية الثانوية كسوق العراق للاوراق المالية. حيث ستساعد السيولة المتحصلة من تلك السندات بكونها ادوات دين ممتازة في تنشيط منح الائتمان خصوصا الى صغار المقترضين وبشروط ميسرة عن طريق المصارف او الشركات المالية الرقمية وغيرها والمجازة التي تتولى التعاطي بالسندات بيعا وشراءً او توسطا وتكون اعمالها وفق القانون بغية التعاطى في الائتمانات الصغيرة او التمويل الاصغر.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي