بقلم: القاضي حبيب إبراهيم حمادة
شهدت العاصمة بغداد والعديد من محافظات العراق الأخرى مثل كربلاء والنجف وبابل وواسط وغيرها، مؤخرا حركة عمرانية واسعة في العديد من المجالات ومن بينها قطاع النقل والمواصلات والمتمثلة بوضع مخططات لطرق جديدة كما هو الحال لما يعرف بطريق الحرير وبناء الجسور وانشاء طرق جديدة وتعبيد الطرق القائمة داخل حدود المدن وخارجها، وذلك لأهمية ذلك القطاع في تنمية الاقتصاد الوطني وتقديم الخدمات للمواطنين من خلال تأمين حركة نقل البضائع والافراد داخليا وخارجيا، الأمر الذي يرتب آثاره الايجابية بتيسير المبادلات التجارية بين العراق والدول المجاورة له وتحقيق التقارب الحضاري والثقافي وتعزيز التنمية السياحية بين المجتمعات اقليميا، اضافة الى ان ذلك العمران انما يكون سببا مباشرا في تقليل من البطالة وتشغيل اليد العاملة، والحد من وقوع حوادث السيارات على الطرق العامة والتي نجم عنها وفاة الكثير من المواطنين بسبب عدم صلاحية العديد من الطرق للاستخدام في التنقل بين المدن لنقل الاشخاص او البضائع، ولكل ذلك مردوده الايجابي على الاقتصاد الوطني.
ومع ذلك فقد تمت إساءة استخدام الطرق العامة من قبل بعض الأشخاص او الحاق الضرر المادي بها او اتلافها عمدا او إهمالا، الامر الذي يوجب اثارة المسؤولية الجزائية لهم وتحقيق الحماية الجنائية للطرق العامة.
وتعد الطرق العامة من الاموال العامة المخصصة للمنفعة العامة، وبالتالي فهي من المرافق العامة الخاضعة لمبدأ وجوب استمرارها بانتظام واضطراد، والقاعدة العامة ان استخدام الطرق العامة انما يكون مباحا لجميع الافراد دون استثناء الا ان تلك الإباحة لا تكون مطلقة، بل هي مقيدة بعدة قيود ومنها عدم اساءة استخدام تلك الطرق او إلحاق الضرر بها او إتلافها باي شكل من الاشكال او اعاقة المرور عليها من قبل الآخرين بصورة غير مشروعة والقول بخلاف ذلك انما يكون سببا لاثارة المسؤولية الجزائية لمرتكب تلك الافعال، لذا فقد بادر المشرع العراقي الى فرض الحماية الجنائية للطرق العامة من خلال ايراد النصوص العقابية التي توجب فرض العقوبة المناسبة عند ارتكاب احدى الجرائم الماسة بالطرق العامة.
وحيث ان عائدية الطرق العامة خارج حدود امانة بغداد والبلديات، إنما تكون للهيأة العامة للطرق والجسور التابعة لوزارة الاسكان والإعمار، وتخضع لأحكام وقواعد قانون الطرق العامة رقم ٣٥ لسنة ٢٠٠٢ المعدل، اما الطرق الواقعة ضمن حدود امانة بغداد والبلديات فتكون خاضعة لامانة بغداد ومديريات البلديات في المحافظات ووفقا لاحكام وقواعد قانون ادارة البلديات رقم ١٦٥ لسنة ١٩٦٤ المعدل.
وقد عرف المشرع العراقي الطريق العام في المادة (١/ ثالثا) من قانون الطرق العامة كونه (الممر المبلط او غير المبلط والمخصص لمرور المركبات ويشمل ذلك محرم الطريق...)، كما عرف طريق المرور السريع في الفقرة رابعا من المادة اعلاه كونه (الطريق العام المصمم والمشيد بصورة خاصة لمرور المركبات الذي لايخدم الممتلكات المتاخمة له (مسيج) وتكون مجالات مرور المركبات فيه منفصلة ولايتقاطع مع اي طريق او سكة قطار او اي مسار اخر او ممر مشاة في مستوى واحد والذي يكون مصمما ومعلنا عنه كطريق سريع).
وقد منع المشرع العراقي بموجب احكام المادة (٨/ اولا وثانيا وثالثا) من القانون ذاته، القيام بالعديد من الافعال الضارة بالطرق العامة ومنها عدم جواز البناء او الغرس او الزرع او شق الانهر او الجداول او المبازل او مد الأسلاك او تثبيت وسائل الدعاية او اي تعرض اخر ضمن حدود محرمات الطريق العام، كما لم يجز الحفر على جانبي الطرق الخارجية الرئيسة وعدم جواز اقامة جسر او قنطرة او معبر او اي منشأ اخر ضمن محرمات الطرق العامة دون موافقة الهيأة، وبموجب احكام المادة (١٢/خامسا/ا) من القانون، فأن مخالفة احكام المادة اعلاه يوجب فرض عقوبة الحبس لمدة لاتقل عن ثلاثة اشهر ولا تزيد على سنة واحدة وبغرامة لا تقل عن خمسين الف دينار ولا تزيد على مئتين وخمسون الف دينار بحق المخالف لها، وهي ذات العقوبة الواجب فرضها بحق كل من يتجاوز على محرمات الطرق العامة بالحفر او الاستخدام بدون اجازة او البناء الدائمي او المؤقت او اعاقة المرور فيها او نزع علامات المرور او اسيجة الامان او الاسيجة السلكية او عبث بالقناطر او الجسور او شوهها او احدث ضررا فيها او غير محلها او اتجاهها.
كما ورد النص في المادة (١١) من القانون أعلاه على فرض عقوبة الحبس لمدة لا تزيد على ثلاثة اشهر وبغرامة لا تقل عن عشرين الف دينار ولا تزيد على خمسين الف دينار بحق الشخص الذي يلحق الضرر بالطرق العامة متى ما كان من شأن ذلك عرقلة السير او المرور وتشكيل خطورة على مستعمل الطريق او اهمل التنبيه نهارا او التنوير ليلا بالنسبة لأعمال الحفر او المواد المطروحة على الطرق العامة، او استخدام تلك الطرق لغير الأغراض المخصصة لها او نقل حمولة يتسبب عن سقوطها خطر على الطريق دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية مستخدمي الطريق.
وقدر تعلق الامر بجرائم الإضرار بالطرق العامة ضمن حدود أمانة بغداد والبلديات، ولخلو قانون ادارة البلديات المشار اليه سلفا من اي نص عقابي يتضمن فرض العقوبة المناسبة بحق مرتكبي تلك الجرائم، لذا فأن الأحكام والقواعد الواردة في قانون العقوبات رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل هي الواجبة التطبيق في مثل هذه الحالة، اذ ورد النص في المادة (٢/٤٧٧) منه على فرض عقوبة الحبس بحق كل من هدم او خرب او اتلف عقارا او منقولا غير مملوك له او جعله غير صالح للاستعمال او اضر به او عطله باية كيفية كانت متى ما نشأ عن تلك الجريمة تعطيل مرفق عام او عمل من اعمال مصلحة ذات منفعة عامة او إذا ترتب عليها جعل حياة الناس او صحتهم او أمنهم في خطر، ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من خرب او اتلف او شوه عمدا اي بناء معد لاستعمال الجمهور او نصب قائم في ساحة عامة، وتكون العقوبة هي السجن في حالة ما اذا نجم عن الجريمة موت إنسان، إضافة إلى ذلك فقد اشار المشرع العراقي في الكتاب الرابع/ الباب الاول الى المخالفات المتعلقة بالطرق العامة وفقا للأحكام الواردة في المواد ٤٨٧_٤٩٣ منه والمتضمنة فرض عقوبة المخالفة بحق مرتكبي تلك الجرائم.
والملاحظ بان العقوبات الجزائية الواردة في قانون الطرق العامة او قانون العقوبات لا تتناسب مع الافعال المرتكبة او الاضرار التي تلحق الطرق العامة، سيما ان إنشاء تلك الطرق او صيانتها انما يكلف الجهات التنفيذية مبالغ طائلة تتحملها خزينة الدولة الامر الذي يعرقل حركة السير للافراد والبضائع ويرتب اثاره السلبية على الاقتصاد الوطني الامر الذي يوجب تشديد العقوبات المقيدة للحرية او الغرامات المالية بغية الحد من ارتكاب الجرائم المذكورة من جهة ومن جهة اخرى فان على الجهات الادارية التوسع باستعمال كاميرات المراقبة للطرق العامة ومراقبة اوزان حمولة المركبات بالزام سائقيها باجراء الفحص عليها بواسطة محطات الاوزان الواجب توافرها على جانب الطرق السريعة والرئسية اذ ان الزيادة في حمولتها انما يرتب ضرره المباشر عليها، كما انه لايوجد مايمنع من استيفاء اجور رمزية عند استخدام الطرق السريعة وصرفها لاحقا في اصلاح الضرر الواقع بها بسبب اساءة استعمالها.
أقرأ ايضاً
- الأخطاء الطبية.. جرائم صامتة تفتك بالفقراء
- جرائم الإيموجي
- أهمية التحقيق المالي الموازي في الجرائم المالية