- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
السلطه التقديريه فى مرحلتى الاستدلال والتحقيق الابتدائي
بقلم: ماجد الزاملي
إجراءات جمع الأدلة سواءً لإثبات التهمة أو لنفيها، كالإنتقال والمعاينة وندب الخبراء وإجراء التفتيش وضبط الأشياء المتعلقة بالجريمة والتصرف فيها وسماع الشهود والإستجواب والمواجهة. والإنتقال حركة مادية يقصد بها أن يباشر المحقق معه إجراء التحقيق في غير المقر العادي له وليس الهدف منه إجراء المعاينة فقط ما قد يبادر إلى ذهن من عبارة إثبات الحالة من حيث يتيسر له مباشرة جميع إجراءات إذ تسهل له دعوة الشهود للإدلاء بمعلوماتهم، وكذلك المعاينة التي يقوم بها ولقد أجاز المشرع للمحقق الإنتقال إلى مكان الحدث، والإنتقال ليس ملزماً عليه فقد ترك له المشرع حرية تقديره فائدة الإنتقال.
وعادةً تبدأ إجراءات التحقيق الإبتدائي بـجمع الأدلة حول الجريمة المرتكبة فهو مفتاح عمل قاضي التحقيق وهو المادة الرئيسية لمعرفة الحقيقة ولكن ليس كل ما يُسطَّر في ملف القضية من أدلة هي صحيحة، فالكثير من الأدلة وخاصة المعنوية منها أي أدلة القولية تبدو وكإنها صحيحة رغم كونها مستوفية للشروط القانونية عند تثبيتها، إلا إنها في الواقع ليس كذلك ومرد ذلك إفتقارها إلى الشروط الفنية الواجبة الإتباع في أساليب وظروف جمعها في مرحلة التحقيق الإبتدائي التي هي ذات أهمية كبرى بإعتبارها الركيزة الأساسية لجمع وتثبيت الحقائق، فعدم إتباع الشروط الفنية في هذا الخصوص يخلق صعوبات أمام قاضي تحقيق وقاضي الموضوع فيما بعد للتمييز بين الأدلة الحقيقة والمصطنعة مما قد يقود إلى الخطأ عند تقدير هذه الأدلة.
ومن المعروف في أن قوانين الإجراءات الجزائية ترسم في نصوصها الخطوط العامة للإجراءات التحقيقية التي من شأنها أن تجمع الأدلة الجنائية تاركة القواعد الفنية والعملية للحقائق بالتحقيق الإبتدائي في ضوء الأسس المستقاة من التجارب والعلوم الفنية.
ان القانون قد منح عضو الضبط القضائي والمسؤول في مركز الشرطة صلاحيات تحقيقية في الجريمة المشهودة جناية او جنحة باجراءاتها في المواد (43، 44، 49) اصول جزائية عراقي وحالة الانابة في أي اجراء بتكليف من قاضي التحقيق في المادة (52/ أ) اصول جزائية وللمسؤول في مركز الشرطة وفقاً للمادة (50/ أ، ب) اصول جزائية.
ونرى اذا كان ذلك استجابة لطبيعة التحقيق ومقتضيات المحافظة على اثار الجريمة وعدم ضياع الادلة ومع ما منحه من اجراءات وخوله في حالة الضرورة القصوى الاستجواب وهو منحى التشريعات الاخرى كالتشريع الفرنسي والمصري ، وان العذر في اغلب هذه الصلاحيات عدم توافر الفرصة او المختص بالتحقيق.
واذا كان عضو الضبط القضائي مرتبطاً بقاضي التحقيق او المحقق او الادعاء العام، فنحن نؤيد من يرى ان الامر لايخلو من خطورة تتعلق بحق الدفاع وقرينة البراءة، اذا ما ادركنا ان اجراءات الشرطة هي اجراءات تنفيذية وتبعيتها الادارية للسلطة الرئاسية واحاطتها بهذه الاجراءات والشك في سلامتها وما يتعرض له القائم بالتحقيق من الشرطة من ضغوط بحكم وظيفته، فنرى ضرورة التضييق في هذه الصلاحية وتدعيم هذا الاتجاه بكثرة عدد من المختصين وتشكيل مجلس القضاء الاعلى اذ ان في ذلك فائدة للقضاء وللشرطة في ان تكون اجراءات مستوفية للضمانات وتفرِّغ الشرطة لواجباتها الوقائية التنفيذية واستجابة لدعوات متعددة في هذا الاتجاه منها الاسباب الموجبة لتشريع الاصول البغدادي الملغى رقم 56 لسنة 1933 المعدل بالقانون رقم 23 لسنة 1934.
هذا وقد نظم المشرع العراقي وقانون أصول المحاكمات الجزائية الكيفية التي يجري فيها تفتيش المنازل والأشخاص وحدد لذلك ضوابط معينة لا يجوز تجاوزها أو السير بالإجراءات على نحو يخالفها، ولم يضع ضوابط لبطلان هذه الإجراءات على عكس المشرع المصري، وبالرغم من عدم وجود ضوابط في القانون العراقي لبطلان إجراءات التفتيش كما فعل القانون المصري إلا أنه قد منح محكمة التمييز أو محكمة الجنايات الحق في مراقبة هذه الجهة عند تدقيقها الدعاوي التي ترسل إليها من قبل محكمة الموضوع أو عند الطعن بخصوص تلك الإجراءات من قبل ذوي العلاقة لدى أي منها، علماً بأن الغموض في وضع قيود على إجراءات التفتيش الهدف منه حماية مكونات الفرد واسراره البينة الخاصة ويترتب على هذا أن كل الأمكنة والأشياء تخرج عن حماية القانون إذا لم تتوفر فيها هذه الصفة وإن المشرع إذا أضفى هذه الحماية على حرمة المسكن فليس لغير من أستهدف بالتفتيش أن يدعي بالبطلان ذلك لأن البطلان إنما شرع للمحافظة على حرمة السكن الحائز له فقط.
أن إجراءات الإستدلال تسبق البدء في الدعوى الجنائية، لهذا لا يُعد مرحلة من مراحل الدعوى الجنائية، أما التحقيق الابتدائي فهو المرحلة الأولى من مراحل الدعوى الجنائية ويترتب على ذلك أن الدعوي الجنائية لا تتحرك إلا بالتحقيق.
ولا تعتبر أنها قد بدأت بأي إجراء من إجراءات الاستدلال. كما ان الدليل بمعناه القانوني هو ما يستمد من التحقيق، أما أعمال الاستدلال فلا يستمد منها أية أدلة قانونية.
وعلى ذلك يكون الحكم معيبا إذا ما استند في القضاء بالإدانة على مجرد استدلالات. وعلة ذلك أن التحقيق الابتدائي يباشر طبقا لأوضاع قانونية معينة لا تتوافر في جمع الاستدلالات. وتُعتبر مرحلة الاستدلال هي أولى تلك المراحل والتي تسبق عادة الدعوى الجنائية وهي تعتبر ممهدة لها. فهذه المرحلة تبدأ بتتبع وتجميع العناصر والأدلة المادية التي تثبت وقوع الفعل الإجرامي بالإضافة الى عمل التحريات الضرورية واللازمة عن مرتكبي الجريمة، وتستطيع النيابة العامة توجيه تحقيقها بالشكل الذي يصل بها الى الحقيقة المنشودة وفي نفس الوقت نجد أن أهمية هذه المرحلة قد تسبق ارتكاب الجريمة حيث تعمل على منع وقوعها ولهذا فإن لأعضاء الضبط القضائي فاعلية كبيرة في مكافحة الجريمة ومحاربتها قبل وقوعها.
وقد أثبتت التجارب فاعليتها في مكافحة الجريمة إلا أن طبيعة عملهم تتمثل في ضبط الجرائم المرتكبة وتعقب فاعليها. ولهذا نجد أعضاء الضبط القضائي يقوموا بالتحريات المطلوبة والضرورية عن الجريمة ومرتكبها وتحرير محضر بذلك وعرضها على النيابة العامة صاحبة الاختصاص الأصيل بالدعوى العمومية، ولأهمية هذه الإجراءات فقد جعل المشرع النيابة العامة هي رئيسة الضبطية القضائية.
فالتحقيق الإبتدائي إجراء تمهيدي يسبق الدعوى الجزائية، وهو ليس فصلاً في الدعوى الجزائية وعليه فإنه ليس للمحقق أن يصدر قرار فاصل في موضوع الدعوى لأن ذلك ليس من اختصاصه، بل أن ذلك يتعارض مع كون التحقيق الإبتدائي مرحلة تمهيدية تسبق مرحلة المحاكمة.
فالمادة (58) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقية رقم (23) لسنة 1973 اشترطت في التحقيق تدوين إفادة المشتكي أو المخبر ثم شهادة المجني عليه وشهود الإثبات الآخرين ومن يطلب الخصوم سماع شهادتهم وكذلك شهادة من يتقدم من تلقاء نفسه للإدلاء بمعلوماته إذا كانت تفيد التحقيق وشهادة الأشخاص الذين يصل إلى علم القاضي أو المحقق أن لهم معلومات تتعلق بالحادث كما ورد النص على وجوب التدوين في المادة (73) من قانون الإجراءات الجنائية المصري بقولها (يستصحب قاضي التحقيق في جميع إجراءاته كانها من كتاب المحكمة يوقع معه المحاضر وتحفظ هذه المحاضر مع الأوامر وباقي الأوراق في قلم كتاب المحكمة.
وحرص التشريع العراقي على استقلالية قاضي التحقيق، عند القيام باعماله حرصاً على الحياد في عمله، وللدور الذي تقتضيه مهمة قاضي التحقيق في الموازنة بين مصلحة المجتمع ومصلحة المتهم ودوره في احالة القضايا الى المحكمة المختصه بما جمعه من ادله التي تبنى عليها المحكمة قناعتها سواءً في دور التحقيق او المحاكمه (المادة (213/أ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي).
ويبدو ذلك الاستقلال من خلال عدم تبعيته لجهة اخرى، من قبل جهات الدولة في مهامه القضائية واختصاص القانون في تشكيل المحاكم وتعيين القضاة واعضاء الادعاء العام وتنظيم خدمتهم وعدم قابليتهم للعزل وتنظيم حالات المسائلة التأديبية(المواد(93-94) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
وكذلك المادة (43 / 1) من قانون ادارة الدولة العراقية لسنة 2005)، وحظر الجمع بين الوظيفتين او الانتماء الى حزب وتحديد وتنظيم شؤون المحاكم العسكرية المواد (95، 96) من الدستور جمهورية العراق لسنة 2005)، وحالة عدم عزل القاضي او عضو مجلس القضاء الاعلى الا وفقاً للقانون المادة (47) من قانون ادارة الدولة العراقية) ويسري هذا الحكم على القضاة كافة ولمختلف المحاكم وتشكيلاتها.
وبغض النظر عن الكيفية التي تنزل بها الحقوق القانونية على مستوى واقع الممارسة، لا بد من الإشارة إلى أن هذا الحق يعطي للمشتبه فيه إمكانية قانونية لالتزام الصمت وبالتالي عدم الرد على الأسئلة الموجهة إليه، وهو في ذات الوقت يمس بحقوق أخرى من ضمنها حق الضحية في الوصول إلى الحقيقة وادانة الطرف الجاني المشتبه فيه وحق القضاء بدوره في الوصول إلى الحقيقة والتي على ضوئها يتم تحديد الجزاء الذي يتناسب ودرجة الفعل المقترف، وقبل هذا وذاك يمس بصميم عمل الضابطة القضائية ويغل يدها فما يتعلق بالأبحاث والتحريات التي تباشرها في إطار القضايا المعروضة عليها، ذلك أن ضابط الشرطة القضائية إذا تجاوز الحق في "الالتزام بالصمت" واكتفي فقط بتضمينه بمحضر الاستماع كإجراء شكلي، فهذا لن يثير أي إشكال من الناحية الإجرائية، لكن في حالة إذا ما قرر المشتبه فيه “الالتزام بالصمت” بعد اطلاعه أن ذلك يبقى حقا قانونيا، فهذه الوضعية قد تضع ضابط الشرطة القضائية في المحرك، مما يعرقل مجريات البحث والتحري ويقلص من فرص التوصل إلى الحقيقة، مثلا إذا قرر المشتبه فيه الإجابة عن أسئلة والتزم بالصمت في أسئلة أخرى، أو إذا شرع في إبداء تصريحاته ولما تخابر مع محاميه قرر الالتزام بالصمت بشكل كلي، أو إذا صمم منذ البداية على الالتزام بالصمت بما في ذلك عدم الإفصاح عن البيانات المتعلقة بهويته، ففي أي حالة من الحالات المذكورة إما يستقبل ضابط الشرطة القضائية تصريحات جزئية لا تسعفه في التعرف على درجة تورط الشخص المقبوض عليه وكذلك الأشخاص المتورطين معه في القضية (مشاركون، مساهمون)، أو يواجه بالتزام “كلي” مما يضيق من هوامش البحث، ويؤثر بالتالي على جودة المحاضر خاصة تلك المنجزة في إطار الجنح والتي يوثق بمضمونها إلى أن يثبت العكس بأية وسيلة من وسائل الإثبات (المادة 290 من قانون المسطرة الجنائية المغربي) خصوصا إذا كانت وسائل الإثبات محدودة أو غير كافية لإدانة المشتبه فيه الذي إلتزم الصمت.
أقرأ ايضاً
- ماذا لو اختفى النفط غداً؟
- في ذكرى ولادة الحبيب المصطفى(صل الله عليه وآله)
- غزوة هولاكو في مستشفى الخطيب العراقي