- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
حرية الراي والتعبير في الدساتير العراقية - الجزء الثاني
بقلم: د. بلال الخليفة
ترتبط فكرة صياغة الدساتير ارتباطاً أساسياً بفكرة الحقوق والحريات، وقد أجبرت الثورات والانتفاضات التي قامت بها الشعوب للحصول على حقوقها وحرياتها الحكام على ان يصدروا الدساتير الأولى على شكل منحة يعطى فيها الحكام بعض الحقوق والحريات للشعوب واستمر هذا الأمر حتى وقت قريب.
وفي الدستور المصري الذي صدر عام 1923 يمكن أن نقرأ في الديباجة "نحن ملك مصر أمرنا..." مما يلخص أنه كغيره من الدساتير الأخرى كان منحة من الملك للشعب.
1 - في العهد الملكي
وردت حرية التعبير في الدساتير العراقية منذ عام 1925 وهو تاريخ اول دستور عراقي، والذي سمي بالقانون الاساسي العراقي لعام 1925 فقد اشار هذا الدستور في الباب الاول المسمى حقوق الشعب في مادته الثانية عشرة: (ان للعراقيين حرية ابداء الرأي، والنشر، والاجتماع، وتأليف الجمعيات والانضمام اليها ضمن حدود القانون).
2 – العهد الجمهوري الاول
اما الدستور المؤقت لعام 1958 الذي اعلن سقوط دستور 1925 فقد جاء في ثلاثين مادة، وكانت المادة العاشرة منه تشير الى حرية الاعتقاد والتعبير مضمونة وتنظم بقانون.
ملاحظة:- البوادر الاولى لتقييد الحرية حيث ادخل عبارة ( تنظم بقانون ).
3 - حرية الراي في العهد البعثي
ان هذا العهد هو الاسوء في تاريخ الحرية بالعراق فلم يكن قبله ولا بعدة اسوء منه، لكن الظريف في الامر ان الدستور العراقي الذي شرع في وقته، تناول حرية الراي لكن يذيل ذلك بـــ( ينظم بقانون). وبالتالي ان القوانين التي تصدر عن مجلس قيادة الثورة لم تبقي للحرية باقية.
أ –ذكر الدستور المؤقت لعام 1964 حرية التعبير والصحافة بتوسع اكبر مما ذكره الدستور المؤقت السابق له ففي المادة (29) ان حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل انسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول او الكتابة او التصوير او غير ذلك في حدود القانون، وخصصت المادة (30) على ان حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة في حدود القانون.
ب - اما الدستور العراقي المؤقت في 21 ايلول 1968 فقد كرر الفقرة نفسها من الدستور السابق بفقرتها (29)، الا انها حملت التسلسل (31) ان حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة. ولكل انسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول او الكتابة او التصوير او غير ذلك في حدود القانون، ولم يتم اي تعديل عليها، وفي المادة (32) من دستور عام 1968 المؤقت جاء: حرية الصحافة والطباعة والنشر مصونة وفق مصلحة الشعب وفي حدود القانون. ولم تكتف هذه الفقرة بتنظيم حرية الصحافة وفق حدود القانون، بل قرنتها قبل ذلك بـ( مصلحة الشعب).
ملاحظة :- ( مصلحة الشعب ) قيد اخر واخطر من سابقه كونها عبارة مطاطة تتسم بها دساتير غالبية الدول التي تقوم بالتغيير بشكل عاصف وعنيف والتي تدعي بالأساس ان تغييرها جاء لرفع الظلم.
ج - لحق بالدستور المؤقت لعام 1968 دستور مؤقت اخر في عام 1970، والذي سمي دستور الجمهورية العراقية المؤقت، الذي حدد في فقرته رقم(26): ان الدستور يكفل حرية الرأي والنشر والاجتماع والتظاهر وتأسيس الاحزاب السياسية والنقابات والجمعيات وفق اغراض الدستور وفي حدود القانون. وتعمل الدولة على توفير الاسباب اللازمة لممارسة هذه الحريات التي تنسجم مع( خط الثورة القومي التقدمي).
ملاحظة :- (خط الثورة القومي) عبارة بغاية الخطورة تجرم أي قول او فعل لا تراه الثورة او يراه الرفيق ملائم يكون معادي ويخرج عن اطار الحرية ويدخل ضمن افعال تهدف للنيل من الوطن والثورة وتكون عاقبتها اعدام.
د - اما مشروع دستور عام 1990 الذي لم ير النور، فقد اشار في مادته رقم(53) على حرية الفكر والرأي والتعبير عنه، وتلقيه بالوسائل الاعلامية والثقافية، مضمونة، وينظم القانون ممارسة هذه الحريات. اما المادة (54) فقد نصت على ان حرية الصحافة والنشر مضمونة، وينظم القانون ممارسة هذه الحرية.
4 - تطور حرية الراي بعد 2003
أ – مؤتمر اثينا الذي عقد في حزيران/2003 وفي هذا المؤتمر التقى اكثر من خمسة وسبعين مهتما بالشأن الاعلامي في العراق لوضع اطار اعلامي، واعداد المسودة الاولى لبناء وسائل اعلام عراقية وطالب المؤتمر اول ما طالب اصدار بيان فوري من السلطة المؤقتة بإلغاء جميع قوانين وقرارات النظام السابق المتعلقة بوسائل الاعلام؛ ويشمل ذلك النصوص القانونية والجنائية التي تتضمن عقوبة السجن او حتى الاعدام بحق المتهمين بانتقاد مسؤولي الحكومة، والتي تتضمن الرقابة المشددة والسيطرة التامة على الصحافة المطبوعة.
ب - اول قرار صدر هو الامر رقم 14 الصادر عن سلطة الحاكم المدني في العراق بول بريمر، او ما عُبر عنه الامر رقم 14/10 في حزيران من العام 2003 والذي كان مفاجئا لما حواه من قيود وانتهاك ومصادرة لحرية التعبير وقد جاء في الجزء الثالث من الامر المذكور وتحت باب اكتشاف النشاط المحظور (يجوز للمدير الاداري للسلطة الائتلافية المؤقتة ان يأذن بإجراء عمليات تفتيش للاماكن التي تعمل فيها المنظمات الاعلامية العراقية دون اخطار، بغية التأكد من امتثالها لهذا الامر، ويجوز له مصادرة أية مواد محظورة واية معدات انتاج محظورة، ويجوز له اغلاق اية مبان تعمل فيها هذه المنظمات، ولن يـُسمح بدفع اي تعويض عن اي من المواد او المعدات المصادرة او المباني المغلقة).
ج - ووردت حرية التعبير في نص قانون ادارة الدولة العراقية في الفترة الانتقالية الذي صدر في 6/3/2004 وجاء في الباب الثاني من الحقوق الاساسية وفي المادة الثانية عشرة في (أ) – ان الحريات العامة والخاصة مصانة. وفي المادة (ب) للناس الحق بحرية التعبير، بضمن ذلك الحق بتسلم وارسال المعلومات شفهيا او خطيا او الكترونيا أو باي شكل آخر أو من خلال أي وسيلة يجري اختيارها. كما ورد في المادة (و) للعراقي الحق بحرية الفكر والضمير والعقيدة الدينية وممارسة شعائرها ويحرم الاكراه بشأنها.
د - ثم تلاه الامر رقم 65 والذي بموجبه تأسست الهيئة الوطنية للاتصالات والاعلام لتنظيم البث الاذاعي. ومنح تراخيص البث واشار الامر الى الحرية في اصدار الصحف دون الحاجة الى الحصول على ترخيص بذلك من اية جهة، رافق ذلك صدور الامر 66 عن سلطة الائتلاف المؤقتة والمتضمن أصدر صحيفة يومية وإذاعة ومحطة تلفزيونية، وصدر الامران عن المدير المدني لسلطة الائتلاف المؤقتة بول بريمر في 20 / اذار/ 2004.
هـ - على ان آخر تشريع يتعلق بحرية التعبير جاء في الوثيقة النهائية، الدستور العراقي الدائم والمصادق عليه في الاستفتاء الشعبي العام الذي جرى في 15/12/2005، ففي الفصل الثاني: الحريات وفي اولا من المادة (38) جاء حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وفي ثانيا من ذات المادة: حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر.
الخلاصة
1 – ان الحقب الاربع التي تم التطرق اليها، تم التركيز في محور واحد وهو حرية الراي في الدستور فقط فلم نذهب الى القوانين والتشريعات الاخرى.
2 – ان العهد الملكي ، شهد فسحة من الحرية لم ترى المنطقة مثلها سابقة وفاق الكثير من دول العالم آنذاك رغم انها تحتوي بعض الشوائب، ان التظاهر كان له اثر فعال حتى ان في سنة واحدة اسقطت ثلاث حكومات.
3 – بدا الظلام واختفاء الحرية بعد مجيء الضباط والعسكر على الحكومات ، حيث الغوا الاحزاب والبرلمان واي مظهر من مظاهر الديمقراطية.
4 – اسوء مرحلة مر فيها العراق هو العهد البعثي الصدامي، حتى اصبح الفرد العراقي يخشى الكلام امام اهله وأصحابه.
5 – شهد العراق بعد عام 2003 عهد جديد هو عهد الديمقراطية وحرية الراي، لكن الامر تعدى الحرية ووصل الى الفوضى فلا تشريع يفيد ولا قانون، عهد اتسم بالمتناقضات، الحرية مطلقة في بعض الامور حتى وصلت للفوضى وحرق سيارات وشرطة ومراكز دون ان يتخذ بحقهم أي اجراء ، وذلك بحجة متظاهرين.
6 – العهد الجديد لا يخلو من تكميم الافواه، فنلاحظ ان الراي الذي يكتبه او يقوله الصحفي ، قد يؤدي به الى السجن او القتل.
7 – للأسف تم تسخير السلطة التنفيذية وفي مختلف الازمنة لخدمة من هم في السلطة وملاحقة من يتكلم عنهم مستغلين مناصبهم في ذلك.
8 – التشريعات الدستورية كانت ومنذ الدستور الاول للعراق، متضمنة للحرية والراي ، لكن العيب لا في التشريع بل في النظام الحاكم وكيف يتم استغلال السلطة في تكميم الأفواه.
9 – يجب تشريع قانون يخص فقط حرية الراي والتعبير وبذلك نقيد الحرية من الذهاب الى الفوضى من قتل وحرق باسم الديمقراطية وكذلك ايضا يتم غلق الطريق من يريد ان يكمم الافواة ويلغي الميزة الاهم التي حصلت بعد عام 2003.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول