محمد صالح صدقيان
يعتقد العديد من علماء الاجتماع والاقتصاد وحتى الروائيين الذين يستشرفون المستقبل في رواياتهم" ان الزلزال العالمي القادم الذي قد لايكون فيروس كورونا سوى هزة مبكرة وخفيفة من هزاته "سوف يغير الكثير من معالم الحياة . هؤلاء العلماء يعتقدون ايضا ان انتشار " فيروس كورونا " هو تطور جوهري يخلف تبعات طويلة الامد على المنطقة والعالم ككل، اذ ان الاوبئة العالمية ستصبح قريبا امرا عاديا وفي الوقت نفسه محرّكا اساسيا لمستقبل المجتمع.
لا املك معلومات دقيقة بشأن الاسس التي يستند اليها هؤلاء العلماء في طرحهم لهكذا تصورات ، لكن بالتاكيد انهم يتابعون ما يدور في الاروقة المحيطة بهم او انهم يشمون من الدوائر القريبة منهم رائحة نعجز عن استشمامها بسبب اختلاف المكان والمستوى والموضوع .
يتوقع الباحث " مايكل نايتس "وهو زميل اقدم في معهد واشنطن ، حدوث تغييرات على حركة الناس في الشرق الاوسط مع تاثيرات اجتماعية واقتصادية عميقة في بعض اجزاء المنطقة بسبب اندحار ظاهرة " العولمة " وحتى توقفها بشكل حاد بسبب انتشار الاوبئة التي يسميها "العالمية " ، وبذلك فهو يرى ان الولايات المتحدة الاميركية" ستحتاج الى قيادة دفاع جماعية ضد خطر الوباء " لكن الباحث في هذا المعهد الذي يرتبط بمركز دراسات الشرق الادنى التابع لوزارة الدفاع الامريكية " البنتاغون " لم يفصح عن طبيعة هذه القيادة ، وهل هي محاكاة للمؤسسات التقليدية الحالية ام انها ستكون بأطر مختلفة ؟ ومن ثم ما هي نوع الاسلحة المستخدمة في النظم الجديدة ؟ وهل هي اسلحة تقليدية كالتي كانت خلال العقد الماضي ام انها ستكون مختلفة في الطبيعة والقدرة والنتائج ؟ وقبل ذلك هل ان الرئيس ترامب هو الذي يدير السياسة الخارجية الامريكية ؟ ام ان "الدولة العميقة "في الولايات المتحدة هي التي تسير بهذه الخيارات مستغلة بذلك الهوس الذي ليس له حدود لدى الرئيس ترامب للفوز بولاية ثانية لرئاسة الولايات المتحدة الاميركية ؟ اسئلة ليس من السهل الاجابة عليها ، وربما تحتاج الى زمن كاف للتعرف على معالم الحياة الجديدة التي يتحدث عنها الاميركيون . لكن ما هو واضح الان حرمان 300 مليون طالب من الدراسة بعدما قررت 13 دولة اغلاق مدارسها وجامعاتها في الوقت الذي طال وباء " فيروس كورونا " 80 دولة في العالم مما دعاهم الى استخدام التلفزيون ووسائل التواصل للتدريس كما حدث في لبنان وايران والعديد من المناطق الاخرى . وهناك ظواهر لم تشهدها حياتنا وهي اغلاق المسجد الحرام وتعطيل صلوات الجماعة وتغيير عادات السلام والمصافحة والتقبيل، البعض تعامل مع الفيروس تعاملا طائفيا ومذهبيا ، مستغلا الوباء كسلاح لضرب هذه الطرف او ذاك وكأنه على موعد مع القادم الجديد ، بينما البعض الاخر راى فيه وباء عالميا اصاب اكثر من دولة باكثر من قارة .
وفي وقت يصعب فيه الالمام بكل جوانب طرق انتشار " فيروس كورونا " خصوصا في ظل تصريحات وتكهنات تعتقد ان العالم يمر بمرحلة " حرب جرثومية " لا اخلاقية لزيادة الهيمنة على العالم وتحديدا على "الدول المارقة "نشير الى ماقاله الرئيس الامريكي دونالد ترامب بعد عملية الاغتيال التي تعرض لها قاسم سليماني وابو مهدي المهندس في مطار بغداد الشهر الماضي حيث افصح عن اطلاعه على عدة خيارات لتأديب ايران والعراق لكنه انتخب اسهل هذه الخيارات واقلها كلفة – كما قال - وهي عملية الاغتيال لكنه لم يفصح عن الخيارات الاخرى التي بقيت طي الكتمان كما انه لم يفصح عن الجهة التي تقدمت بهذه
الخيارات .
"فيروس كورونا "لم يضرب الصين وايران فحسب بل انه اختار اوروبا ايضا من خلال البوابة الايطالية وهي الحلقة الاضعف في الاتحاد الاوربي والتي تمتلك بعلاقات اقتصادية مهمة مع الصين . انها رسالة استوعبتها فرنسا والمانيا بشكل كامل . لاننسى ان اصحاب " الستر الصفراء " مازالوا في الشارع الفرنسي وان كانوا يحملون مطالب داخلية . كما يجب ألا ننسى التلويح بورقة المهاجرين الجدد حيث يعلق مايقارب 130 الى 170 الف مهاجر على الحدود اليونانية يشكلون ورقة ضغط اجتماعية وامنية وسياسية واقتصادية على دول الاتحاد الاوروبي .
الدبلوماسي المخضرم العجوز هنري كيسنجر يقول ان الولايات المتحدة لاتملك عصا لـ "حل "ازمات العالم وانما تستطيع "ادارة " الازمات . وبذلك ان هذه الولايات ترغب بالابقاء على الازمات الدولية التي لم تكن بعيدة عن صيرورتها وادارتها وفق عالم " ادارة الازمات "، لكن الاكيد نحن امام حياة جديدة ، حياة يدخل الفيروس في صناعتها وان " فيروس كورونا " ماهو الا هزة مبكرة وخفيفة من هزات الزلزال العالمي الجديد الذي يريد ان يدخل بنا للحياة
الجديدة .
أقرأ ايضاً
- معركة الحياة
- الحياة في العراق بين الصدمة والرعب
- الإسلام والديموقراطية معالم المدرستين في التعدّدية السياسية / للدكتور العراقي نضير الخزرجي