بقلم: حمزة مصطفى
التظاهرات تتكون في العادة من طرفين. متظاهر هو صاحب المطلب بصرف النظر عن مضمون هذا المطلب وهو, هنا الطرف الأول.
ومتظاهر عليه وهو السلطة أو رب العمل أو حتى رب الأسرة حيث تتنوع أنماط الإحتجاج, وهو, هنا الطرف الثاني.
الطرف الأول يعد بكل المقاييس صاحب حق مشروع, وربما يصنف على إنه مظلوم وبالتالي يتلقى عادة دعما من كل منظمات وجمعيات حقوق الإنسان وصولا الى الأمم المتحدة وإحتمال محكمة العفو الدولية في لاهاي.
الطرف الثاني يعد بكل المقاييس سالب الحقوق, وربما يصنف على إنه ظالم وجبار ومتغطرس ودكتاتوري وقامع.
وطبقا لهذه الحسبة فإن كل مايحصل عليه هو المزيد من بيانات الغضب والإستنكار وإحتمال الإنقلاب عليه مثما حصل في السودان, إستقالة المسؤول التنفيذي الأول مثلما حصل في لبنان أو هزيمة الرئيس مثلما حصل في بوليفيا.
في العراق لدينا في التظاهرات دائما ومن دون تظاهرات الدنيا أطرافا ثلاثة. أصحاب الحقوق من المواطنين بدء من سواق "التكتك" الى حملة الشهادات العليا وهم الطرف الأول.
والطبقة السياسية المؤلفة من الحكومة والبرلمان وقادة القوى والأحزاب وهم الطرف الثاني. والمندسون وهم الطرف الثالث.
المشكلة عندنا غالبا ما تتعقد ليس بسبب الطرفين الأول والثاني, بل في الأعم الأغلب بسبب الطرف الثالث.
فإذا كانت مهمة الطرف الأول الضغط على الطرف الثاني من أجل نبيل الحقوق بـ "المروة أو القوة" إن لزم الأمر, فإن مهمة الطرف الثالث هي تعقيد وتشكبيك وتوريط الطرفين وتعظيم المشكلة أكثر مماهي عظيمة وتأزيم الأزمة أكثر مماهي مأزومة.
الطرفان الأول والثاني يريدان حلا للأزمة. فإذا كانت الغالبية من المتظاهرين هم من المحتاجين وأصحاب العوائل من الكسبة أو العاطلين عن العمل وبالتالي هم مضطرون للتظاهرات بوصفها الوسيلة الوحيدة لإسماع صوتهم لأصحاب السلطة والقرار, فإن الطبقة السياسية هي الأخرى لاتريد المزيد من الضغوط والإحراج عليها من قبل الصديق والعدو بحيث تظهر دائما في حال من التقصير أو الفشل.
الطرف الثالث هو الوحيد الذي يجد له عملا حين تحصل التظاهرات. زرقه مثل البزازين على المعثرات مثلما يقول المثل. جالس في مكان ما طوال الوقت "ينش ذبان" على أمل أن تحصل أزمة في البلد فيجد عملا يطلع منه "خبزته" لأنه بالأساس مأجور له مهمة وحيدة هي خلط الأوراق وخلق الفوضى لأن هناك من ينتظر الفراغ لكي يدخل حتى يملأه.
كيف يمكن التعامل مع الطرف الثالث؟ هذا هوالسؤال الذي يهرب ويتهرب منه الجميع.
السبب في ذلك يعود الى تداخل الأجندات وتصارعها في العراق وهو ماحذرت منه المرجعية الدينية في خطبتها الأخيرة يوم الجمعة الماضي.
فهناك من يرى الطرف الثالث مدعوم من إيران, وهناك من يراه مدعوما من أميركا, وهناك من يراه مدعوما من السعودية, وهناك من يراه مدعوما من قطر أو تركيا. وقد تستمر الإتهامات حتى تصل الى جيبوتي أو الصومال.
في النهاية لايمكن إستبعاد أي من الكبار ممن لديهم نفوذ داخل العراق. تبقى مسؤولية عدم منح فرصة للطرف الثالث بالعبث تقع على عاتق الطرف الأول لأنه هو من تقع عليه مسؤولية الحماية وفق الدستور.
أقرأ ايضاً
- "خُوارٌ جديدٌ".. برامجُ إلْحاديّة بطرقٍ فنيّة !! - الجزء الثالث والاخير
- الحوكمة والعين الثالثة للدولة
- منبر أم أعواد ؟ - الجزء الثالث والاخير