- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شرح دعاء اليوم الثالث من شهر رمضان المبارك
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
(اللهم ارزقني فيه الذهن والتنبيه وباعدني فيه من السفاهة والتمويه، واجعل لي نصيبا ً من كل خير تنزل فيه يا أجود الأجودين).
يشتمل هذا الدعاء على نقطتين مهمتين:
ـ الأولى: حاجة الإنسان بأن يكون ملتفتاً وذو نباهة، وتنمية الفكر والقدرات العقلية لديه.
ـ الثانية: إن السفاهة والتمويه العقلي من المسائل التي تلغي شخصية الإنسان.
فنقول:
1ـ (اللهم ارزقني فيه الذهن والتنبيه): الرزق لا يتوقف كونه مادياً، بل أن هناك رزقاً مهماً هو الرزق المعنوي ويشكل عنصراً من عناصر تكوين الشخصية الإنسانية وأهمها هو وجود القدرات العقلية من الذكاء والفطنة والنباهة والوعي الذهني، والإسلام حث على توسيع نطاق الوعي الفكري لدى الإنسان وتقوية الجانب العقلي لديه، لذا ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): (المؤمن كيس فطن حذر). بل رفض الكسل والخمول واعتبرها من صفات الشخصية الضعيفة، وقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام: (ما بين الحق والباطل إلا قلة العقل). فبالعقل يمكن كشف الباطل، وبه أيضاً يمكن كشف الحق والأخذ به وسلوك الحق من خلال الإلتفات والنباهة والفطنة، وأنه لا تنطلي عليه زخارف الباطل وصيحاته ومهما لبس من أقنعة ليخدع الآخرين، بل حتى في العبادات والطاعات أرادها الإسلام أن تكون محفوفة بالعقل والإلتفات وأن تنعكس عقلاً على حياته، فعن النبي (صلى الله عليه وآله): (يا أبا ذر: ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه)، خصوصاً ما يواجهه الإنسان اليوم وهو يستقبل يومياً كماً هائلاً من المعلومات، مع ثورة المعلومات التقنية، فلابد أن يستقبلها ويخضعها لمحاكمة العقل والوعي الفكري وأن يستثير عقله اتجاه كثير من القضايا الفكرية التي تطرح في الساحة الإجتماعية، ومع العقل وجود دين لأن المقدمات ليس دائماً صحيحة بل أنها قد تصور لنا الحق باطلاً والباطل حقاً، فيكون الدين رقيباً على العقل, لذا فالإسلام يؤكد على التفكر والتدبر في كل شيء.
2ـ (وباعدني فيه من السفاهة والتمويه): السفيه: هو الذي ليس له حالة باعثة على حفظ ماله والإعتناء بحاله، بصرف ماله في غير موقعه ويتلفه في غير محله. هذا السفه في الأموال كما عرفه الفقهاء، وقد يأتي السفيه في الدين والعقيدة، (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ).
أما التمويه: فهو التغطية والتلبيس في الأمور المادية، أما في الأمور المعنوية فيعني عدم الوصول الى حقيقة الأشياء، ويؤدي الى البلادة الذهنية فيفقد قابلية التمييز ببن الأشياء.
- إذن السفاهة والتمويه هي من الأمور التي تضعف شخصية الإنسان المؤمن لذا نرى أن الإسلام حث على الإلتفات والعلم وعلى البصيرة والرشد في كل أمر، واعتبر السفاهة والتمويه من عيوب الشخصية، لذا نرى في الروايات الشريفة أنها تدعوا الى الإنتباه والتعقل ورفض السفاهة، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (السفه خرق). أي نوع من أنواع الجنون، وأيضاً قوله عليه السلام: (السفه يجلب الشر), إذن سعى الإسلام الى بناء شخصية الإنسان بناءاً متكاملاً من حيث عناصرها النفسية التي تتحلى بالفطنة والنباهة في أمور الدين والدنيا، وأن تجتنب السفاهة والجهل في مكونات عناصرها الشخصية, وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: (المؤمن أشد من الجبل، والجبل تدنو إليه بالفأس فتنحت منه، والمؤمن لا يستقل عن دينه).
3ـ (واجعل لي نصيباً من كل خير تنزل فيه..): الخير هو كل فعل حسن يأتي به الإنسان، وهو ضد الشر، وهو جامع لكل الأعمال الحسنة، وهو حصانة معنوية لحفظ شخصية الإنسان من حدوث خلل في بناءها، وكأن مزاولة أعمال البر والخير ضمانة لحفظها من الإنهيار والإنحراف ، فعمل الخير عامل من عوامل الحفاظ عليها ، ويعد عمل الخير من ركائز الأمن المجتمعي وجعله الإسلام من متممات العلائق الإجتماعية بين الناس، لذا فإن من صفات الأنبياء والأوصياء عليهم السلام أنهم يسارعون في أعمال الخير: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخيرات). وقوله تعالى: (واستبقوا الخيرات)، وأن أعمال الخير سبب فلاح الإنسان وفوزه يوم القيامة: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا وافعلوا الخير لعلكم تفلحون). إذن الشخصية الإنسانية التي أرادها الإسلام والتي تنهل من مشارب الحق وتعيش في أجواء مدرسة أهل البيت عليهم السلام لابد ان تتصف بما يلي:
١- تتحلى بالفطنة والنباهة في أمور الدين والدنيا.
٢- أن تخلع عنها سرابيل الجهل والسفاهة في مكوناتها الشخصية.
٣- أن تسعى لأعمال الخير والبر والصلاح وتستزيد منه في مسيرة حياتها.
أقرأ ايضاً
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الاول
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر