- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الرسول الأعظم(ص) في ذكرى استشهاده / 2
بقلم: عبود مزهر الكرخي
(الدليل الثاني): الأخبار الواردة في مصادر العامة التي تمسكوا بها على أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم مات مسموماً بفعل ذراع شاة قدّمتها له إمرأة يهودية، ويروى هذه الأخبار: ونحن نكتفي هنا بنص ابن هشام فقال: (فلما اطمأن رسول الله في خيبر_ أهدت له زينب بنت الحارث، إمارة سلام بن مشكم شاة مصليةً، وقد سألتْ أي عضوٍ من الشاة أحبّ إلى رسول الله؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها من السمّ ثم سمّت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلمّا وضعتها بين يدي رسول الله، تناول الذراع، فلاك منها مضغةً، فلم يسغها ومعه بِشر بن البراء إبن معرور، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله، فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله فلفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليُخبرني أنه مسموم، ثم دعا بها فاعترفت، فقال: ما حملك على ذلك؟ قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان ملِكاً استرحتُ منه، وإن كان نبياً فسيُخبر، قال فتجاوز عنها رسول الله، ومات بِشر من أكلته التي أكل.
قال إبن هشام، قال إبن إسحاق: وحدثني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المُعلّى قال: كان رسول الله قد قال في مرضه الذي توفى فيه، ودخلت أم بشر بنت البراء بن معرور تعوده: يا أم بشر: إن هذا الأوان وجدتُ فيه إنقطاع أبهري (الابهر: عرق متصل بالقلب) من الأكلة التي أكلتُ مع أخيك بخيبر...(1).
ثم قال: فإن المسلمين ليرون أن رسول الله مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة.
هذه الأخبار العامية الصريحة في شهادة النبيِّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم بالسمِّ على يد إمرأة يهوديَّة، يوجد بعضٌ منها في مصادرنا الشيعية
وهذه الأخبار على طوائف ثلاث:
(الطائفة الأولى):تشير إلى أنَّ الرسول الاعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم قد استضافته امرأة يهوديَّة تظاهرت بالإيمان وسمَّت له شاة فلمَّا أراد الأكل منها أنطق الله تعالى الذراع فتكلمت قائلةً له: " بأنَّي مسمومة فلا تأكلني " فأحجم النبيُّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الأكل منها بعدما أكل منها البراء فمات مباشرةً.
ما رواه المجلسي من التفسير المنسوب إلى مولانا الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام في خبرٍ طويلٍ جداً والتي أكل منها البراء بن معرور وتقدم على النبي محمد(ص) في الأكل وقد نهاه الأمام علي(ع) عن التقدم في الأكل على، فقال(... علي بن أبي طالب عليه السلام: يا براء لا تتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال البراء وكان أعرابيا: يا علي كأنك تبخل رسول الله صلى الله عليه وآله؟! فقال علي عليه السلام: ما أبخل رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكني أبجله وأوقره ليس لي ولا لك ولا لاحد من خلق الله أن يتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله بقول ولا فعل ولا أكل ولا شرب، فقال البراء: ما أبخل رسول الله صلى الله عليه وآله، قال علي عليه السلام ما لذلك قلت، ولكن هذا جاءت به هذه وكانت يهودية، ولسنا نعرف حالها، فإذا أكلته بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله فهو الضامن لسلامتك منه، وإذا أكلته بغير إذنه وكلت إلى نفسك يقول علي هذا والبراء يلوك اللقمة، إذ أنطق الله الذراع فقالت: يا رسول الله لا تأكلني فإني مسمومة، وسقط البراء في سكرات الموت ولم يرفع إلا ميتا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ايتوني بالمرأة فاتي بها، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: وترتني وترا عظيما، قتلت أبي وعمي وزوجي وأخي وابني، ففعلت هذا وقلت: إن كان ملكا فسأنتقم منه، وإن كان نبيا كما يقول وقد وعد فتح مكة والنصر والظفر فيمنعه الله منه ويحفظه ولن يضره، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيتها المرأة لقد صدقت، ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يغرك موت البراء فإنما امتحنه الله لتقدمه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله ولو كان بأمر رسول الله أكل منه لكفي شره وسمه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ادع لي فلانا وفلانا، وذكر قوما من خيار أصحابه فيهم سلمان والمقداد وأبو ذر وعمار وصهيب وبلال وقوم من سائر الصحابة تمام عشرة وعلي عليه السلام حاضر معهم، فقال: اقعدوا وتحلقوا عليه، ووضع رسول الله صلى الله عليه وآله يده على الذراع المسمومة ونفث عليه، وقال: " بسم الله الشافي، بسم الله الكافي، بسم الله المعافي، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ ولا داء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم " ثم قال: كلوا على اسم الله، فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وأكلوا حتى شبعوا، ثم شربوا عليه الماء، ثم أمر بها فحبست، فلما كان اليوم الثاني جاء بها فقال: أليس هؤلاء أكلوا ذلك السم بحضرتك؟ فكيف رأيت دفع الله عن نبيه وصحابته؟ فقالت: يا رسول الله كنت إلى الآن في نبوتك شاكة، والآن قد أيقنت أنك رسول الله حقا، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك عبده ورسوله وحسن إسلامها(2).
(الطائفة الثانية): تشير إلى أنَّ الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يأكل أصلاً من الشاة، والفارق بين هذه الطائفة وبين السابقة عليها هو أن الطائفة الأولى همَّ النبيُّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم ليأكل منها لكنه أحجم بعدما تكلم الذراع، وأمَّا الطائفة الثانية فقد دلت على أن النبيَّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يهمّ أصلاً للأكل منها.
عن المجلسي عن أمالي الصدوق: عن أبن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر، عن أبي جميلة، عن سعد بن ظريف، عن الأصبغ، عن علي عليه السلام قال: إن اليهود أتت امرأة منهم يقال لها: عبدة، فقالوا: يا عبدة قد علمت أن محمدا قد هد ركن بني إسرائيل، وهدم اليهودية، وقد غالى الملأ من بني إسرائيل بهذا السم له، وهم جاعلون لك جعلا على أن تسميه في هذه الشاة، فعمدت عبدة إلى الشاة فشوتها ثم جمعت الرؤساء في بيتها وأتت رسول الله صلى الله عليه وآله ونفس الحادثة حصلت ولكن نورد المهم وهو:...(فقام رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه علي عليه السلام وأبو دجانة وأبو أيوب وسهل بن حنيف وجماعة من المهاجرين، فلما دخلوا وأخرجت الشاة سدت اليهود آنافها بالصوف، وقاموا على أرجلهم، وتوكأوا على عصيهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: اقعدوا، فقالوا: إنا إذا زارنا نبي لم يقعد منا أحد، وكرهنا أن يصل إليه من أنفاسنا ما يتأذى به، وكذبت اليهود عليها لعنة الله، إنما فعلت ذلك مخافة سورة السم ودخانه، فلما وضعت الشاة بين يديه تكلم كتفها فقالت: مه يا محمد لا تأكلني فإني مسمومة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله عبدة فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت: إن كان نبيا لم يضره، وإن كان كاذبا أو ساحرا أرحت قومي منه، فهبط جبرئيل عليه السلام فقال: السلام يقرئك السلام ويقول: قل: بسم الله الذي يسميه به كل مؤمن، وبه عز كل مؤمن، وبنوره الذي أضاءت به السماوات والأرض، وبقدرته التي خضع لها كل جبار عنيد، وانتكس كل شيطان مريد، من شر السم والسحر واللمم، بسم العلي الملك الفرد الذي لا إله إلا هو، وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا " فقال النبي صلى الله عليه وآله: ذلك، وأمر أصحابه فتكلموا به، ثم قال: كلوا ثم أمرهم أن يحتجموا (3).
(الطائفة الثالثة):تشير إلى أن الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أكل من الشاة وأصاب جوفه سمُّها ثمَّ تكلم الذراع وأخبره بأنَّه مسموم، أي تكلمت الذراع بعدما أكل منها.
عن المجلسيّ أيضاً عن بصائر الدرجات بأسناده عن: أحمد بن محمد، عن الأهوازي، عن القاسم بن محمد، عن علي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سم رسول الله يوم خيبر فتكلم اللحم فقال: يا رسول الله إني مسموم، قال: فقال: النبي صلى الله عليه وآله عند موته: اليوم قطعت مطاياي الاكلة التي أكلت بخيبر: وما من نبي ولا وصي إلا شهيد. بيان: المطايا جمع المطية وهي الدابة، ولعلها استعيرت هنا لما يعتمد عليه الانسان من الأعضاء والقوى، ويحتمل أن يكون في الأصل مطاي، أي ظهري فصحف.
وعن المجلسيّ عن بصائر الدرجات: إبراهيم بن هاشم، عن جعفر بن محمد، عن عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمت اليهودية النبي صلى الله عليه وآله في ذراع، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب الذراع والكتف، ويكره الورك لقربها من المبال، قال: لما أوتي بالشواء أكل من الذراع وكان يحبها، فأكل ما شاء الله ثم قال الذراع: يا رسول الله إني مسموم فتركه، وما زال ينتفض به سمه حتى مات صلى الله عليه وآله(4)،(5).
وهذه الروايات من مصادر الفريقين ولكن هناك روايات تعارض هذه الاخبار وهي صحيحة ومسنودة وقوية الادلة على ان الرسول الاعظم محمد(ص) قد مات مسموماً أيدي بعض أزواجه سوف نشير إليها في أجزائنا القادمة أن شاء الله إن كان في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1 ـ البخاري في ج5 ص 179 وابن هشام في السيرة النبوية ج3 ص 352 ومسلم في صحيحه ج14 ص 149 حديث 2190.
2 ـ سيَّما في البحار ج17 ص317 ص 395 و ص 405 و ص 406 ـ 408. تفسير الامام العسكري (عليه السلام): 177 ح85، مستدرك الوسائل 16:232 ح19694.
3 ـ الأمالي - الشيخ الصدوق - الصفحة ٢٩٤. منشورات المكتبة الشيعية. بحار الأنوار ١٧: ٣٩٥ / 7، و 95: 140 / 1، وزاد في نسخة: فما يضرهم. روضة الواعظين باب معجزات النبي: 61، مناقب ابن شهر آشوب باب نطق الجمادات 1:91، مستدرك الوسائل 16:306 ح19970، البحار 17:395، اثبات الهداة 2:531.
4 ـ عن المجلسيِّ في بحاره ج17ح 37. البداية والنهاية/الجزء الرابع/قصة الشاة المسمومة والبرهان الذي ظهر. أبن كثير
5 ـ راجع موقع مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث. الموقع الرسمي لآية الله المحقق محمد جميل حمود العاملي. لقسم الرئيسي: الفقه. القسم الفرعي: استفتاءات وأجوبة. الموضوع: بماذا مات الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة / 2