سالم مشكور
بعد خمسة عشر عاماً من سقوط نظام صدام الدموي، لم يعد ذلك النظام وممارساته القمعية محل إدانة، بل بات التذكير بها محل إدانة واتهام، ليس من قبل أعوانه وأبنائهم، بل من قبل كثير من المغفلين ممن ينتمون الى شريحة الضحايا لذلك النظام، بحجج غبيّة يرددونها دون إدراك لمضمونها أقلّها: "من جاءوا بعد صدام أسوأ منه" أو "الإسلام السياسي بيّض وجه صدام" وهي مقولات جرى طرحها من جانب جهات تعمل بدقة ودأب منذ سقوط النظام السابق، وعبر وسائل اعلام وأحزاب تعيش بما تركه أعوان ذلك النظام من أموال الشعب المسروقة.
بعد سنوات من الدعاية السياسية غير المباشرة للدكتاتور الساقط، عبر إسقاط هيبة الحكم الجديد، واستغلال فساد وجهل الكثير من أفراده كذريعة في ترسيخ قناعة بأن من خلفه أسوأ أو على الأقل ليس أفضل، بدأت المرحلة الثانية من الحملة عبر الجهر بالترّحم على النظام السابق والاشادة بالوضع العراقي في ظله، مستفيدين من ذاكرة العراقيين القصيرة، وسذاجة الغالبية لدرجة ترديدها عبارات دون فهم مضمونها ودلالتها. هذه الخطة استفادت من تراخي المعنيين في التذكير بجرائم وممارسات النظام السابق التي يقلّ نظيرها في تاريخ البشرية. المصريون أسقطوا نظام مبارك، وهو لا يقاس في طبيعته بنظام صدام، ومع ذلك نرى عشرات الأفلام والمسلسلات التي تعرض قبائح كانت سائدة، بينما معاناتنا في ظل ذلك النظام لا يستوعبها عقل بشري، بدليل اننا كنا نواجه تشكيكاً من قبل من نروي لهم بعض تفاصيلها من العرب والأجانب. ومع ذلك لم نرَ تدويناً لها لا ثقافيا ولا إعلاميا ولا فنيّا، بل وصلنا الى مرحلة بات فيها الحديث عن تلك الجرائم والضحايا محل إدانة المغرضين والجهلة على حد سواء بأنه "عيش في الماضي وتبييض لوجوه فاسدة في النظام الجديد".
كل الشعوب التي تعاني من الظلم والاستبداد توثقه بعد التحرر منه، بشتى الوسائل، لا لكي تعيش في الماضي، بل لتبقيه حياً في ذاكرة الأجيال القادمة لمنع عودته ثانية. هو توثيق لتقوية المناعة من عودته وانصاف للضحايا.
نفهم أن الانتقال الى المستقبل يتطلب الصفح عن مرتكبي الامس، وهذا ما حدث في دول عدة، لكن بشرط الاعتراف بالإرتكابات وإعلان الندم عليها، مع توثيقها للتحصن من تكرارها، بينما الذي يجري عندنا هو أننا ندخل المرتكبين في جسم النظام الجديد بحجة تجاوز الماضي، دون أي اعتراف او اعتذار منهم، بل فسح المجال لهم لرفع أصواتهم بالترحم على الحقبة السوداء الماضية وذيولها التي امتدت الى ما بعد السقوط، والامرّ من ذلك، أن ينبري بعض المنتمين الى أوساط الضحايا بإدانة واتهام من يحاول احياء تلك الجرائم في ذاكرة العراقيين.. القصيرة جداً
أقرأ ايضاً
- الأخطاء الطبية.. جرائم صامتة تفتك بالفقراء
- جرائم الإيموجي
- أهمية التحقيق المالي الموازي في الجرائم المالية