بقلم: مظهر محمد صالح
في خضم الحوار والجدل الاقتصادي الدائر حول مسائل المساواة واللامساواة في توزيع الدخل، تبرز جلياً ثمة علاقة سببية بين المساواة المطلقة في اعادة توزيع الدخل والتدهور المطلق في الكفاية الاقتصادية!
اذ شخّص الاقتصاديون منذ عقود مضت، انه كلما تعاظمت درجة المساواة في توزيع الدخل فان الكلفة الفرصية لتعظيم الناتج او الدخل نفسه ستاخذ بالتقلص ومن ثم الانخفاض والتدهور!
وكثيراً ما تورد الامثلة والنماذج الاقتصادية بهذا الشأن والتي تهدف جميعاً لفهم العلاقة التبادلية بين تعظيم الكفاية و درجة امثلية المساواة الاقتصادية.
لنفترض ان الدخل الوطني للمجتمع هو شيء يماثل قطعة كبيرة من الجبن، صفراء دائرية الشكل، و يجري اعدادها بصورة مستمرة سنوياً.
وان القطعة التي يحصل عليها اي من ابناء المجتمع تمثل مساهمة كل واحد منهم في صناعة او اعداد تلك الجبنة.
ولنفترض ان المجتمع المذكور قرر، ولآسباب تتعلق بالعدالة والانصاف، ان يحصل بعض افراد المجتمع على قطع كبيرة من الجبن والبعض الاخر على قطع اصغر من الجبن نفسه.
ولكن يوم قرر المجتمع إعادة توزيع الجبنة وعلى نحو يحصل فيه الجميع على قطعٍ متساوية من الجبن نفسه، بغض النظر عن مقدار مساهمة كل واحد منهم في اعداد ذلك القرص الدائري الاصفر الكبير من الجبن، فأنهم سيتوصلون و بمرور الوقت الى ان الحجم الاجمالي للجبنة قد اخذ بالانحسار والتقلص عن سابق عهده.
وسيكتشف افراد المجتمع بأنفسهم، ان جبنة اليوم غدت أصغر حجماً من جبنة البارحة!.
وهنا يبرز السؤال الجوهري: لماذا تساهم انت في صنع الجبنة اذا كنت تحصل على قطعة كافية ومناسبة من الجبن من دون بذل اي جهدٍ عمليٍ يُذكر في الانتاج؟ فالاجابة واضحة وصريحة جداَ وهي: ان انخفاض قرص الجبن الدائري الاصفر وتقلص حجمه يمثل في جوهره ذلك الضياع في درجة مساهمة الافراد في الكفاية الانتاجية (اي الضياع في الناتج او الدخل السنوي نتيجة الاتكالية وتدني المساهمة في صناعة الجبنة) وان سبب ذلك ناجم لامحالة عن الاثار المؤذية لآعادة التوزيع الذي لايؤدي الى تحفيز الانتاج ويقمع الانتاجية ولايؤدي الى الادخار ومن ثم الاستثمار ولا الى قبول المخاطر الادارية الريادية والتنظيمية!
كما ان تقلص وصغر قرص الجبن الدائري نفسه يعكس ايضاً تلك الموارد التي هدرها المجتمع ولمصلحة القوى البيروقراطية التي تولت تسيير النظام الاداري لاعادة توزيع الجبنة!!
ولكن يبقى السؤال المدوي: ما هو الحجم الذي يقبل به المجتمع ان يتقلص فيه قرص الجبن الاصفر الكبير عند اعادة التوزيع على نحو يقترب من المساواة؟ فهل الخسارة التي يتسامح بها المجتمع هي 10% ام 20% ام 75%؟ انه السؤال المركزي والاساسي الذي يواجه صناع القرار الاقتصادي حول العالم في البحث عن الحجم الامثل لتوزيع الجبنة بعدالة ومساوة وبأقل خسارة ممكنة في الكفاءة الانتاجية.!!
أقرأ ايضاً
- طوفان القدس والتاثيرات الاقتصادية على العراق
- التحديات الاقتصادية للحكومات المقبلة
- التنمية الاقتصادية في العراق ومقارنتها بالتجربة الماليزية