- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
السوق الحمراء وتفكيك الصدمة الاقتصادية: الصين انموذجاً
بقلم: د. مظهر محمد صالح
بدأت الصين في تفكيك اسلوب الصدمة shock التي عادةً ما تعتمده المدرسة الليبرالية الاقتصادية الجديدة في حربها الناعمة وتحقيق اهدافها في احداث التغيير الاقتصادي المطلوب في منطقة الاستهداف وهو مذهب خطير اعتمدته مدرسة شيكاغو في الاقتصاد الذي قاده ملتن فريدمان في عولمة العالم تحت مسمى الليبرالية الجديدة.
مسلّمين بفرضية ان مايحصل في الصين اليوم هو شكل من أشكال الحرب البيولوجية الناعمة التي تسربت أخبارها في عالم تتنازع فيه اقطاب دولية للهيمنة على الأرض وتدمير الآخر دون دخان المدافع .
فدولة عظمى مثل الصين التي تستثمر اليوم قرابة تريليون دولار من احتياطياتها الرسمية بسندات الحكومة الامريكية ، كونها نتاج للفائض التجاري في ميزان مدفوعاتها المتحقق سنوياً مع الولايات المتحدة (والذي يبلغ المتوسط السنوي لذلك الفائض بنحو٣٥٠ مليار دولار ونجاح الرئيس ترامب بخفضه مؤخراً وجعله ٢٠٠مليار دولار وعلى وفق الاتفاق الاخير مع الصين ) نقول ان تلك الادخارات المالية الصينية الرسمية المستثمرة في سندات حكومة الولايات المتحدة ، تقابلها مصالح واستثمارات امريكية في المصالح الصناعية والخدمية الصينية والتي تعادل رقم الادخار الرسمي او اقل منه بقليل ( ولاسيما من حملة اسهم الشركات الصينية من المقيمين الأمريكان وشركائهم من الأوربيين) .
فهبوط بورصات الشرق الأقصى وبالذات سوقي شنغهاي وهونك كونك الشهيرتين والأسواق المهمة القريبة الأخرى في الأسابيع القليلة الماضية بسبب صدمة الوباء وما تحقق من خسائر باسعار الأسهم المدرجة للشركات الصينية الكبرى في الاسواق المالية العالمية في شرق العالم بنحو بلغ ٣٠٪ من قيمة الأسهم السوقية لها ، لابد من ان يجد مضارب شديد الذكاء يمتلك القدرة في التحصيل والربح والإمساك بمراكز سوق المستقبليات بأمل الصعود مستقبلا وعد ذلك وسيلة ينتفع بها من تفكيك الصدمة السعرية نفسها.
وهو مايسمى بالمراكز القصيرة short postions في سوق المستقبليات . فإقدام الشركات الصينية الحكومية نفسها بالشراء البخس لاسهم شركاتها المدرجة الهابطة بأمل الصعود في القيمة السوقية مستقبلًا وتعظيم مراكز الثروة سيظل يمثل التحدي الأوسع في تحويل الخسارة إلى فرصة ربح .
لذا لم نستبعد ثمة مكاسب جراء الحرب الناعمة القائمة في الشرق الأقصى التي تقابلها خسائر مستمرة في اسواق الصادرات والاسواق الخارجية للصين عموما بسبب الوباء وانتشاره .
فالحرب الوبائية الناعمة مثلها مثل كل الحروب التقليدية فلا رابح فيها قطعاً ازاء الخسائر ولكن هنالك مكاسب ذكية ناعمة تقلل تبعات الحرب نفسها يستغلها الاذكياء.
وبالرغم مما تقدم ، ستظل الصين اللاعب الاقتصادي المحرك لإدامة زخم النشاط الاقتصادي العالمي .
فانتشار فايروس كورونا وآثاره في انكماش النشاط الاقتصادي للصين سواء بتوقف ثلث الصناعة التحويلية وتعثر نشاطات مهمة في قطاع النقل والاتصالات مع العالم وشبهه توقف لحركة العاملين الصينيين مع العالم الخارجي ، قد اخذ انعكاسه للوهلة الأولى وبصورة مباشرة على أسواق الطاقة.
فمعدلات استهلاك الصين لمواد الطاقة المستوردة وخصوصاً النفط قد انكمشت هي قبل غيرها .
فالصين التي تستهلك بنحو ١٤ مليون برميل نفط يومياً وأكثر من نصف استهلاكها المذكور أعلاه هو من النفط المستورد ( اي استيرادات تقدر بنحو ٨ ملايين برميل نفط يومياً ) قد قلصت طلبها مؤقتاً على النفط وبنحو زاد على ٢٢ ٪ من احتياجاتها اليومية التقليدية، بسبب تقلص النشاط الاقتصادي الكلي ، الأمر الذي تسبب في ولادة تخمة في المعروض النفطي في اسواق النفط العالميةً وتراجع في اسعار النفط ولاسيما خلال الثلاثين يوماً الماضية.
اذ زاد الانخفاض في اسعار نفوط العالم على ٢٠٪ ، واذ ما استمر الحال هكذا فان كساداً محتملاً في النشاط الاقتصادي الدولي قد يحدث لا محال ذلك لكون الصين والتي تمثل ثاني اكبر اقتصاد في العالم (سواء في مكونات الناتج المحلي الاجمالي العالمي او المساهمة في التجارة العالمية ) هي قاطرة الاستقرار الاقتصادي والمتحكم بالنمو العالمي.
فالجميع يتذكر ازمة الرهن العقاري الامريكية عام ٢٠٠٨ وتداعياتها، ولولا قدرة اقتصاد السوق الاحمر red market economy واندفاع النمو الاقتصادي الصيني حينها بمعدلات سنوية قاربت ٩٪ لحدث كساد ربما فاق كساد عام ١٩٢٩- ١٩٣٣ والمسمى بالكساد العظيم.
ختاماً، عندما تصحى الصين وتنتعش السوق الحمراء فيها يصحى العالم وينتعش... وعندما تمرض الصين وتصاب بالحمى الحمراء يمرض العالم ويتعثر اقتصاده.