- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
العراق والبنك الاحتياطي الفيديرالي الامريكي: الدبلوماسية الاقتصادية والارادة الاممية
بقلم: د. مظهر محمد صالح
١- العراق والارادة الدولية
اولاً، لم يخرج العراق عن دائرة فرض شروط المنتصر في حرب الخليج الثانية التي قادت الى تغيير النظام السياسي السابق في العراق والقبول بقرار مجلس الامن ١٤٨٣ في مايس ٢٠٠٣/الذي اسس في واحدة من فقراته لصندوق تنمية العراق DFI الذي يمثل بطبيعته فتح حساب مصرفي باسم البنك المركزي العراقي (ولمصلحة حكومة جمهورية العراق) لدى البنك الاحتياطي الفيديرالي في نيويورك NY FED لتودع فيه عوائد النفط الخام العراقي المصدر والمشتقات النفطية والغاز (ان وجد) او اية اموال مجمدة تعود للحكومة العراقية في دول العالم.
اما عائدات النفط فتودع في حساب رئيسي او حساب ابتدائي (لدى البنك الاحتياطي الفيديرالي) اسمهOPRA اي حساب المقبوضات النفطية بغية استقطاع تعويضات حرب الكويت التي حددت وقتها بـ٥٪ من عوائد كل برميل نفط عراقي مصدر (وتذهب الاستقطاعات كتعويضات) الى حساب اخر لدى الاحتياطي الفيديرالي ثم تحول لاحقاً الى حساب تابع الى UNCC اي لجنة الامم المتحدة للتعويضات المفتوح لدى بنك JPMorgan.
اما صافي المبلغ بعد الاستقطاع فيذهب الى حساب لدى الاحتياطي الفيديرالي يسمى DFI / صندوق تنمية العراق كما نوهنا سلفا ويسمى اليوم Iraq2 والممسوك من قبل البنك المركزي العراقي لمصلحة حكومة العراق.
ثانياً، يعد العراق في الاحوال كافة منطقة دولار لكون سوق النفط هي سوق دولارية بالاصل في التسعير والتسديد.
ومن جانبه يمتلك البنك المركزي قرابة نصف احتياطياته بالدولار والناجمة عن قيام الحكومة العراقية بمبادلة ٧٠٪ من دولاراتها في حسابها في الفيديرالي الامريكي وتحول الى الدينار العراقي الذي يصدره البنك المركزي بغية تغطية نفقات الموازنة العامة بالعملة الوطنية لكون البنك المركزي العراقي هو بنك الاصدار. وعليه فالعراق حاليا هو منطقة دولار في تجارته الدولية او مع شركائه التجاريين كافة بنسبة ٩٠٪.
فمالم يكون العراق منطقة يورو او باون استرليني وغيرهما وبنسبة ١٠٠٪ فلا فائدة من نقل الحسابات الدولارية موضوع البحث. فالتصرف بالدولار وحتى وان اودع البنك المركزي العراقي احتياطاته وايرادات الحكومة بالدولار في بنك اوروبي او صيني، فانه سيخضع لرقابة مكتب السيطرة على الموجودات الخارجية OFAC لدى الخزانة الامريكية والذي يستطيع التجميد والمصادرة على حركة الاموال بالدولار مابين المصارف العالمية بحكم سيطرته على انظمة التحويلات SWIFT او غيرها.
ثالثاً، وفي ضوء ما تقدم فان التخلي عن عملة الدولار كعملة احتياطية والعمل بعملة احتياطية اخرى وتحويل ايرادات النفط الى عملات دولية بديلة واستخدام وسائل تسديد وبناء احتياطيات من غير الدولار هو عمل مكلف على اقتصاد نفطي مثل الاقتصاد العراقي الذي مازال يتعاطى بعوائد نفوطه بعملة الولايات المتحدة.
فالدولار الامريكي مازال يهيمن على ٨٦٪ من التحويلات المالية في المعاملات والتجارة الدولية وعلى ٦٠٪ من القروض التي تمنحها المصارف العالمية وان نصف الاحتياطيات الرسمية بالعملة الاجنبية لدول العالم هي بالدولار.
واخيراً، فان تغيير آليات دفع تعويضات حرب الكويت ونقلها الى منطقة ولاية قضائية jurisdiction او مصرفية اخرى غير الولايات المتحدة، سيحتاج فيها العراق الى قرار من مجلس الامن الدولي كي يغير آليات استقطاع تعويضات حرب الكويت (علماً ان المتبقي من تلك التعويضات يقال هو قرابة ٣ مليار دولار ونيف من اصل ٥٢،٢ مليار دولار).
لذا فان تعديل قرار مجلس الامن ١٤٨٣ لسنة ٢٠٠٣، ان تم فسيعني اعطاء اكثر من اشارة سياسية سالبة صوب الولايات المتحدة !!! ولا اعتقد ان العراق هو في وضع يقدم على هكذا خطوات ازاء التعاطي مع الولايات المتحدة الامريكية من خلال مجلس الامن الدولي وهو يرتبط بمعاهدة الاطار الستراتيجي.
٢- حماية اموال العراق في منطقة الولاية القضائية الامريكية
لا توجد حماية immunity للرئيس الامريكي حالياً على اموال جمهورية العراق في منطقة الولاية القضائية الامريكية jurisdiction كما يعتقد البعض والتي اعتمدت بالامر الرئاسي الاول بالرقم ١٣٣٠٣ منذ شهر ايار عام ٢٠٠٣ على حساب صندوق تنمية العراق DFI وقت ذاك والمفتوح باسم البنك المركزي العراقي لمصلحة حكومة جمهورية العراق اي الحساب المفتوح لدى البنك الاحتياطي الفيديرالي الأمريكي في نيويورك.
وقد ظل موضوع الحماية يفسر حالياً على النحو الاتي:
اكرر انه لاتوجد حماية رسمية حالياً بموجب امر رئاسي تنفيذي للرئيس الأمريكي على الودائع العراقي في منطقة الولاية القضائية الامريكية وهو الامرالذي ظل يتجدد سنوياً executive order حتى أخر تجديد الذي كان في العام ٢٠١٢ -٢٠١٣حينها سدد العراق تعويضات للأمريكان وبنحو ٤٠٠ مليون دولار سميت (بمطالبات الأذى tort claims).
وجرى اخر تمديد للحماية الامريكية على اموال العراق في عهد الرئيس اوباما الذي اشترط بموجبة ان يلتزم العراق بهيكلة المصارف الحكومية ضمن مشروطيات صندوق النقد الدولي المنوه عنها في اتفاق الاستعداد الائتماني SBA الموقع في العام ٢٠١٠ وكانت الحماية وقتها نهائية ولسنة واحدة فقط.
فضلاً عن انتهاء حماية الامم المتحدة على اموال العراق وعلى النحو الذي وفره القرار ١٤٨٣ لسنة ٢٠٠٣ والتي انتهت ايضاً منذ صدور القرار الاممي ١٩٥٦ في نهاية العام ٢٠١٠ والذي أعطى مهلة ٦ اشهر في حينها لانتهاء الحماية الاممية على الاموال العراق ولاسيما في حساب المقبوضات النفطية OPRA وتفرعاته الممثلة بحساب DFI في حينه. وقد انتهت الحمايتين تباعاً بين السنوات ٢٠١١ - ٢٠١٣.
السؤال هو كيف استمرت اموال العراق تحمى لغاية اليوم دون ملاحقات من دائنين تجاريين محتملين؟
في اعتقادي ان وجود استقطاعات حرب الكويت على آلية عوائد النفط ظلت توفر حماية (اممية) تلقائية لحساب العائدات النفطية المفتوح لدى FRBNY.
اما حساب البنك المركزي العراقي الذي يضم احتياطات البنك المركزي بالدولار، فهي محمية بموجب القوانين الاحتياطية الفيديرالية التي تقول ان اموال البنوك المركزية المستقلة لدى البنك الاحتياطي الفيديرالي (كبنك مركزي مستقل) توفر بنفسها الحماية القانونية من اية ملاحقات قضائية attachments او حجز لدائنين تجاريين لكون تلك الاموال هي للحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي للبلاد، وهنالك سابقة قضائية للارجنتين بهذا الشان بموجب قرار لمحكمة نيويورك يوم ردت دعوة لملاحقة قضائية اثارها دائنون تجاريون قبل اكثر من عقد ونيف من الزمن.
٣- ادارة المحفظة الاستثمارية الخارجية للبنك المركزي العراقي.الديبلوماسية والكفاءة
ينصرف النقاش الاقتصادي اليوم حول التوظيف المالي العراقي لاحتياطاته المتاحة بالعملة الاجنبية والمشار اليها آنفا، وهي اموال البنك المركزي العراقي تحديداً سواء اكانت مودعة وتدار استثماراتها لدى البنك الفيديرالي الامريكي او غيره من المصارف المركزية الاوروبية او العالمية الاخرى.
فهو يمثل في جوهره ادارة المحفظة الاستثمارية لاحتياطيات البنك المركزي العراقي بالعملة الأجنبية وهي استثمارات بالغالب قصيرة الاجل (وهي ليست فوائض الخزينة العامة كما يتصوره البعض) وهي اصول او (موجودات اجنبية) ساندة للدينار العراقي المصدر كعملة وطنية من البنك المركزي بكون الدينار (هو مطلوبات لحامله).
وعادة ما تحافظ تلك الاحتياطيات الاجنبية على سيولتها العالية او شبه السائلة بالعملة الاجنبية ولا تذهب باستثمارات طويلة الاجل، بل تتم باستثمارات مالية قصيرة الاجل ومدرة للدخل وتجعل الموجودات الاجنبية المستثمرة في حالة شبه نقد سائل كحوالات الخزينة الامريكية او الاوروبية ذات اجل ٣ -٦ اشهر بالغالب من دول تصنيفها الائتماني عالي جدا AAA او استثمارها بوديعة ثابتة لمدة محددة قابلة للكسر او السحب عند الحاجة.
او يمكن الاحتفاظ بجزء منها بصورة سائلة بحساب جاري في واحدة من البنوك المركزية الاولى في العالم. وهكذا تمارس الصيرفة المركزية تطبيقاتها وعلى وفق ادلة الاستثمار المعتمدة عالميا في إدارة محافظها وحماية احتياطاتها الأجنبية والتي تشترط ان تكون الموجودات سائلة او شبه سائلة وآمنة ولا يمكن تحويلها الى استثمارات طويلة الاجل عالية المخاطر فضلا عن تنويع المحفظة diversification بمختلف العملات وادوات الاستثمار المالي كالسندات الحكومية الاجنبية ذات التصنيف الائتماني الممتاز، ذلك بغية المحافظة على قيمة المحفظة الاستثمارية من مخاطر سعر الصرف وتقلب قيم العملات.
فعلى سبيل المثال لايجوز الاستثمار في ادوات مالية عالية المخاطر كشراء اسهم شركات بناء الطرق او الشركات الصناعية وما يماثلها او في الموجودات الثابته كالعقارات والمباني على سبيل المثال، فالاستثمارات المادية الطويلة الاجل هي من مهام السياسة الاقتصادية في التنمية وصناديقها السيادية. في حين تأتي استثمارات البنوك المركزية في موجوداتها الاحتياطية الأجنبية وقتية وشبه سائلة لتامين الاستقرار في النظام المالي والنقدي للبلاد معًا ذلك بموجب قوانينها واهدافها كسلطات نقدية.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي