نزار حيدر
عندما يُذكر الإِمام عليُّ بن الحُسين السِّبط السجَّاد زَين العابدين (ع) يُذكر معهُ سِفران عظيمان هُما؛ [الصَّحيفة السجاديَّة] و [رِسالة الحقُوق] اللَّتان لم يُجد الزَّمان بمثلهِما أَبداً.
وخيراً تفعلُ العتبة الحُسينيَّة المقدَّسة عندما تُقيم مهرجانها السَّنوي العالمي بعِنوان [تراتيل سجاديَّة] تحضرهُ وفودٌ وشخصيَّاتٌ من مُختلفِ دُول العالَم لتسليطِ الضَّوء على هذَين السِّفرَين وإِثارةِ الإِهتمامِ بهما من قِبل العلماء والمفكِّرين والباحثينَ والأَساتذةِ الجامعيِّين والمُتخصِّصين.
وقد عُقد المهرجان الخامس هذا العام تحت عُنوان [رسالة الحقوق للإِمام السجَّاد (ع).. أُسس واقعيَّة للتَّعايش السِّلمي].
فالتَّعايش السِّلمي الْيَوْم واحدٌ من أَهمِّ وأَكثر العناوين والمبادئ التي تحتاجها البشريَّة في ظلِّ الصِّراعات والحروب والإِرهاب والظُّلم الذي باتَ يخيِّمُ على الشُّعوب والأُمم جرَّاء السِّياسات الفاسِدة والفاشِلة التي ينتهجُها [الكبار] الذين يحكمُون العالَم و [الصِّغار] الذين ينفِّذونها!.
ولذلك ينبغي أَن نؤَسِّس لـ [التَّعايش السِّلمي] هذه المرَّة من تحت أَي من الشَّارع والقاعدةِ وليسَ من القِمَّة [التي تعمل على إِشاعةِ ثقافة الطَّائفيَّة والعُنصريَّة لضمانِ إِستمرار الخلافات بين الأُمم والشُّعوب وفِي داخلِ المُجتمعِ الواحد لضربِ التنوُّع والتَّعايشِ ليسهل عليهِم السَّيطرةِ على العالَم!] من خلالِ إشاعة أُسُس التَّعايش وصناعةِ رأيٍ عامٍّ وثقافةٍ عامَّةٍ يستوعبها المُجتمع ويحتضنها النَّاس ليخلقُوا أَمراً واقعاً يتجاوز السِّياسات الفاسِدة التي تنتهجها الأَنظمة السياسيَّة ويتحدَّى مُحاولات التمزُّق بذريعة التنوُّع!.
لقد بِتنا، بسببِ الإِرهابِ باسمِ الدِّين، متَّهمون بأَنَّنا لا نُؤمنُ بالتَّعايش لأَنَّنا لا نحتضن التنوُّع! ولذلكَ تتضاعف مسؤُوليَّتنا في كشفِ الحقيقةِ التي تصدَّى لجانبٍ منها مهرجان [تراتيل سجَّاديَّة]
وإِنَّ ما يُؤسف لَهُ هو أَنَّ البشريَّة عموماً وشعوبنا على وجهِ الخصوص لم تقرأ أُسس التَّعايش السِّلمي في [رسالة الحقوق] وإِذا قرأَتها لم تنتبه لها وإِذا انتبهت لها لم تتَّخذها خارطةَ طريقٍ لتحقيق التَّعايش على أَرض الواقع.
وبرأيي فإِنَّ التعايش السِّلمي يبدأ من الكرامةِ الإِنسانيَّة فإِذا تحقَّقت كرامة الإِنسان في مجتمعٍ من المجتمعات يبدأ مسير ميل التعايش الذي يبدأ بخطوةٍ وخُطوتهُ الكرامة الإِنسانيَّة! فإِذا عُدنا إِلى مُجتمع المدينة فسنلحظ هذه القاعدة والمُعادلة بشَكلٍ واضحٍ جدّاً من خلالِ حرص الرَّسول الكريم (ص) على تحقيقِ الكرامة الانسانيَّة لكلِّ مواطنٍ بغضِّ النَّظر عن خلفيَّتهِ.
كما أَنَّ أَميرَ المُؤمنينَ (ع) حرصَ كلَّ الحرصِ على تحقيقِ ذلك كذلك، فكانَ يموتُ كمداً إِذا سمع أَنَّ امرأةً مُعاهدةً تعرَّضت في دولتهِ لظُلمٍ ومن أَيِّ نوعٍ كانَ! كما كان حريصاً جدّاً على أَن يُبيِّن حقوق المواطنين قَبْلَ أَن يدعوهم للإِلتزام بواجباتهِم لأَنَّ المُواطن الذي تُنتهك حقوقهُ بلا كرامةٍ فكيفَ تطالبهُ بأَن يلتزم بواجباتهِ؟! فكانَ يَقُولُ (ع) {أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً، وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ:
فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ: فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ، وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ، وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْلا تَجْهَلُوا، وَتَأْدِيبُكُمْ كَيْما تَعْلَمُوا.
وَأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ: فَالوَفَاءُ بِالبَيْعَةِ، وَالنَّصِيحَةُ في الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ، وَالاِْجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ، وَالطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ}.
إِنَّ كلَّ ما وردَ في [رسالة الحقوق] يصبُّ في جوهرهِ في قاعدة تحقيقِ الكرامة الإِنسانيَّة من خلالِ ضَمان حقِّ الإِنسان في؛ التَّعليم والصحَّة والأَمن والعَيش الكريم! فإِذا تحقَّق ذَلِكَ لكلِّ مُواطنٍ في المُجتمعِ فسيتحقَّق التَّعايش السِّلمي بأَبهى صُورهِ! ولذلك أَرى أَنَّ العنوان الذي اختارهُ المهرجان لنفسهِ يصبُّ في جوهرِ الهدفِ الأَسمى وأَقصدُ بهِ التَّعايش السِّلمي.
أَخيراً..
أَودُّ الإِشارةِ إِلى أَنَّ ما تعرَّضَ لَهُ المهرجان من طعنٍ بذرائعَ شتَّى إِنَّما هو دليلٌ على نجاحهِ وتأثيرهِ الإِيجابي في السَّاحةِ! ولا أُزيد!.
أقرأ ايضاً
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب
- التعويض عن التوقيف.. خطوة نحو تطور التشريع الإجرائي