عباس الصباغ
هو الادمان على متابعة العالم الافتراضي او مايسمى بمواقع التواصل الاجتماعي (Social Media) بكافة انواعها، ويعرّف علماء السايكلوجيا الادمان بانه (اضطراب سلوكي يصيب الإنسان من خلال تعوده على ممارسة معينة أو فعالية ما، نتيجة الإسراف الى أن يصل الى عدم الاستطاعة على الاستغناء عنها) فيوصف بذلك سايكلوجياً ذلك الولع والهوس غير الطبيعي بمواقع التواصل الاجتماعي بالإدمان، والشخص الذي يصرف جلّ وقته وجهده واهتمامه مع تلك المواقع بالشخص المدمن، وهو توصيف يقترب بعض الشيء من حالات الادمان على الخمور او المخدرات، وكان آخر ما توصّل إليه الباحثون من ألمانيا نتائج وصفت بالصادمة حول تشابه تأثير الشبكات الاجتماعية وتأثير الكحول والمخدرات على الجسم، وهي حالات تستدعي تداخلا طبيا ومعالجات نفسية وقائية مكثفة الى ان يتعافى صاحبها، اما في حالة الادمان على مواقع التواصل الاجتماعي فتحتاج الى جهود مكثفة من قبل التربويين والسايكلوجيين ووسائل الاعلام للتخفيف من غلوائها وخطورتها على كافة المستويات الانسانية كالعقلية والنفسية والاسرية والمجتمعية والاجتماعية والاخلاقية وحتى الطبية فالمسالة اخطر مما نتصور وهي اوسع من كل التخمينات، وأصبحت مصدر تهدّيد جدي للأمن الاجتماعي والاخلاقي والسياسي وحتى العقلي للفرد وللمجتمع.
ومما يؤسف له ان البعض يتخذ مايرد في مواقع التواصل الاجتماعي من معلومات واخبار على انها مسلّمات اعلامية لاياتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها بل وحتى لايشكك في صحتها ولايكتفي بذلك بل ويحاول ان ينشرها على اوسع نطاق من خلال الشبكة العنكبوتية التي ينتمي اليها او (الكروبات) التي تمت استضافته فيها فتحلّق تلك المعلومات في كل مكان بعد ان يتلاقفها الآلاف من المشتركين الافتراضيين حول العالم وكم مرة اثبتت الحقائق زيف وبهتان بعض المعلومات التي انتشرت بسرعة البرق دون تمحيص او تدقيق من قبل المشتركين في هذا العالم الافتراضي، فالمهم لدى البعض هو عدد "الاعجابات" او المشاركات التي تتعلق بمنشورهم وليس صحة ذلك المنشور من عدمه وبهذا تفقد تلك المواقع قيمتها الاعلامية ورصانة المعلومات التي ترد فيها واهميتها بالنسبة لوسائل الاعلام الاخرى.
الهدف من بعض المعلومات التي ترد في مواقع التواصل الاجتماعي هو تضليل الراي العام وزعزعة الاستقرار السياسي وتفكيك ترابط النسيج المجتمعي وانحلال الروابط الاسرية واحداث بلبلة تخدم الاجندات الخارجية كون بعض هذه المواقع تعمل كطابور خامس وبشكل خفي مادام العالم الافتراضي يعطيها هامشا مريحا للعمل وبعيدا عن المراقبة فكم من معلومة زائفة اشعلت واقعا سياسيا مستقرا او بثت اشاعة ادت الى كوارث اقتصادية او اشعلت حروبا دبلوماسية او ادت الى حدوث نزاع عشائري مستطير ازهقت فيه ارواح بريئة او شرذمت عوائل بأكملها الى مهاوي الطلاق كما ساهمت في تعرض الفرد بسببها الى حالات من العزلة عن واقعه الاجتماعي والاكتئاب والقلق والاضطراب النفسي. فالإفراط في استخدامها يؤدي الى تشوهات اجتماعية، ويؤدي غالبا الى قطع التواصل الاجتماعي الحقيقي،، وقد يسبب ادمان زيارة مواقع التواصل الاجتماعي لدى الاطفال عيوبا في النطق وفي التعبير عن الذات مما يلزم في بعض الاحيان جلسات تخاطب لتنمية المهارات اللغوية.
وبسبب الافراط في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي صار البعض يصفها بمواقع "التقاطع" الاجتماعي لأنها تؤدي الى تقاطع بين افراد الاسرة الواحدة التي اصبحت بهذه المواقع شذر مذر لايربطها سوى المكان تحت مسمى الاسرة وهكذا مع بقية افراد المجتمع وذوي الرحم والجيران فقد انفصمت غالبية الروابط الاسرية والمجتمعية وانحسرت لصالح رابطة التواصل الافتراضي التي فرضت نفسها بالإدمان المتواصل.
ورغم ان تلك المواقع سهّلت التواصل الاجتماعي البنّاء، وأزالت الحواجز بين افراد المجتمع داخلياً، ومهّدت الطريق الى التواصل خارجياً مع المجتمعات الأخرى المختلفة عبر العالم، كما وفرت سبل الاطلاع على المعارف الانسانية المختلفة، وفتحت آفاق التعرف على ثقافات الشعوب الأخرى القريبة منها والبعيدة، ومن ثم ما يمكن أن توفره من سلاسة في تبادل الآراء والأفكار بسهولة وبسرعة بالغة مع الآخرين.. وكذلك نقل المعلومات والاخبار وبعض المعارف من خلال أجهزة النقال أو الحاسوب. الا ان الافراط في استخدامها الى درجة تكون الشغل الشاغل للناس وتستحوذ على كل اهتماماتهم ومشاغلهم وارتباطاتهم هذا الافراط افقد اهميتها الاعلامية كمصدر رصين وموثوق به يضاف الى وسائل الاعلام الاخرى التي لاتستدعي سوى المتابعة الجادة والاستمتاع بها دون افراط او تفريط.