بقلم | هشام الهاشمي
مرت ليلة امس البصرة بتجربة استثنائية حين راهن الكثير على انهيار مؤسسات الدولة وهروب قوات الأمن الى تدهور ما بقي من البنى التحتية، وعودة مسلسل الموصل عام 2014، استحلال المال العام وتدميره والأضرار بالممتلكات الحكومية، كردة فعل للتعسف العنيف الذي أزهق ارواح 6 من شباب البصرة بالاضافة الى 103 جريحا وهناك حالت حرجة بحسب المراصد الطبية والحقوقية.
في ساعات النهار هاجم قناص من احدى ابراج ديوان محافظة البصرة مجاميع سلمية واصاب الكثير منهم بالرصاص الحي، ذهل صديقي عمار الكعبي من نجاته، وهو يرى أصحابه يسقطون جرحى بفعل رصاصات القناص الملثم، وحين وصل الى مكان أمن بعيدا عن مديات الرصاص الأعمى، وجد نفسه بالقرب من ثلاثة جرحى ممدين على الأرض لا حولة لهم ولا قوة، وليس هناك مسعف بالقرب منهم.
دمدم احد الجرحى الذي لا يزال بوعيه، ابتعد عن مرمى النار هذا القناص يستهدف الرأس والوجه والصدر.
عمار قال للجريح؛ أن من العار والنذالة قتل محتج سلمي اعزل عاجز عن الدفاع نفسه.
نقل عمار احد الجرحى الى مستشفى الصدر التعليمي، حيث وجد نفسه وحيدا في ممر الطوارئ مع الجريح، لم يبادر لمساعدتهم احدا من كوادر المستشفى بسبب قلتهم وايضاً ازدحام الردهات بالجرحى، الجريح أوضح لعمار انه يعاني ألما شديدا في رأسه، عمار قال له بهدوء تحمل لعلهم يتفرغوا لك فالعدد كبير، عمار يتمتم مع نفسه وهو يمسك على الجرح العميق الذي في رأس الجريح "يا للمسكين من يهتم لك صحيحا حتى يهتم لك جريحا او ميتا".
جاء احد طاقم الطوارئ ونقل الجريح الى الردهة حتى يعاينه الطبيب الخفر، يقول: تبادلنا الابتسامات والنظرات والدموع، وتذكرت قول أمي لي "اصنع الطيب فلا يضيع عند الله".
لم تصبر مجاميع المحتجين طويلا على استهتار بعض عناصر الأمن، حتى قطعوا معظم شوارع مركز المدينة والجسور، واجبروا القوات الأمنية على التراجع الى ثكناتها والبعض منهم تخلى عن سلاحه والعجلات العسكرية وغادر واجب الحراسة بدون اَي سلاح.
شاهد عيان من مركز البصرة؛ شاهدت عشرات الجنود الشرفاء في الگرمة ينسحبون وكان ضباطهم من المحترمين الشرفاء وقالوا "نحن وأنتم واحد".
عند الساعة الحادية عشر مساءً بلغ الغضب أوجِّه وبلغت القلوب الحناجر، وفشل اجتماع الدكتور العبادي في اسكات غضب الجماهير، وايضاً فشلت قيادة عمليات البصرة أن تفرض حضرا للتجوال.
أمضى اهالي البصرة ليلة عصيبة وأدركوا ان وضع الحكومة المحلية واللجان الوزارية بالغ الفشل وان جموع الشباب يسيطرون على الموقف في جزء كبير من مركز المدينة.
ليلة أمس، قاد المثقفون حملات واعية في إسناد حق المحتج السلمي وانتقاد السلوك العنيف والقوة المفرطة من بعض العناصر الأمنية، وكانت حملات تحث جموع الشباب الغاضب بضرورة المحافظة على المال العام ومؤسسات الدّولة.
وبدت البغضاء والكراهية العميقة من أفواه وتدوينات الثورچية الذين يريدون للبصري ان يقتل اخاه رجل الأمن ويدمر ما بقي من مؤسسات الدولة في البصرة.
قال لي احد ضباط الشرطة في مركز البصرة؛ الحلول التي قدمتها اللجان الحكومية كانت متواضعة وهي بعيدة عن الحقيقة والمصداقية مجرد وعود مخدرة ومسكنات اكسباير، انتشرت الأمراض والأوجاع بعد العيد بشكل كبير الى حد بلغ عديد الإصابات المختلفة 1500-1700 إصابة يوميا، وعلى الرغم من التعتيم والقيود الصارمة على المعلومات والاحصائيات فقد كان من الضروري فضح فشل اللجان الحكومية، لن أنسى ما حييت وقاحة احد ضباط العمليات عند سماعه لاستغاثة جريح يطلب المساعدة، وهو يقول اتركوه لقدره ولا أحد يقترب منه فهذا ليس واجبكم.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً