بقلم | عبد العظيم البدران
لا يبدو التعقيد وحده السمة الابرز للمشهد السياسي الذي يدور في فلك الكتلة الاكبر برلمانيا بين حق النائب او حق الكتلة، ثمة وجه اخر كان من اللطافة بمكان اذ عكس حجم التناقض وكمية "الكذب الابيض" السياسي، الذي لا يدخل في دائرة المحرم لا سمح الله.
ابرز تلك التناقضات هي الادعاء بجمع اعداد آخذة بالتصاعد بين محوري الطرف الشيعي، بدأت تشبه اسواق المزادات العلنية، ما ان تخلد لبرهة حتى تجد الكتلة الفلانية بحسب الاعلام الفلاني قد انضمت الى المحور الفلاني، ثم يأتي النفي، ثم يأتي ادعاء اخر، وهملجرا..
ممارسة السياسة لا شك رغبة ذاتية بالحكم لا سواه، يؤطرها الاسلاميون بالتكليف الشرعي ويسبغ عليها غيرهم اطار الخدمة العامة، مثلها يغلفها القوميون بخدمة الانتماء والعمل على تعزيز دور الامة، والرابط المشترك بين هؤلاء جميعا هو الرغبة الفاضحة في الممارسة السياسية وحب السلطة لا سواها.بناء على ذلك، تجد ان تزاحم الارقام مسألة طبيعية اذا ما تخلينا عن النظرة المثالية التي ترى في الممارسة السياسية نوعا من التكليف او اداء للعبادة ومطالبة الاخرين بان يكونوا على درجة عالية من الزهد والتقوى. فالأهداف المرسومة تبرر كل السياقات الممكنة في الوصول اليها.
من جملة التناقضات التي تندرج في اطار الطرائف هي تهافت القنوات الاعلامية التابعة لكلا القطبين على تقديم اخبار تصل حد التناقض، وممارسة الكذب الفاضح والمبالغة في نقل الحقائق وتقديمها بصورة مجتزأة بحسب الانتماء، حتى يكاد المشاهد ان يتوقع الخبر العاجل على القناة الفلانية بمجرد مطالعة خبر اخر على زميلتها المضادة.. ثم ما تلبث تلك القنوات وهي تمارس العمل الوطني ان تقطع تغطيتها المباشرة لتبث الاذان وتدعو للجميع بحسن العاقبة، يضاف الى حجم الفواصل الممل وهي تؤكد مصداقية الخبر ونقل الحقيقة والدقة في المعلومة!
وسط كم الضجيج الهائل والمتناقض الذي تبثه القنوات مدعية المصادقية، ثمة مشاهد طريفة لا تخلو من فكاهة تبعث على راحة المشاهد وتبديد رتابة النقل المشوش. من ذلك، يسأل مراسل احدى القنوات الفضائية نائبا جديدا اثناء النقل المباشر، وقد بانت على النائب اعراض الانفلوانزا الشديدة وحشرجة الصوت: بالتأكيد ان تلك الحشرجة من مياه البصرة وجوها الملوث.
ثم يجيب النائب وقد ارتسمت دمعة افتراضية على خده الشريف. نعم، اهلنا هناك يتعرضون لمأساة. ويواصل في استعراض المأساة التي تجعل منه وكتلته بطل تحرير قوميا، دون ان يشير الى انه ومن يقف وراءه كان ولا يزال سببا رئيسا في ذلك.
اللطيف في ذلك، انك ستشاهد بعد ساعات على تلك الفضائيات برامج دينية مباشرة عن الاحكام الشرعية يجيب فيها المقدمون عن السهو في عدد الركعات واهمال بعض التكاليف الشرعية سهوا، وستجد التفاصيل الدقيقة في بيان الاحكام وكيف تتفنن في انتشال الانسان من عالم المعصية الى عالم الفضيلة!
فضائية اخرى، وفي سياق خصومتها الواضحة مع احد السياسيين الذي يروج له لتولي منصب معين، تصف ذلك السياسي بـ"الصبي"، ثم تنقل بالمانشيت العريض قولا لاحد المحللين السياسيين في برنامج لها يعيب على السياسيين ان يتولى شخصا في الثلاثينات من عمره ادارة احد المرافق الرئيسة في البلاد.. ثم ما تلبث ان تبث برامج اخرى تؤكد دور الشباب في ادارة المرافق التنفيذية الحيوية!
المصلحة الخاصة في كل الاحوال هي التي تسوق الكتل السياسية وتبرر سلوكياتها، وليس ثمة من يخامره الشك وهو يطالع نحو ثلاثة ملايين شخص في طريق الابادة بالامراض ومستشفيات تغص وشكوى تصل الى السماء ولا تطرق اذان الساسة، وشعب منتفض لا يقابل الا بالرصاص الحي، ومن وراء ذلك صراع محموم على اعادة الخراب وتدور ذات الازمات، والانكى من ذلك، وجه السياسة الاخر الذي يعكسه الاعلام واصراره على ادعاء الفضيلة مع كل الاقنعة المتساقطة تباعا!
أقرأ ايضاً
- جنون اسعار العقارات في بغداد .. السوداني والتحدي الاكبر
- الكاظمي والحوار والكتلة الحرجة
- من يعرف من تكون الكتلة الأكبر ؟