- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التغير في سوريا موقف العراق المتأرجح
بقلم/ مصطفى فريق الفتلاوي
ما إن نشطت رياح التغيير في سوريا سرعتها الجنونية والمفاجئة وكأنّها عاصفة قوية تشكلت فجأة وضربت بلاد الشام بسرعة البرق، فاقتلعت شجرة نظام الأسد وحلفائه من جذورها وسط ذهول الجميع بعد أن شاهدوا الانهيار التام لنظام حكم سوريا قرابة نصف قرن، حكمٌ حديدي عسكري حول سوريا إلى سجن كبير يشبه المسلخ، ولكنه لسلخ جلود البشر، وليس لسلخ الذبائح من الحيوانات التي أباح الله أكلها لبني آدم. التغيير في سوريا كان ثمرة لنضال استمر ثلاثة عشر عامًا عانى فيها الشعب السوريّ معاناة كبيرة جدًّا من قتل وتهجير واعتقال وتغييب واغتصاب ليس له مثيل، إلا أنّ هذا التغيير كان مثيرًا للجدل ليس بسبب سرعته ومفاجئته فحسب بل للشخصية وللجهة التي تصدّت للتغيير ونجحت فيه، قائد الإدارة العسكرية معروف بانه شخص كان ضمن الجماعات الإرهابية وموضوع على قائمة الإرهاب الأمريكية وهنالك مكافأة رصدتها الولايات المتحدة لمن يلقي القبض عليه أو يمتلك أية معلومات عنه وإزاء هذا الوضع الغامض والمرتبك في بداياته فضلاً عن الجدل الدائر حول شخصية (الجولاني) وجبهة النصرة التي يتزعمها وماضيها تباينت مواقف الدول من التغيير الحاصل بين مؤيّد وداعم بشكل واضح منذ انطلاقة التغيير الأولى، وبين من هو معارض، وبين من هو صامت يراقب الوضع بحذر بانتظار أن تنجلي الغبرة وتتضح الصورة . كان موقف العراقي الرسمي والشعبي أكثر المواقف تخبطًا وتناقضًا وتسرعًا حيث شاهدنا كيف انطلقت التصريحات الانفعالية والمتسرعة والتي تكشف عن مدى الخوف والصدمة التي عاشها النظام السياسي القائم في العراق، وكذلك عدم وجود أية دراية ومعلومات لدى الدوائر السياسية والأمنية والاستخبارية العراقية عمّا يجري في الساحة السوريّة حتى وصل الأمر ببعضهم أنه يريد زج الجيش العراقي في القتال إلى جانب نظام الأسد المخلوع، فلو تتبعنا الموقف العراقي رأينا كيف كان يتحول بين يوم وآخر وبسرعة فائقة من معارض للتغير في سوريا إلى القبول بالأمر الواقع . ما يهمنا هو لماذا الموقف العراقي كان متأرجحًا ومتقلبًا وهل كان بالإمكان أن يكون الموقف العراقي أكثر حكمة ووعيًا؟ التخبط العراقي في موقفه الرسمي يكمن إرجاعه إلى عدة أسباب لعلل أهما: 1-تعدد مراكز القرار في العراق ففي بلد مثل العراق لا يوجد قرار رسمي موحّد تجاه القضايا الداخلية والخارجية بسبب وجود هذا التعدد؛ إذ يعتقد الكل أنهم فوق الدولة، وكذلك وجود الدولة الموازية التي ترى أنّها تمثل العراق، وبالتالي عدم إيمان الجميع بوجود دولة حقيقة تعبر عن رأي العراق والعراقيين، إضافة إلى عدم استقلال القرار السياسي عن التأثير الخارجي الذي بات معروفًا للجميع مدى سيطرته وتحكمه على صانع القرار السياسي العراقي. 2- السيطرة الطائفية على نظام السياسي القائم اليوم في العراق جعلته يتخذ قرارته من منظار طائفي وليس من منظار المصلحة الوطنية لعليا للعراق كبلد ودولة. 3- فشل الأجهزة الأمنية والاستخبارية العراقية في معرفة ما يجري في سوريا، فضلاً عن تسارع الأحداث في سوريا بشكل عجيب جعل من التغير يشكل صدمة للعراق لم يكن يتوقعها أقرب المقربين للنظام في سوريا، فلو كان العراق يمتلك معلومات عما يجري في سوريا لما كانت مواقفه متخبطة بهذه الطريقة. 3- قلق القائمين على النظام السياسي في العراق من امتداد التغير في سوريا إلى العراق لا سيما بعد أن كثر الحديث المحلي والدولي عن أنّ تغييرًا في العراق سيحصل خصوصًا مع وصول الرئيس ترامب إلى الرئاسية الأمريكية مجددًا. 4-الارتباط الطائفي بين العراق وسوريا جعل من الموقف العراقي الرسمي والشعبي يكون أقرب منه إلى العاطفي الارتجالي بعيدًا الموقف المتأني المدروس المنطلق من المصلحة الوطنية، حيث كان التحشيد الطائفي المذهبي هو السمة الغالبة والخوف من عودة التنظيمات الإرهابية للواجهة في العراق. كانت تحركات العراق وما زالت تعبّر عن القلق الكبير داخل النظام السياسي العراق الذي يرى أن التغيير في سوريا سيمتد إليه بشكل أو بآخر خصوصا مع تزايد الحديث إعلاميًا وسياسيًا وشعبيًا من أن تغييرًا ما سوف يصيب النظام السياسي في العراق، كان بإمكان العراق أن يتخذ موقفًا حكيمًا وهادئًا تجاه ما حصل في سوريا، يتمثل في التزام الصمت مثلما فعلت بقية الدول التي التزمت الصمت ولم تبد أي موقف حتى انجلت الغبرة واتضحت الصورة لكيلا يحسب عليها أي موقف، لكن تعدد مراكز القرار واختلاف المصالح كان سببًا رئيسًا لموقف العراق المضطرب والمتقلب والذي يعني عدم وجود سياسية خارجة واضحة المعالم للعراق مع محيطه العربي الإقليمي.
أقرأ ايضاً
- سياسات واشنطن في سوريا تطغى على مصالح الشعب السوري
- المسؤولية الجزائية عن زراعة المخدرات في القانون العراقي
- المسؤولية القانونية الناشئة عن مزارع الضغطات الالكترونية وفقاً للقانون العراقي