بقلم: د. محمد خالد صباح
كُتبت كثير من القوانين قبل قرون بلغةٍ تناسب زمن الكتابة، إلا أن تطبيقها اليوم يلزم أن تُفسَّر منسجمةً مع التقدم العلميّ والتكنولوجي وبقية الجوانب الأخرى، حتى تكون حجة على هذا الجيل – وحتى الأجيال اللاحقة- في الامتثال لأحكامها وهذا أمر بديهي لأنه (لا يُنكر تغيّر الأحكام بتغير الأزمان) وفقاً للمادة (5) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل شريطة أن لا يضر هذا التطوّر بموضوع القانون أو الغرض منه، والفكرة من التفسير المتطوّر: هي الوصول الى إلى الهدف والغايــة للنّص القانوني، إذ ينبغي على القاضي الذي يُفسر نصًّا وُضِعَ منذ زمنٍ بعيدٍ أن يبحث عن الهدف والغايــة الكامنة وراء النص؛ لأن تفسير نص القانون ليس غاية في ذاته بل وسيلة لتحقيق غاية وهي التطبيق السليم للنص محل التفسير.
إنّ أصل تسمية التفسير المتطوّر جاءت من مصطلح "Dynamic" بمعنى الحركة والتطور والتغيير ولهذا يُطلِق عليه أغلب الفقهاء الإنجليز بالتفسير التطوّري "Evolutionary" أو الديناميكي"Dynamic"، وتعني في سياق البحث تحرُّك النص القانوني الدولي من حالة الثبات إلى حالة التطور، أو من الجمود إلى المرونة. وقد جرى الفقه والقضاء – بصرف النظر عن لغتهم - على استخدامها حينما يُعبّرون عن مفهوم الحركة أو التطوّر، سواء أكان ذلك في التفسير، أم في أيِّ جانب آخر من القانون، بينما في العربية يُسمّى بالتفسير المتطوّر، فضلاً عن أن المشرع العراقي قد استخدم حرفيّاً مصطلح "المتطوّر" في المادة (3) من قانون الإثبات رقم 107 لسنة 1979 التي نصت على (إلزام القاضي باتباع التفسير المتطوّر للقانون ومراعاة الحكمة من التشريع عند تطبيقه).
يؤدي القضاء دوراً استثنائياً في الحفاظ على ديمومة النص القانوني (سواء كان نصاً دولياً أو دستورياً أو عادياً) وجعله وثيقة حيّة مستمرة من خلال عملية التفسير التي تدعم أيَّ تطور يطرأ أو حالٍ يتغيّر للحيلولة دون فشل النص في استيعاب هذا التطور، فالتفسير المتطوّر يدور في نطاق الاجتهاد القضائي والقواعد التفسيرية فهو ليس منهجية مستقلة بالتفسير، وإنّما هو تقنية تفسيرية يستعين بها القاضي لغرض تطبيق معاني جديدة على المفاهيم الواردة في نص القانون وتفسير المصطلحات في نطاق وسياق الظروف الحديثة، وهذه التقنية لابُدّ أن تكون مسندة قانوناً، لذلك يجد التفسير المتطوّر أساسه القانوني في قانون الاثبات.
لذا، فإنّ أهمية التفسير المتطوّر تظهر جلياً عندما تعمل المحكمة على إعادة انتاج المعنى العادي لأن (العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني) المادة (155) من القانون المدني، وكذلك وربط نوايا الأطراف بالتطوّر من خلال (إعمال الكلام أولى من اهماله) المادة (158) من القانون المدني ، وايضاً تفسير النصوص السابقة بالممارسة اللاحقة وفقاً لقاعدة (العادة محكمة عامة كانت أو خاصة) المادة (164) من القانون المدني ، وغيرها من القواعد التفسيرية، بطريقة تطويرية في سبيل منح معاني "دلالات" جديدة للنصوص غير التي كانت عليها صورتها ابتداءً كل ذلك يكون في حدود موضوع القانون والغرض منه.
حتى على مستوى القانون الجنائي بالرغم من أن المنهج التقليدي يحظر التفسير والتوسع بالنصوص الجزائية كونه يتعارض مع مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص الوارد في المادة الأولى من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل إلا ان القاضي الجزائي يستعين بالتفسير المتطور للنص الجزائي بما يخدم الحكمة التشريعية من التجريم أو العقاب، على سبيل المثال عندما يُفسر المادة (413) من قانون العقوبات تفسيراً عادياً يستنتج منها أن كل فعل يشكل اعتداء سواء بالضرب أو الجرح فهو جريمة، بينما لو فسرها على وفق غايتها التشريعية لأخرج من نطاق التجريم عمليات الجراحة الطبية بالرغم من حصول الايذاء وكذلك على سبيل المثال ثقب أذن الفتاة أو رسم الوشم على الجسد بالرغم من الايذاء ألا انه عُرفاً تعد أفعال مباحة (والتعيين بالعرف كالتعيين بالنص) المادة (163) من القانون المدني.
أقرأ ايضاً
- المسؤولية القانونية الناشئة عن مزارع الضغطات الالكترونية وفقاً للقانون العراقي
- من يوقف خروقات هذا الكيان للقانون الدولي؟
- نجحت الضغوطات فغابت التفسيرات !