- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
فاز العبادي على داعش وخسر أمام السعودية
بقلم: سليم الحسني
عندما بسطت الجيوش الأميركية سلطتها على العراق عام ٢٠٠٣، كان بمقدورها أن تجعل كردستان دولة منفصلة عن العراق لو أرادت، ويومذاك لا يعترض عليها أحد، فإيران وسوريا كانتا تتوقعان ان يمتد اليهما الغضب الأميركي باعتبارهما من محور الشرّ بحسب تعبير جورج بوش.
كما أن تركيا ما كانت لتعترض هي الأخرى، فلقد كانت في تلك الفترة تبحث عن الرضا الأميركي والغربي لتحقيق طموحها الكبير في الانضمام الى الاتحاد الأوروبي.
أما الحكومات العربية فكانت تعيش السعادة على ما يلحق بالعراق من ضعف وانهيار، وخصوصاً السعودية التي لا تطيق رؤية الشيعة يتولون الحكم، بل لا تطيق أن ترى الشيعة إلا وهم على هامش الحياة السياسية، في نظرة مستحكمة في العقل السعودي لا يمكن له ان يتخلص منها، مهما تغيرت وجوه الملوك السعوديين.
وحين احتلت الولايات المتحدة العراق، كانت فكرة الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد متبلورة تماماً عندها، والعراق هو بداية الطريق نحو هذا الشرق المزعوم.
وكان الانفصال الكردي جزءً من هذا المشروع، لكن الولايات المتحدة وجدت أن إعلان الدولة الكردية لم يحن وقته بعد، فهي تريد الكيانات الكردية أن تكون عامل التأثير في العملية السياسية من جهة التوازنات السنية والشيعية، فلو خرج الكرد بدولتهم، فان الأزمة ستكون برأسين فقط، مما يجعلها قابلة للحسم، مع ترجيح واضح بأنها ستكون لصالح الشيعة بحكم كثرتهم العددية.
لذلك كان لا بد من إبقاء الطرف الكردي موجوداً ليكون الرأس الثالث فيها، وبذلك تتعقد الأزمة وتصبح قابلة للتمدد والتحريك والتنقل والانشطارات المتتالية.
كانت أميركا بحاجة الى المقاعد الكردية في البرلمان لتُضعف مرة وتدعم مرة أخرى، بحسب الحاجة. ولتشغل الحكومة الشيعية المركزية بمشاكل متجددة لا تنتهي حول علاقة الإقليم بالمركز.
ولكي يبقى الاندفاع الكردي محافظاً على وتيرته المتصاعدة والمتحمسة، فقد كانت الإيحاءات والاشارات بإمكانية الانفصال وتشكيل الدولة تأتي على لسان كبار المسؤولين الأميركيين بين فترة وأخرى، مما أعطى القيادة الكردية مبرراً قوياً لابتزاز بعض القيادات السنية والشيعية، مقابل أجر معلوم، وهو تصويت النواب الكرد لهذا الطرف السني أو لذاك الطرف الشيعي حسب الظرف والواقعة.
الانفصال تريده أميركا قبل القيادات الكردية، وتتشوق اليه أكثر من مسعود البارزاني، لكنها تريده بتوقيتها هي، باللحظة التي تراها حانت وفق جدولها في تسلسل الأحداث والوقائع في المنطقة، وليس وفق جداول الحلفاء والآتباع.
واللحظة المناسبة عند واشنطن، تخضع لحسابات دقيقة، فهي تعني نقطة انتقال في مسار مستقبلي طويل يحقق مصالحها على المدى البعيد.. واللحظة المناسبة عندها حدوث تحولات كبيرة بحيث لا يمكن للمتضررين معالجة تداعياتها، فيما تبقى هي الرابح الأكبر، وبيدها دفاتر توزيع المكاسب على الحلفاء الصغار.
لم تكن لحظة الانفصال الكردي قد حانت، لكن اندحار داعش السريع على يد قوات الجيش والحشد الشعبي، أربك مشروع واشنطن، وجعلها تشعر بالحسرة على ضياع دولة داعش بهذه السرعة، كما انزعجت من انتصارات الجيش العربي السوري ومحور المقاومة، وكان ذلك ثلمة كبيرة وضربة موجعة لمشروعها الكبير. فقررت أن تقدم مواقيت جدول الأزمات مع بعض التعديلات، وذلك بأن يقدم مسعود البارزاني على مشروع الاستفتاء، والتوقف عنده فقط وليس التحول الى الانفصال وإعلان الاستقلال.
وفي هذه النقطة نجح العبادي في خطوة وأخطأ في خطوة أخرى.
نجح عندما سارع الى السيطرة على كركوك، والمناطق المتنازع عليها، وبذلك استطاع ان يحاصر البارزاني ويقيد حركته، وأن يعيد قدراً مناسباً من هيبة الدولة الضائعة في السنوات السابقة.
وأخطأ حين وافق في نفس الوقت على الإغراءات السعودية بالانفتاح وترطيب الأجواء وتقوية العلاقات. وهو خطأ جسيم وقع فيه، وسيكتشف ذلك بنفسه في قادم الأيام.
خطأ فادح ارتكبه العبادي، في مقابل انجاز كبير حققه في الموصل والأنبار وكركوك وفي إدارة أزمة الاستفتاء.
لقد حرر المناطق المحتلة من داعش وبسط سلطة الدولة على كركوك والمناطق المتنازع عليها، لكنه بالمقابل فتح بنفسه ثغرة العدوان الناعم والخشن على العراق، وتحديداً على شيعة العراق. لقد سلك الطريق المعكوسة في هذا الجانب، فقد كان عليه أن يغلق الباب مع السعودية، وأن يبني جداره العازل معها، ليضمن استقرار العراق.
سيندفع الينا رجال السعودية بمختلف التسميات والعناوين والهيئات، لكنهم يشتركون في شعار واحد وهدف واحد هو الموت للعراق.
أقرأ ايضاً
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- الضرائب على العقارات ستزيد الركود وتبق الخلل في الاقتصاد