بقلم: جسام محمد السعيدي
خطاب انتظره الشعب العراقي 3 أيام بعد انتهاء مغامرة حكومة إقليم شمال شرق العراق في اجراء استفتاء انفصاله عن العراق، التي وضعت أهلنا الكرد في أتون مقامرة سياسية غير محسوبة العواقب.
فها هو المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني، يُثبت مرة أخرى أنه صمام أمان العراق، ومفتاح حل أزماته التي استعصى بعضها على أكبر دول العالم، كداعش.
علينا أن نقرأ الخطاب التاريخي للمرجعية الدينية العليا يوم الجمعة 8 محرم 1439هـ الموافق 29/9/2017م، قراءة تحليل متأنٍ يُناسب أهمية الخطاب، وسنستعرض فقراته بنصوصها بين اقتباسين، شارحين ومعلّقين ما يستوجب عليه التعليق، مُعرضين عما لا يحتاجُ ذلك.
أولاً
ــــــ
ابتدأ سماحته خطابه بعبارة تكشف عن ألمه الشديد لما حصل، كاشفاً عن خطورة الأمر فقال:
"ما ان تجاوز الشعب العراقي الصابر المحتسب محنة الارهاب الداعشي او كادَ ان يتجاوزها بفضل تضحيات الرجال الابطال في القوات المسلحة والقوى المساندة لهم حتى أصبح - وللأسف الشديد - في مواجهة محنة جديدة تتمثل في محاولة تقسيم البلد واقتطاع شماله بإقامة دولة مستقلة، وقد تمت منذ أيامٍ أولى خطوات ذلك بالرَّغم من كل الجهود والمساعي النبيلة التي بُذلت في سبيل ثني الاخوة في اقليم كردستان عن المضي في هذا المسار".
ويُفهم من هذا المقطع ما يلي:
1.تأكيد المرجعية إن " محنة الارهاب الداعشي" قد انتهت أو هي بحكم المنتهية، وهو تثبيت لما قد تنبأت به عدة مرات منذ بدأ تلك المحنة قبل 3 سنوات وحتى قبل أشهر من تحقق ذلك، وكانت تنبؤاتها النابعة من قرائتها الواقعية للشأن العراقي، مثار عجبٍ للقاصي والداني، من العدو قبل الصديق.
2.تأسّف المرجعية لما حصل للشعب العراقي من " محنة جديدة تتمثل في محاولة تقسيم البلد واقتطاع شماله بإقامة دولة مستقلة "، يأتي في نفس سياق الجملة التي تتكلم عن " محنة الارهاب الداعشي"، وكأن المرجعية تريد الإشارة إلى أن مصدري المحنة شيء واحد!!!، والمتضرر من المحنة طرفٌ واحد، هم العراقيين بكل أطيافهم الإثنية والدينية، كما سياتي في فقرة أخرى.
3.استخدام المرجعية عبارة "محاولة تقسيم البلد واقتطاع شماله" تؤكد حقيقة تأريخية يُحاول قادة أهلنا الكرد تمييعها وتزويرها حتى في مناهج وزارة التربية والجامعات في الشمال العراقي، وهي:
أ. حقيقة أن هذه الأراضي عراقية للجميع، ولا تخص الكُرد وحدهم حتى تكون وطناً لهم فقط، فتدعى باسمهم(كردستان)!!!، بل إن الآشوريين هم الأحقُ بها كونهم سكانها الأوائل، ان اعتبرنا إن الأولوية للأقدم سكناً، ولباقي المكونات حصة أيضاً، ولذا فهي (عراقستان!!!) ان صحت العبارة، كباقي أرض العراق، ولا ميزة لها على غيرها، لتكون وطناً للكرد فقط (ستان تعني وطن باللغات الهندو أوربية).
ب. تأكيد المرجعية في هذا المقطع على عراقية هذه المناطق، أكده استتباعها بعبارة "الاخوة في اقليم كردستان"، وهو يؤكد أن المرجعية الدينية العليا تفصل في المعنى بين أراضي شمال العراق كجزء من الوطن العراقي، تأريخاً وجغرافية وحضارة وسكاناً، وبين الكيان السياسي (إقليم كردستان)، الذي يُدير هذا الجزء من الوطن، وعبّرت عن قادته بكلمة "الإخوة" في إشارةٍ واضحة لحل النزاع سلمياً.
فالمرجعية تريد القول أن "إقليم كردستان"هو صيغة إدارية تحكم أرض شمال العراق، ولا تعني أن هذه الأرض كردستانية كما يدعي مدلسو ومزورو التأريخ في حكومة الإقليم، وهو ما تمت تربية الجيل الحالي عليه لشعبنا في شمال العراق عليه منذ عام 1992م، حين بدلوا وزوروا كتب التاريخ في المدارس وغيرها، حتى نسوا عراقيتهم، فأفهموهم كذباً أنهم اتحدوا مع العراق قبل قرن ويريدون الانفصال عنه الآن!!!
وكانت ثمرة ذلك التزوير، ان هذا الجيل الذي يمثل النسبة الأكير في السكان صوّت بأغلبه بنعم على الانفصال، جاهلين بحقائق التأريخ.
ولعمري أن هذا التأكيد من المرجعية، لهو تصحيح تأريخي لم يجرأ عليه معظم السياسيين العراقيين في العصر الحديث، وهو نصرة للعراق كوطن عموماً، ولمواطنينا في شمال العراق بكل مكوناتهم خصوصاً، وخاصة من ظُلموا بسبب هذا التزوير، وأقصد بهم أقدم سكانه الآشوريين، الذين بنوا وأسسوا وسكنوا أربيل ودهوك وكركوك وكل أو معظم المدن والقصبات والقرى التابعة لها، منذ آلاف السنين، قبل أن تـُخلق القومية الكردية، وكان مصيرهم القتل والتهجير واغتصاب مدنهم!!!.
4.استخدام المرجعية لعبارة " وقد تمت منذ أيامٍ أولى خطوات ذلك " بعد عبارة " تقسيم البلد واقتطاع شماله بإقامة دولة مستقلة "، هذا الاستخدام يؤكد حقيقة أن الاستفتاء على الانفصال هو الخطوة الأولى للانفصال عن العراق – وإن كانت غير قانونية ولا دستورية – وليست هي مجرد أخذ رأي مواطنينا هناك بالانفصال كما يدعي البرزاني!!!.
ثانياً
ـــــــ
وجاء المقطع الثاني من الخطبة ليؤكد جملة من القضايا الدقيقة قانونياً، بشأن هذه القضية، حيث قال السيد علي الحسيني السيستاني:
" ان المرجعية الدينية العليا التي طالما أكدت على ضرورة المحافظة على وحدة العراق ارضاً وشعباً وعملت ما في وسعها في سبيل نبذ الطائفية والعنصرية وتحقيق التساوي بين جميع العراقيين من مختلف المكونات، تدعو جميع الاطراف الى الالتزام بالدستور العراقي نصاً وروحاً، والاحتكام فيما يقع من المنازعات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم مما يستعصى على الحل بالطرق السياسية الى المحكمة الاتحادية العليا، كما تقرر في الدستور، والالتزام بقراراتها واحكامها "
وهذا المقطع يكشف عما يلي:
1.ان المنازعات بين قيادات مكونات الشعب العراقي، سببه عدم مساواة هذه القيادات بين المكونات حين تقلدها منصباً يخص عموم العراقيين، لميل تلك القيادات للانتماء القومي أو الديني أو الطائفي للمواطن، على حساب الانتماء العراقي، وعدم النظر للمواطنين بما هم كعراقيين.
وهو ما حذرت منه المرجعية مراراً في خطاباتها طوال الـ(14) عامً الماضية، ودعت مراتٍ عديدة وقامت بخطوات عملية لتحقيق " نبذ الطائفية والعنصرية وتحقيق التساوي بين جميع العراقيين من مختلف المكونات " كما بينته في هذه الخطبة.
2.وكررت أيضاً في هذا المقطع تأكيدتها السابقة " على ضرورة المحافظة على وحدة العراق ارضاً وشعباً ".
وعلينا ملاحظة أن عبارة "وحدة العراق" تختلف عن عبارة "توحيد العراق" أو "العراق الموحد" لأن العبارة الأولى تؤكد حقيقة تأريخية بيّنها سماحة السيد في المقطع الأول، وهي ان العراق كبلدٍ وشعب، شيء واحد، وليس أجزاء أتحدت لاحقاً، كما يروج المُدلِّسون في حكومة الإقليم الشمالي، وهو ما قد تعنيه العبارتين الأخيريتين اللتين تجنب ذكرهما السيد تحسباً للمعاني الخاطئة.
3.دعت المرجعية في هذا المقطع طرفي الأزمة، وهما حكومة المركز وحكومة الإقليم، إلى الاحتكام إلى " المحكمة الاتحادية العليا " كجهة عليا في حل مثل هذه النزاعات طبقاً للدستور العراقي، وذلك لو فشلت الحوارات في النزاعات "مما يستعصى على الحل بالطرق السياسية " حسب تعبيرها.
ويبدو أن البعض لا يُفرّق بين المحكمة الاتحادية العليا ومجلس القضاء الأعلى برئاسة المفسد والفاسد مدحت المحمود.
فالمحكمة الاتحادية هي التي تفصل في القضايا العالقة بين المركز والاقاليم أو المحافظات غير المنتظمة بإقليم، لذا اقتضى التنويه.
4.قول المرجعية " والالتزام بقراراتها واحكامها " هي كلمة الفصل بأن قرارات هذه المحكمة فيما تحكم به، مُلزمة لطرفي الأزمة العراقيين، حكومتي المركز والاقليم، وهذا القول فيه تأييد واضح لقرارات هذه المحكمة.
ثالثاً
ــــــ
في المقطع الثالث من الخطبة تنتقل المرجعية من مرحلة تثبيت الوقائع التأريخية وبيان الخطر المترتب على انفصال جزء عراقي من جسد العراق، إلى مرحلة التحذير العملي من هذه المخاطر، فقالت:
"وهي تحذر من ان القيام بخطوات منفردة باتجاه التقسيم والانفصال ومحاولة جعل ذلك أمراً واقعاً سيؤدي بما يستتبعه من ردود افعال داخلية وخارجية الى عواقب غير محمودة تمس بالدرجة الاساس حياة أعزائنا المواطنين الكرد وربما يؤدي الى ما هو اخطر من ذلك لا سمح الله، كما انه سيفسح المجال لتدخل العديد من الاطراف الاقليمية والدولية في الشأن العراقي لتنفيذ أجندتها ومصالحها على حساب مصلحة شعبنا ووطننا".
وفي هذا المقطع نقرأ المعاني التالية:
1.ان خطوة التقسيم غير قانونية لأنها من جانب واحد، وليس من طرفي القضية ذوي العلاقة، وهما المركز والاقليم، وذلك قولها " ان القيام بخطوات منفردة باتجاه التقسيم والانفصال "، وبالتالي فإن كلام سماحة السيد يؤكد ما قالته الحكومة العراقية بشأن كون الخطوة غير دستورية لأنها أُحادية الجانب.
2.تحذيرٌ واضحٌ لحكومة الإقليم إن هي استمرت في مشروعها التقسيمي الذي خالف التاريخ والدستور ومصالح العراقيين وأولهم الكرد، وهذا التحذير نابع من حرص المرجعية على العراق وشعبه، فلا مصلحة لها في غير ذلك وتشهد سيرتها عليه، وكان هذا التحذير وفقاً للمخاطر التالية التي ستحدث "ردود افعال داخلية وخارجية" تأتي رداً على " القيام بخطوات منفردة باتجاه التقسيم والانفصال ومحاولة جعل ذلك أمراً واقعاً"، والمخاطر هي:
أ. " عواقب غير محمودة تمس بالدرجة الاساس حياة أعزائنا المواطنين الكرد ".
ب. " وربما يؤدي الى ما هو أخطر من ذلك لا سمح الله "، ولا ندري ما الذي يتوقعه سماحته أكثر من مس حياة مواطنينا الكرد العرقيين، مما يستدعي تحذيرهم منه.
ج." انه سيفسح المجال لتدخل العديد من الاطراف الاقليمية والدولية في الشأن العراقي لتنفيذ أجندتها ومصالحها على حساب مصلحة شعبنا ووطننا"، وطبعاً من أكثر الدول خطراً هي الجمهورية التركية التي تتخوف من انفصال الشمال، وفي نفس الوقت تفرح به، لأن اتفاقية لوزان (24 تموز 1923م) تعطيها الحجة للتدخل في شمال العراق بحجة حماية التركمان العراقيين، وبالتالي احتلال الشمال العراقي عند حصول أي خطر يستلزم ذلك، وأيُ خطرٍ أكثر من انفصاله!!!.
رابعاً
ـــــــــــ
بروح الأبوية التي تشمل كل العراقيين بكل قومياتهم، طالب المرجع الديني الأعلى بالمحافظة على حقوق الكرد، وعدم المساس بها، فخاطب زعامة الاقليم الشمالي قائلاً:
"اننا من موقع المحبة والحرص على مصالح جميع ابناء الشعب العراقي ندعو الاخوة المسؤولين في الاقليم الى الرجوع الى المسار الدستوري في حل القضايا الخلافية بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم".
ثم خاطب الحكومة المركزية والقوى السياسية النيابية بالمحافظة على حقوق الكرد:
"كما ندعو الحكومة العراقية والقوى السياسية الممثلة في مجلس النواب الى ان تراعي في جميع قراراتها وخطواتها المحافظة على الحقوق الدستورية للإخوة الكرد وعدم المساس بشيء منها ".
ونؤكد على المواطنون الكرام إن التطورات السياسية الاخيرة لا يجوز ان تؤثر سلباً على العلاقة المتينة بين ابناء هذا الوطن من العرب والكرد والتركمان وغيرهم. بل ينبغي ان تكون مدعاة لمزيد من التواصل فيما بينهم والتجنّب عن كل ما يمكن ان يسيء الى اللحمة الوطنية بين المكونات العراقية".
النتيجة
ــــــــــ
مما سبق يتبين أن حسابات مسعود التي راهن بها على موقف المرجعية، قد باءت بالفشل لتحترق آخر أوراقه التي أراد التلويح بها لمعارضيه في العراق.
فالإقليم ربما تصور أن أبوّة السيد السيستاني لكافة العراقيين تمنعه من الخوض بالأمر، أو ربما يتوقع فتوى مماثلة لفتوى المرجع الديني الأعلى الراحل الإمام الحكيم عام 1965 في حال لجوء بغداد للخيار العسكري.
وهو نسلى أن أبوّة سماحته تفرض عليه أن يحمي العراقيين الكرد من شره قبل غيرهم، لأنهم الأكثر ضرراً من هذا الانفصال، ثم باقي العراقيين.
وفي تقديرنا الشخصي، فإن هذه الخطبة وضعت كثيراً من الأمور في نصابها، وستجعل عقلاء أهلنا الكرد يُعيدون النظر في مغامرتهم التي نتصور أنهم راهنوا فيها على الكيان الصهيوني، على أمل ضغط لوبيه على الكونغرس الأمريكي، لإحداث انشقاق بينه وبين الحكومة الأمريكية، تمهيداً لتغيير الموقف الأمريكي لاحقاً، ومن ثم الدولي.
ويبدو أن البرزاني لا يهمه شعبنا في شمال العراق، بقدر اهتمامه بتسجيل سبق تأريخي لشخصه – ولو كان فاشلاً- حتى يقول الكرد بعد قرون أن هذا الرجل فعلها!!!.
فهو في هذا كصدام عندما ضرب الكيان الصهيوني 39 صاروخاً دفع العراق بسببها أضعاف الخسائر التي أحدثتها، حتى تعويضات من فقد موعده التعارفي الجديد!!!
أقرأ ايضاً
- المشهداني يوجه برفع القوانين المعطلة لرئاسة مجلس النواب
- سكان 80 قرية في ذي قار يهربون من الجفاف إلى المدن بحثا عن فرصة حياة
- الشرطة الاتحادية تُحبِط جريمة بيع طفل (من قبل والدته) في بغداد