بقلم:سالم مشكور
منذ يوم الاستفتاء، بات مشهد التراشق بين بغداد وأربيل معكوساً. بارزاني يتحدث بلين ويدعو الى الحوار، فيما المركز يصعّد ورئيس الوزراء يرفض أي حوار، بل يواصل اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتصحيح وضع كردي ظل يتمدد على الدستور وشروط الفدرالية منذ 2003.
اجراءاته متناغمة مع حزم البرلمان ومطالباته بالمزيد لكن العبادي يصر على ان يكون الدستور هو سقف أي إجراءات متخذة. فمن يعترض على تطبيق الدستور؟.
في ظروف مثل التي نعيشها لا يمكن التفكير باستخدام القوة الّا لحماية البلاد وأرواح الناس، وبعد أن تعجز كل الأساليب الأخرى عن فعل شيء. فالحكومة الاتحادية تملك اليوم فرصة ثمينة في معالجة الانتهاك الحاصل للدستور والذي سبقته عدة حالات من ازدراء الدستور وتمرّد على قرارات السلطات الفدرالية. الدول المحيطة وجدت في موقف بغداد مشجعاً للتعاون معها لوقف مسلسل تمدد أحزاب الاقليم. نعم هي “تفكر بمصالحها وليس مصالحنا نحن”، هكذا يقول البعض معترضاً، لكن أحداً لم يدع ان الاخرين يفضلون مصالحنا على مصالحهم. المصالح التقت، وهم يريدون وحدة العراق خوفاً على وحدة بلدانهم.
هكذا هي العلاقات بين الدول، تقوم على مصالح متبادلة، وإذا كنّا تخلفنا في الماضي عن إدراك هذه الحقيقة وفرّطنا بمواقف داعمة تقوم على تشارك المصالح مع تركيا مثلا، فان الفرصة باتت سانحة اليوم لهذا الامر. لا يعني هذا الامر أن “التفريط” العراقي السابق يشكل السبب الرئيس الذي دفع تركيا الى دعم الاقليم وشجعته، ولو بشكل غير مباشر، على الوصول الى حالة التمرد على الدستور والإرادة الإقليمية- الدولية الحالية، فلا يمكن أن نغفل ستراتيجية أردوغان التي قدمها له أحمد داوود أوغلو والقاضية بتحويل إقليم كردستان ومناطق أخرى الى بؤر نفوذ تركي على غرار قبرص، وإن ضعف التجاوب العراقي “المصلحي” ساعده على تنفيذ هذه الستراتيجية. الا ان تغيّر الظروف الإقليمية ومصالح الأطراف الدولية في المنطقة، ومعها الضغط الداخلي التركي، ساعدا بشكل كبير في اجبار أردوغان على اتخاذ سياسة جديدة، حيال موضوع الاستفتاء وما يعنيه من انفصال على المدى المنظور. ساعد في ذلك أيضا، عدم الثقة بالمواقف الاميركية الرافضة للاستفتاء فيما الاذرع الاميركية “غير الرسمية” ومعها الاسرائيلية والغربية، حاضرة عملياً ومباشرة في اندفاعة بارزاني وظهوره بمظهر غير الآبه بالاعتراضات الدولية والإقليمية فضلا عن الداخلية (حتى الكردية منها). عدم الثقة التركية بالموقف الاميركي، يتوازى مع انعدام ثقة بهذا الموقف من جانب ايران، المعنية مباشرة بتطورات الشمال العراقي، وأكثر من ذلك، الشعور الايراني بأن إسرائيل، التي يشكل العداء لها حجر زاوية السياسة الايرانية في المنطقة، ستكون على حدودها بعد الدعم العلني، بل الاستبشار، الذي تبديه الأخيرة بالاستفتاء وما سيترتب عليه أما داخليا، فان اندفاعة بارزاني وحزبه، حفزت توحيداً في مواقف الساحة الداخلية العراقية بشكل عام، ليس باتجاه معارضة ما يجري وحسب، بل للمطالبة بتصحيح الوضع غير الدستوري للإقليم منذ العام 2003 والذي جعل من الاقليم دولة مستقلة عملياً الى جانب مشاركتها في الحكومة الفدرالية ومطالبتها بالمزيد، موقف شبه موحد يشذّ عنه موقف أطراف عراقية تحاول التصرف كطرف ثالث يريد التوفيق بين الجانبين مدفوعا بحساسيات شخصية أو حسابات إقليمية. المطالبات اليوم هي ليست للعودة الى ما قبل الاستفتاء بل لإزالة كافة التجاوزات التي جرت بعد 2003، نفطياً ومالياً وجغرافيّاً العوامل الداخلية والخارجية باتت اليوم رصيداً يمكّن الحكومة من ابداء الحزم لوقف طيشٍ يدفع بالشعب الكردي، والعراقي ككل، الى مزالق جديدة، وهو لم ينته بعد من خطر الإرهاب وتبعاته التي ستستمر سنوات طويلة.
أقرأ ايضاً
- الفضيحة الاخلاقية فرصة لتصحيح مسار تعيين القيادات الجامعية
- المشرق الجديد.. الفرصة ما زالت موجودة
- بوتين وشي جين بينغ يمنحان بايدن وحلفائه الأوروبيين فرصة ذهبية أخيرة