عندما كان الفصيلان الكرديان الرئيسيان في العراق الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني يستعينان بإيران لتعزيز نفوذهما ضد النظام العراقي السابق، كان الزعيمان الكرديان مسعود بارزاني وجلال طالباني يعتبران إيران الظهير الاستراتيجي لهما في النضال من أجل «الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي الفدرالي لكردستان» وكانا يفخران بالتدخل الإيراني الواسع في شؤون العراق الداخليّة. لكن وبعد زيارة رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية العميد محمد باقري أنقرة والمحادثات الهامة التي أجراها، مع المسؤولين الأتراك خلال الأسبوع الماضي، وتركّزت على 4 ملفات أساسية، على رأسها الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق، رد المتحدث الرسمي لوزارة البيشمركه في حكومة إقليم كردستان في بيان، على تصريحات رئيس الإركان الإيراني بخصوص الاستفتاء، وقال «ان التحدث عن حقوق الشعب الكردستاني لا يخص السيد باقري، وهذا يعتبر تدخلاً في الشأن الداخلي لإقليم كردستان».
وأشار البيان إلى ما «نشرته وكالة تسنيم الإيرانية المقربة من الحرس الثوري، عن رئيس الأركان الإيراني باقري، حول الاستفتاء، حيث قال باقري أن إجراء عملية الاستفتاء أمر مستحيل»، وقال البيان «إننا نوضح للجميع أن التحدث عن حقوق الشعب الكردستاني لا يخص هذا السيد المحترم، ونعتبره تدخلاً في الشأن الداخلي لإقليم كردستان».
قبل ذلك كانت وكالة «تسنيم» الإيرانية، أشارت في تقرير لها، إلى أن باقري أجرى خلال زيارته النادرة إلى أنقرة مباحثات في غاية الأهمية مع المسؤولين السياسيين والعسكريين الأتراك. وأوضح التقرير أن أهمية الزيارة جاءت كون أن أحداً من رؤساء أركان القوات المسلحة الإيرانية السّابقين لم يقم بأي زيارة خارج الحدود الإيرانية حتى تأريخ زيارة العميد باقري. وأوضح التقرير أهمية الزيارة أيضاً بالتأكيد أن «الوفد العسكري الإيراني الّذي زار تركيا التقى أربعة من كبار المسؤولين الأتراك، وفي مقدمتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الأركان التركي، والجنرال خلوصي أكار. وضم كلاً من العميد باقري، وقائد القوات البرية التابعة لحرس الثــورة الإســلامية العميد باكبور، وقائد شرطة الحدود العميد رضائي، بالإضافة إلى عدد من القادة والمسؤولين العسكريين الإيرانيين».
وحسب وكالة «تسنيم» فإن أهم الملفات التي تركّزت عليها محادثات الوفد الإيراني مع المسؤولين الأتراك كانت معارضة إيران وتركيا لاستفتاء إقليم كردستان حول الاستقلال. وذكرت أن الاستفتاء كان من أهم مواضيع المباحثات التي جرى فيها تبادل وجهات النظر بين البلدين على أعلى المستويات العسكرية والأمنية. مشيرة إلى أن رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني لم يتراجع عن برنامج الاستفتاء أواخر شهر أيلول/سبتمبر الجاري، بالرغم من معارضة دول المنطقة والحكومة المركزية العراقية لإجرائه.
العميد باقري وخلال لقائه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكّد أن هذا الاستفتاء سيجرّ المشاكل والاشتباك إلى الداخل العراقي كما ستؤثر هذه المشاكل على الجوار العراقي ومن ضمنهم إيران وتركيا و «لهذا السبب يؤكد البلدان أن إجراء هذا الأمر ليس ممكناً ويجب ان لا يحدث».
«بيجاك»
وفي اتجاه مواز له صلة بملف كردستان فقد بحث رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية مع المسؤولين الأتراك موضوع أمن الحدود بين البلدين. وبما أن إيران تكافح تنظيم «بيجاك» التي يُتهم أكراد أربيل بإيوائهم منذ أعوام، فإن أي تنسيق مع تركيا حول مكافحة عناصر هذا التنظيم المتفرع من مجموعة الـ «ب كي كي» سيكون مفيداً ومثمراً للغاية ويؤثر سلباً على موقف أنقرة وطهران من الاستفتاء.
وفي هذا السياق كان لافتاً تواجد قائد القوات البرية التابعة لحرس الثورة الإسلامية خلال تفاصيل تلك الزيارة خاصة وأن المنطقة الحدودية الواقعة شمال غرب إيران والمحاذية للحدود التركية تقع ضمن دائرة عمليات العميد باكبور، كما جرى التأكيد على ضرورة مكافحة ظاهرة التهريب بين البلدين والنية التركية لإقامة جدار على الحدود التركية مع إيران.
وخلال المباحثات جرى التأكيد على ضرورة تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين البلدين في مواجهة العناصر الانفصالية المدعومة من كردستان العراق من أجل رفع مستوى الأمن الذي تتمتع به الحدود الشمالية الغربية لإيران مع تركيا.
كركوك
واعتبرت طهران قرار مجلس محافظة كركوك المشاركة في استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق خطيراً واستفزازياً.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي 30 آب/أغسطس الماضي «هذا القرار لا يشكل فقط عاملاً غير مساعد للمباحثات التي جرت في بغداد لحل المسائل بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان، بل يضعف القدرات العراقية من أجل تثبيت الانتصارات التي تحققت أخيراً ضد الإرهاب» حسب تعبيره.
ولفت إلى أن «الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحذّر مما سمته «النقض الواضح» للسيادة الوطنية العراقية ومبدأ وحدة أراضيه، وتشدد مجددا على ضرورة التزام جميع الأطراف بالدستور وأن يعمدوا إلى حل الخلافات عبر الحوار والطرق القانونية، وتعتبر أن التزام الأطراف هذا هو الخيار الأفضل للشعب العراقي».
وخلص إلى القول «إن أي تصرّف سيؤدي إلى إيجاد أزمات جديدة في المنطقة وحدود الدول المجاورة لن يكون مقبولاً وغير قابل للتحمّل».
وكان مجلس محافظة كركوك قد صوت مؤخراً، على قرار يقضي بمشاركة المحافظة في استفتاء كردستان المقرر تنظيمه في الـ 25 من شهر أيلول/سبتمبر الجاري، وسط مقاطعة الكتلتين التركمانية والعربية.
الأذرع العراقية
وتتفق الرؤية الإيرانية مع موقف حلفائها العراقيين خصوصاً عصائب أهل الحق بقيادة الشيخ قيس الخزعلي، وحزب الدعوة الإسلامية تنظيم العراق، الذي يوصف بأنه الأكثر تلقيا للدعم من إيران، بالقياس إلى حزب الدعوة (الأم) الذي يتزعمه حالياً رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. فقد عبر الحزب عن رفض الاستفتاء والإجراءات والمواقف التي يتخذها محافظ كركوك ومجلس المحافظة فيها، بالإيقاع الإيراني نفسه الذي رأى أنها تزيد من تعقيدات المشاكل بين بغداد وأربيل. ونبّه حزب الدعوة تنظيم العراق إلى أن إصرار القيادة الكردية على إجراء الاستفتاء وقيامها بخطوات لضم محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها في المحافظات للاستفتاء سيضيف مشاكل أكثر تعقيداً إلى ملف المشاكل العالقة بين الحكومة الاتحادية والإقليم وستكون له تداعيات خطيرة على شعبنا الكردي وعموم العراق والمنطقة، ويؤدي إلى نزاعات خطيرة بين مكونات تلك المناطق، إضافة لما يسببه من تعطيل لكل الحوارات من أجل حل المشاكل العالقة بين الإقليم والمركز.
وتضع إيران مسألة الاستفتاء في كردستان العراق في إطار التقسيم الذي تحدث عنه بوضوح يوم الخميس المستشار الأعلى للمرشد القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية اللواء يحيى رحيم صفوي، مشيراً في كلمة له إلى ما قال إنها «مؤامرة جديدة يتم التحضير لها بعد هزائم الإرهابيين في سوريا والعراق» مضيفاً «أن أعداء المسلمين الصهاينة والبريطانيين والأمريكان يفكرون في تقسيم سوريا والعراق».
وكان اللواء صفوي واضحاً في إظهار «العين الحمراء» لحلفاء إيران السابقين «الأكراد» في أن «تقسيم شمال العراق يعني بالضرورة بدء حرب وإيجاد فوضى طويلة الأمد في تلك المنطقة» قائلاً «إن المتضرر الأول من هذا التقسيم سيكون أكراد شمال العراق» ومشدداً على «أن إيران وتركيا وسوريا والعراق تعارض انفصال كردستان العراق».!
لكنْ، لا تبدو إيران وحلفاءها في سوريا، مستسلمة لقدر «التقسيم» فهي نجحت في الوصول إلى دير الزور السورية، أولى التسويات التي تراهن عليها من خلال تقاربها اللافت مع تركيا لإيجاد تغيير أو تليين في مواقفها الجوهرية إزاء المسألة السورية برمتها، والوصول بالتالي إلى ما تريد أي سوريا الموحدة بقيادة الرئيس بشار الأسد بدءاً من دير الزور وسقوط منطقة شمال الفرات كمنطقة تموضع أمريكي وخصوصية كردية.
ومن هنا وبما أن حقائق التأريخ في العلاقات الإيرانية التركية تؤكد أنه باستثناء بعض الحروب التي اندلعت في جميع أنحاء العراق خلال القرن التاسع عشر بين العثمانيين والقاجار الإيرانيين وبعض مقايضات الأراضي في القرن العشرين، كانت الحدود التركية – الإيرانية الأكثر استقرارا في الشرق الأوسط، حيث إنها تقترب عموماً من الحدود الأصلية التي تمّ ترسيمها عام 1639 وهذا ما يدفع الإيرانيين إلى تعزيز تعاونهم العسكري مع أنقرة لمواجهة مخاطر «الاستفتاء».
وفِي هذا الواقع كانت محادثات رئيس الأركان الإيراني في أنقرة العميد باقري حول التعاون في سوريا و«المسار الإيجابي» لمفاوضات «أستانا» واجتماعات الخبراء التي تعقد في طهران وأنقرة، والاتفاق على استمرار مسار التنسيق الذي يشمل بالضرورة تواجد الجيش التركي في مناطق شمال سوريا.
القدس العربي
أقرأ ايضاً
- شوارع جنوب لبنان تزدحم بالنازحين العائدين والجيش يحذرهم من “مخلفات الحرب”
- العيداني يعلق على جريمة البصرة: الجاني خال أولادي ولن اتأثر بالعواطف
- البرلمان يُنهي قراءة أولى لمشروع ويرفع جلسته