حجم النص
بقلم:عزيز الخزرجي في مثل هذا اليوم ألأسوء من تأريخ الكون يوم الأربعاء المصادف لنهاية شهر صفر؛ سَنّ (قابيل) أظلم شريعة في الوجود و هو القتل العمد الذي لا يتعداهُ ظلمٌ سوى الفتنة(1), حيث قتل أخاهُ هابيل ظلماً و حسداً و حقداً كما أن دمار قوم عاد و شهادة الامام موسى الرضا و أحداث دامية كثيرة قد حدثت في مثل هذا اليوم, ليكون أوّل و أسوء يوم في تأريخ البشر و الكون, سُنَّ فيهِ تلك السُّنة السّيئة التي إنتشرت بكثرة في زماننا الأسود هذا.. بحيث أصبح القتل دينأً للكثير من المذاهب التي تدعي الدِّين و اللادين و في مقدمتها دين الوهابيين السّعوديين و من معهم من العربان و الشيشان و الأفغان و السلفيين, لذلك فأنّ أيّ عملية قتل جرت بعد تلك الحادثة أو التي تجري في عالمنا اليوم يكون لقابيل نصيبٌ منه, و ذلك بحسب الحديث الشريف: [من سنَّ سُنّة سيئة فعليه وزرها و وز من عمل بها إلى يوم القيامة], و كذا العكس: [من سن سنة حسنة فعليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة]. قابيل و هابيل في الأسلام: عن الإمام جعفر الصادق: يذكر الثعلبي في كتابه (عرائس المجالس)(2) و هو كتاب عن (قصص الأنبياء) في الباب التاسع في قصّة قابيل و هابيل رواية عن الإمام جعفر الصادق(ع) تحوي فكرة مختلفة عن ما ورد في كتب السُّنة بشأن و طريقة زواج أولاد آدم (ع) و تكوين النسل البشري و هذا نصها: قال (معاوية بن عمار): سألت جعفر الصادق(ع): أ كانَ آدم زوَّجَ إبنته من إبنه؟ فقال: معاذ الله، لو فعلَ ذلك آدم (ع) لما رغب عنه رسول الله (ص)، و لا كان دين آدم(ع) إلا دين نبينا محمد (ص)، إن الله تعالى أهبط آدم و حواء إلى الأرض و جمع بينهما، و ولد له بنت فسماها (عناق)، فبغت، و هي أول من بغى على الأرض، فسلط الله عليها من قتلها، فولد لآدم على أثرها قابيل, ثم ولد له هابيل، فلما أدرك قابيل أظهر الله تعالى جنَية من الجّن يُقال لها (عمالة) في صورة إنسيّة و خلق لها رحماً، و أوحى الله إلى آدم أن زوّجها من قابيل فزوجها منه، فلما أدرك هابيل أهبط الله إلى آدم حوراء في صورة إنسية و خلق لها رحماً و كان اسمها تركة، فلما نظر إليها هابيل و رمقها أوحى الله إلى آدم أن زوّجها من هابيل ففعل، فقال قابيل: [يا أبت أ لستُ أكبر من أخي و أحقّ بما فعلت به منه؟ فقال: يا بني إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، فقال: لا، و لكنك آثرته عليّ بهواك، فقال له: إن كنت تريد أن تعلم ذلك فقرّبا قرباناً فأيكما يقبل قربانه فهو أولى بها من صاحبه](3)، و تحتوي كتب الشيعة على روايات تؤيد هذا المعنى عن الإمام جعفر الصادق(ع). و لعلّ الفرق بين الفرقين في مسألة التزاوج بين أبناء آدم و حواء(ع), هي أن روايات السُّنة توحي بزواج الأرحام من الارحام, و هذا ما ترفضه الشيعة جملةً و تفصيلاً لأنهم يعتقدون بطهارة منبت أبناء آدم(ع) خصوصا بيوت النبوة, و حرمة زواج المحارم من المحارم فيها, و كما يعتقد بعكس ذلك اليهود و آلمسيحيين أيضا بآلتوافق مع أهل السُّنة! و لعل إختلاف التأويل ورد من تفسير القصّة و كما وردت في القرآن الكريم: حيث يقول تعالى بهذا الشأن: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)(4). و قد ذكرهما – أيّ قابيل و هابيل - الله في القرآن دون ذكر اسميهما صراحة بل اكتفى بوصفهما ابني آدم فقال تعالى: (وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ Aya-27.png لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ Aya-28.png إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ Aya-29.png فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ Aya-30.png فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ Aya-31.png)(5). القصة في القرآن تقول أن كلاًّ من قابيل و هابيل قدَّم صدقة قربة إلى الله سبحانه، فتقبل الله صدقة هابيل؛ لصدقه و إخلاصه، و لم يتقبل صدقة قابيل؛ لسوء نيته، وعدم تقواه، فقال قابيل -على سبيل الحسد- لأخيه هابيل: {لأقتلنك}، بسبب قبول صدقتك، و رفض قبول صدقتي، فكان رد هابيل على أخيه: {إنما يتقبل الله من المتقين}. فكان ردُّ هابيل لأخيه قابيل ردًّا فيه نصح و إرشاد و حكمة عظيمة؛ حيث بيَّن له الوسيلة التي تجعل صدقته مقبولة عند الله. ثم إن هابيل انتقل من حال وعظ أخيه بتطهير قلبه من الحسد، إلى تذكيره بما تقتضيه رابطة الأخوة من تسامح، و ما تستدعيه لحمة النسب من برّ، فقال لأخيه: {لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين}، فأخبره أنه إن اعتدى عليه بالقتل ظلماً وحسداً، فإنه لن يقابله بالفعل نفسه؛ خوفاً من الله، وكراهية أن يراه سبحانه قاتلاً لأخيه. ثم انتقل هابيل إلى أسلوب آخر في وعظ أخيه و إرشاده؛ إذ أخذ يحذره من سوء المصير إن هو أقبل على تنفيذ فعلته؛ {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين}. بيد أن قابيل لم يرعوِ لنصائح أخيه، و ضرب بها عُرْض الحائط، ثم انساق مع هوى نفسه، و زينت له نفسه الإقدام على قتله، فارتكب جريمته، فقتل أخاه. على أن قابيل القاتل لم يكتف بفعل تلك الجريمة، بل ترك أخاه ملقى في العراء، معرضاً للهوام و الوحوش، و لكن بعث الله غراباً يحفر في الأرض حفرة ليدفن تلك الجثة الهامدة التي لا حول لها ولا قوة من البشر، فلما رأى قابيل ذلك المشهد، وأخذ يلوم نفسه على ما أقدم عليه، وعاتب نفسه كيف يكون هذا الغراب أهدى منه سبيلاً، فعض أصابع الندامة، وندم ندماً شديداً، فقال عندها قابيل: (يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي)(6), ثم أخذ يفعل به ما فعل ذاك الغراب فواراه ودفنه تحت التراب. ملاحظة هامة: روى الجماعة سوى أبي داود و أحمدُ في مسنده عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل" أي ظلمًا. فعلم من ذلك أن قابيل ما تاب من قتله لهابيل. قابيل وهابيل في الدّين اليهودي و المسيحي: قابيل وهابيل هما شخصيتان ذكرتا في العهد القديم، وهما أول ابنين لآدم وحواء. كان قابيل عاملاً بالأرض أما هابيل فكان راعياً للغنم، وفي يوم قررا أن يعبدا الله فقدما قرابين. يقول الكتاب: وحدث من بعد أيام، أن قابيل قدم من ثمار الأرض قرباناً للرب. وقدم هابيل أيضاً من أبكار غنمه ومن سمانِها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه، ولكن إلى قابيل وقربانه لم ينظر. فأغتاظ قابيل جداً، وسقط وجهه. ولم ينظر الرب إلى قربان قابيل لأنه كان مخالفاً لما كان يتطلبه وهو الذبيحة الدموية أما هابيل فقد فعل. يقول الكتاب: بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قابيل. فبه شُهِد له أنه بارٌ إذ شهِد الله لقرابينه. حيث قابيل ادعى إيمانه بالرب ولكنه لم يفعل, لم يقبل الرب قربان قابيل فأغتاظ قابيل جداً وسقط وجهه, فقام على أخيه هابيل في الحقل وقتله، فقال الرب قابيل أين هابيل أخوك؟ فقال لاأعلم؛ أحارس أنا لأخي, فقال: ماذا فعلت؟ صوت دم أخيك صارخ من الأرض, فالآن، ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك. متى عملْت الأرض لاتعود تعطيك قوتها. تائهاً و هارباً تكون في الأرض(7). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في حديث متواتر عن الرسول(ص): [الفتنة أشدّ من القتل], لكون الفتنة عادة ما تسبب قتل أكثر من أنسان واحد, و قد تسبب حروباً دامية بين عائلتين أو عشيرتين أو دولتين أو جهتين أو شعبين أو أمتين. (2) ألثعلبي, (عرائس المجالس), الباب التاسع, المجلد الثالث, ص9. (3) قصّة هابيل و قابيل في القرآن – إسلام ويب, و كذلك راجع: قصص الأنبياء للعالم الكبير أللّواساني. (4) سورة النساء/1. (5) سورة المائدة/27 , 28 , 29 , 30, 31. (6) المائدة/31. (7) قصص الأنبياء, للواساني.