- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
العيد يوم الجوائز لا تجعلوه يوم الجنائز
أفضل عيدية يحصل عليها المؤمن أن يخرج من شهر الطاعة والغفران وصفحة أعماله ناصعة البياض، فليسع ان لا يلوثها بالذنوب والمعاصي فتضحى سوداء قاتمة؛ بذريعة الفرح بأيام عيد الفطر السعيد!.
يسمى اليوم الذي يجتمع فيه الناس عيداً، وأصله من: عاد يعود؛ وذلك لأنّه يعود إليهم، وأصل الكلمة أيضاً من العادة؛ لأنّهم اعتادوا على مجيئه، وجمع عيد أعياد، وسمي العيد بذلك؛ لأنّ الفرح يعود على المسلمين بأنواع العبادة المختلفة الخاصّة بهذا اليوم والتي يتفضّل الله تعالى بها عليهم؛ كالفطر بعد الصيام، وصدقة الفطر، فالعيد هو يوم سرور أو يوم منفعة وفائدة وعائدة، فلسفة عيد الفطر المبارك تتجلّى في أنّه فرحةٌ للصائم الذي وفّقه الله تعالى لصيام شهر رمضان، ويوم العيد يشكّل انطلاقة جديدة للمسلم، نحو المداومة على فعل الطاعات وإتيان الصالحات والمسابقة في فعل الخيرات، وقد أوضح أميرُ المؤمنين عليه السلام ذلك بقوله: (إنّما هو عيدٌ لمن قَبِلَ الله صيامه، وشكر قيامه، وكلّ يومٍ لا يُعصى الله فيه فهو عيد) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٨٨ - ص ١٣٦. ومن أراد أن يكون في أعياد دائمة عليه أن لا يعصي الله في أمر، هذا هو مفهوم الإمام إذ يقول (عليه السلام): (وَكُلُّ يَوْمٍ لاَ يُعْصَى اَللهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ)، فمن أصبح وأمسى بلا ذنب كان ذلك اليوم عيداً له.
يومُ العيد ليس كسائر الأيّام، بل هو يومٌ متميّز من جميع الجهات والأبعاد، وهو يومٌ جعله الله تعالى للمسلمين عيداً، ولمحمد صلى الله عليه وآله ذخرا وشرفا ومزيدا، فليسع المؤمن جاهدا ان يدخل في كل خير أدخل فيه محمدا وآل محمد، وأن يخرج من كل سوء أخرج منه محمدا وآل محمد صلواته عليه وعليهم أجمعين؛ لذلك ينبغي إحياء هذا اليوم بما يتناسب والرؤية الإسلاميّة له، والإسلام ينظر إلى الاعياد بنظرةٍ متميّزة، فيرى أنّ العيد فرصةٌ للاجتماع الإيمانيّ الكبير بهدف ذكر الله وإحياء السنن، والتوجّه إليه عزّ وجلّ بالدعاء والابتهال إليه.
يرى الإمام علي عليه السلام أن الصيام الحقيقي هو صيام الجوارح يقول (عليه السلام): (صوم القلب خير من صيام اللسان، وصيام اللسان خير من صيام البطن) ميزان الحكمة للري شهري: 2 / 1687. فمن صام قلبه وكف لسانه عن الغيبة والنميمة وكل ما ينسب الى اللغو، وأتم هذا الشهر بالعبادة والطاعة لله كان حقاً له أن يفرح ويُعيد كما يُعيد المؤمنون الصائمون الصابرون، إذاً فالعيد لمن تقبل الله صيامه، ورضي بأعماله، وغفر ذنبه، هذا هو العيد الحقيقي و(ليس العيد لمن لبس الجديد، إنّما العيد لمن سلم من الوعيد، وليس العيد لمن ركب المطايا، إنّما العيد لمن ترك الخطايا، وليس العيد لمن حضر المصلّى، إنّما العيد لمن صام وصلّى) بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة للتستري: 14 / 261.
العيد كما الدنيا فإنها بمثابة السوق ربح فيها قوم وخسر آخرون، وإن يوم العيد يوم يثاب به بعض ويخسر به بعض، فمن أراد الفوز فليبكر الى صلاة العيد وتهنئة الأحبة من المؤمنين والمؤمنات، وأن يترك المعاصي والذنوب ويتوجه الى الطاعة والمعروف، روى الصدوق (رحمه الله) خطبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم الفطر فقال: (أيها الناس! إن يومكم هذا يوم يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون، وهو أشبه بيوم قيامكم، فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مصلاكم خروجكم من الأجداث إلى ربكم، واذكروا بوقوفكم في مصلاكم وقوفكم بين يدي ربكم، واذكروا برجوعكم إلى منازلكم رجوعكم إلى منازلكم في الجنة!) الأمالي، الشيخ الصدوق: 160.
فليس كل من صام وصلى قبل عمله وغفر ذنبه، إنما يغفر سبحانه للمخلصين العابدين الذين يرجون رضاه ويبتغون فضله، وقد بين الإمام (عليه السلام) فضل قبول الصيام فإن أدناه غفران جميع الذنوب، فأي عطاء هذا، فلنكمل فرحتنا بالعيد بطاعة الرحمن، ولنكن مشمولين بقبول الأعمال وغفران الذنوب وكشف الكروب وستر العيوب، لا بمعصية الخالق وما يتبعه من حبط الاعمال واحراق ما عملناه من عبادة وتضرع ودعاء في الشهر الفضيل.
يُخطئ من يتصوّر أنّ العيد يومٌ للمرح واللعب واللهو ومشاهدة التوافه من البرامج التلفازية المخلة بالآداب العامة، فالعيد في المفهوم الإسلاميّ يومٌ للعبادة والانطلاق في رحاب العمل الصالح، وهو يومُ فرحٍ لمن تقبّل الله صيامه، ويوم حزنٍ لمن لم يتقبّل منه أعماله، فيفرح في هذا اليوم من غُفر له فيعيش حلاوة المغفرة الإلهيّة ويستلم جوائز الرّحمن الرحيم، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: (إذا كان أول يوم من شوال نادى مناد: أيها المؤمنون اغدوا إلى جوائزكم، ثم قال: يا جابر جوائز الله ليست بجوائز هؤلاء الملوك، ثم قال: هو يوم الجوائز) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج ٧ - ص٤٨٠.
وقد أوضح الإمامُ الحسن (عليه السلام) أنّ العيد يومٌ للطاعة والعبادة وليس للّعب واللهو، إذ مَرَّ (عليه السلام) في يوم فطرٍ بقومٍ يلعبون ويضحكون، فوقف على رؤوسهم فقال: (إنّ الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قومٌ ففازوا وقصّر آخرون فخابوا، فالعجب كلّ العجب من ضاحكٍ لاعبٍ في اليوم الذي يُثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون، وأيم الله لو كُشِف الغطاء لعلموا أنّ المحسن مشغولٌ بإحسانه والمسيء مشغولٌ بإساءته، ثمّ مضى). تحف العقول للحراني: ٢٣٦.
لذلك يجب أن يكون يوم العيد انطلاقةً جديدة في حياتنا، واطلالة معبرة لمن سبقنا، فقد ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في خطبةٍ من يوم الفطر أنّه قال: (واعلموا -عباد الله- أنّ أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملكٌ في آخر يومٍ من شهر رمضان: ابشروا عباد الله، فقد غُفِر لكم ما سلف من ذنوبكم، فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٨٧ - ص ٣٦٢. فالعيد عيدٌ لمن غُفِر له ذنوبُه، يقول الإمامُ عليّ(عليه السلام): (إنّما هذا عيدُ مَنْ غُفِر له)، أمّا من لم تُغفَرْ له ذنوبه ولم تُتقبَّلْ أعماله، فعليه أن يُعلن الحزن في يوم العيد! ويشعر بالفداحة الكبيرة، وعليه تدارك الموقف قبل فوات الأوان.
نستنتج مما سبق أمورا مهمة في ادامة الخير في المناسبات الاسلامية والمحطات الإلهية التي جعلها الله تعالى نعمة لبني البشر، فلا نجعلها نقمة بأعمالنا السيئة وما نحتطبه على ظهورنا من خطايا وذنوب، وأهم تلك الأمور:
1ـ العيد الحقيقي يكمن في طاعة الله تعالى لا في معصيته.
2ـ الدنيا زائلة لا محالة فلنستغلها بالخير والصلاح والمعروف، ولنعزف عن التوافه واللهو والمجون.
3ـ لا ينبغي ان يكون كف البطن والقلب واللسان عن الحرام والكفر والعصيان في شهر رمضان فقط، بل يجب ان يتعداه الى سائر الشهور والأيام.
4ـ العيد المادي ينبغي ان يكون مكملا للعيد المعنوي، ليس العيد لمن لبس الجديد، إنّما العيد لمن سلم من الوعيد.
5ـ العيد هو يوم الحصاد الأكبر الذي يحصد فيه المؤمنون حصائد ضيافة الله تعالى، هو يوم يثاب فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون.
6ـ ما عندكم ينفذ وما عند الله باق، الفرق بين جوائز الله تعالى وجوائز الملوك، ان جوائز الملوك تنفذ، أما جوائز الله تعالى باقية الى ابد الآبدين، فالمؤمنون يفدون الى رب كريم لا تنقص خزائنه، بل لا يزيده كثرة العطاء الا جودا وكرما.
7ـ جعل الله تعالى شهر رمضان وما يتمخض عنه من عطاء وخيرات، جعله مضماراً لخلقه، فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قومٌ ففازوا، وقصّر آخرون فخابوا، وهذه المعادلة هي تكريس لعدالة السماء في الأرض.
8ـ انّ العيد يومٌ للطاعة والعبادة وليس للّعب واللهو كما يظن المغفلون من الناس، هنيئا لمن حصد غفران ربه نتيجة صلاته ودعائه ومناجاته، وتعسا لمن باء بغضب من الله نتيجة لعبه واسفافه وعصيانه.
9ـ كل يعمل على شاكلته، فالمحسن مشغولٌ بإحسانه وقراءته للقران ومناجاته، والمسيء مشغولٌ بإساءته ولعبه ولهوه وطغيانه، فلو كشف الغطاء لفرح المحسنون ولخاب وندم المسيؤون.
10ـ إن الشقيَّ من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، والسعيد من نال غفران الله وحصل على جوائزه في العيد، وعلى الشقي ان يتدارك نفسه في قابل الأيام، ليمحو اسمه من الاشقياء ويجعله في السعداء، فمحطات الرحمة الإلهية كثيرة وعلى العاصي اتخاذ القرار الحاسم في احداها، والا ندم ولات حين مندم.