- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
عافية الشعر الحسيني من سلبها.. الجزء الرابع
حجم النص
بقلم:حسن كاظم الفتال تجانسية الشعر والسياسة أما جدلية الشعر السياسي. فإن الخوض فيها استهلك منا وقتا طويلا وهو لم يختص بفئة دون أخرى حيث اشتركت في هذه الجدلية مختلف الفئات والمستويات ونشرت مقالات في هذا الموقع وذاك من مواقع التواصل الاجتماعي وعقب البعض بردود مختلفة على هذه المقالات حتى بلغ أحيانا النقاش حد التشنج. وكاد هذا التشنج أن يحدث فجوة خلاف أو خصومة بين الأحبة لو لاعقلانية المعنيين بالأدب الحسيني الحقيقي التي سدت كل أبواب النزاع. وبما إن أهمية هذا الموضوع ولزوميته يستوجب تفصيلا وإيضاحا فإنني سأخصص بحثا منفردا للحديث عن تسييس الشعائر أو شعائرية السياسة. ولكن: باختصار شديد نقول: المقصود بالشعر السياسي النصوص الأدبية التي تتضمن إما تحليلات سياسية أو نقدا أو توجيها أو ترويجا لسياسة معينة كمناصرة السلطة السياسية أو إنتقادها أو تدوين نتائج الصراعات والتجاذبات السياسية وما تنتج وتفرز من أحداث أو عواقب. وهذا النوع من الشعر استخدم حتى في صدر الإسلام كالأشعار التي كانت تنظم لمناصرة القبيلة أو عكس ذلك وتهديد أو هجاء القبائل الأخرى والارتجاز خلال الغزوات وما يشابه ذلك. وامتد الشعر السياسي في كل العصور على اختلاف التوجهات أو الأنماط الأدبية. مع الحفاظ على هيكلية وهيبة النموذج الشعري والقيمة الفنية. وغالبا ما ينحاز الشعر السياسي إلى الجماهير المنادية بالديمقراطية والحرية ورفض السياسات الفاسدة للحكام والظلم والطغيان والجور والبطش الذي تمارسه السلطة. وقد تخصصت بعض المواكب الحسينية منذ القدم بهذا النوع من الشعر في رداتها أو هي لم تتخصص بل جعلت لمثل هذا اللون حصة فيها وفي قصائدها وليس في الأيام العشر الأولى من شهر محرم الحرام لأن هذه الليالي والأيام العشر تخصص لعرض مأساة ومصيبة الإمام الحسين صلوات الله عليه. بل كانت تلك في المواكب التي تقدم إلى مدينة كربلاء المقدسة في أربعينية الإمام الحسين صلوات الله عليه. حيث أتخذت هذه المواكب من رداتها السياسية صوتا مناهضا للسلطة أو كوسيلة لبيان تطلعات الجماهير لإيصال مطالب الناس إليها. وقد شكل هذا اللون انعطافة كبيرة للمواكب الحسينية وأدى دوره في عصور قديمة. أما في هذه السنة كما هو الحال لما سبقتها من سنتين أو ثلاث فقد مر الشعر السياسي كما هي الردات الأخرى بدور لا يحسد عليه أبدا. وهذا ما شهد به وسلم له الجميع من المختصين كانوا أو من المتذوقين أو حتى من المتلقين العاديين من غير هاتين الدائرتين. إذ أن الشعر السياسي في الزمن الماضي كان له وقعه في النفوس ووقعه على السلطة الباغية وقد أدى دوره. ورب سائل يسأل: إن السلطات لم تستجب لأي من المطالب التي أدرجت في الردات ولم تغير من سياستها. إذن ما هو الأثر الذي تركه الشعر السياسي ؟ فنجيب بالقول: أولا: قد استجابت بعض السلطات وجرت بعض التغييرات في فترات معينة بشكل غير مباشر. ثانيا: إن هي لم تستجب فقد ظهر عليها أثر هذا النمط ومدلول ذلك الأثر ووقعه عليها أذ راحت تسكت هذه الأصوات وتعتقل هذا وتبعد ذاك. هذا ما يخص السلطات القمعية الماضية والتي لم تكن تمثل الشعب بل تمثل نفسها وكان الشعب يتعرض لأبشع حالات الظلم والإضطهاد الفكري والعقائدي والطائفي وبصورة علنية وكان للردة الحسينية أو القصيدة دورها ووقعها. فضلا عن أن القصيدة كانت تزخر بالمعاني التي توشي بتمتع الشاعر ناظمها بثقافة عامة وباع طويل بمختلف مجالات الحياة الثقافية وبمجريات الأمور على مسرح الحياة وتزخر بمفردات حكمية حصيفة وتتوسم القصيدة بالحبكة والرصانة وتحمل شذرات عقائدية فكرية ثقافية تأريخية تكوِّن هيكلا معماريا رصينا لتؤدي فاعليتها. وثمة أمر مهم ينبغي أن تلتف إليه الأنظار وهو أن في ذلك الزمن لم تكن هنالك مجالات أخرى لعرض مثل هذا الحال غيرَ فرصة الموكب الحسيني المسموح له بالنزول إلى الشارع ليس كما هو الحال في هذه المرحلة والتي توفرت لنا بدائل كثيرة. فإن التظاهرات والاعتصامات لا تخلو منها أية مدينة ولا يمر أسبوع دون أن يشهد مظاهرة ويرفع المتظاهرون فيها الكثير من الشعارات والمطالب. ولعل هذا الأمر أنتج ظاهرة طريفة يجد البعض أنها أوشكت أن تجهض جدوى وفاعلية أثر ووقع هذه الردات السياسية. وتتبين طرافتها من خلال مشاركة قسم من مسؤولي الدولة في بعض هذه المواكب التي تردد ردات سياسية تنتقد بها السلطة وأداءها الفاشل أو القاصر. ذلك الضعف أو الفشل أو القصور الذي يعنى به هذا المسؤول نفسه وهو يتقدم مسيرة الموكب. أية مفارقة هذه وختاما نورد ملمحين الملمح الأول : لقد كان الشعر السياسي يتبنى نظمه وإعداده أشخاص محنكون مثقفون لاكتهم الحياة السياسية حتى أكسبتهم خبرة شقوا بها كل تفرعات الثقافة وأصبحوا على علم ودراية عاليتين بممراتها. الملمح الثاني: لقد خصصت الردات والقصائد (الگعدة) التي هي قصائد تقرأ أثناء جلوس المعزين وكنا نستقي منها معلومات إذ أن بعضا منها تصاغ برصانة وحبكة لتبيان أمور تفصيلية عن معركة الطف أو جوانب أخرى تعليمية وتوضيحية أو أحكامٍ شرعية. يسميها الرواديد سابقا (قصائد الشجاعة) أي تبين شجاعة الإمام الحسين وإخوته وأصحابه صلوات الله عليه. وأما الردات السياسية كانت أشبه بمقتصرة على موكب معين تخصص بها لكن يبدو أن العدوى أصابت الآخرين فراحوا يسلكون السبيل نفسه ويطعمون رداتهم بهتافات سياسية ويرى الناس أن لا ضرورة لهذا السلوك. أما قصائد اللطم فإن اختراق النظم السياسي لها كان خطا أحمر لأنها تقتصر تماما على عرض وتفصيل مصيبة الإمام الحسين صلوات الله عليه وعلى البكائيات وتدر مدامع العاطفة خصوصا المدرسة الكربلائية فهي لم تعتد على تبطين قصيدة اللطم بعبارات أو أبيات من الشعر السياسي وإن كان هذا الأمر تخلل بعض مفردات المدارس الأخرى. إذ أن اللطم على الصدور هو صيغة عزاء ومصيبة بل نتاج لهيجان نار الحزن على سيد الشهداء وأهل بيته وأصحابه صلوات الله عليهم. فما معنى أن ألطم الصدر وأنا اردد حررنا الـ (....) أو أمدح فلانا وفلانا. هنا تحصل مفارقة ينبغي أن نتوقف عندها ونتأمل طويلا. وحق علينا تذكرة المؤمنين: أولا: إن تاريخ الشعائر الحسينية كما هو تاريخ النهضة الحسينية المباركة.يصك بثنايا مدوناته على معالم القدس والمآثر والمناقب والسجايا وبيان المقامات والمراتب الرفيعة لأهل البيت صلوات الله عليهم وبفيوضاتهم وهو ينتظر بل يتطلع بشوق وتصبر لمن يفك رموز محاورته ويحسن استنطاقه فيستنطقه ليفصح له هذا التأريخ عن هذه المعالم. ولا نسى أن من يريد أن يستنطق التاريخ فعليه أن يجهد لامتلاك عناصر الاستنطاق ومعرفة كيفيثة اتباع الآليات التي تؤهله من هذا الاستنطاق ثانيا: إن للثقافة دورا في كل جوانب الحياة وينبغي لكل متصدر في أي قضية أن يكون مسلحا بالثقافة ليكون مؤهلا للتصدر ومن السمات التي ينبغي أن يتسم بها الشاعر الحسيني هي الثقافة فضلا عن الارتباط العقائدي الحقيقي الواعي الصميمي بالقضية الحسينية ارتباطا حميميا جيدا. وعلى الرادود أن يكون مثقفا أيضا فإن الصوت لوحده لا يكفي وينبغي أن يكون نبها ومقتدرا على حسن الاختيار للنص الواعي والمناسب وأن لا يكون عمله مع الشاعر الفلاني دون الشاعر الفلاني على حساب القضية الحسينية أو على حساب لعقيدة. وقد كتبت أنا يوما موضوعا بعنوان: (أنصفوا الأدب الحسيني) ومرة أخرى أقول: (أنصفوا الأدب الحسيني). القضية الحسينية ليست ملكا للرادود الفلاني مهما بلغ من الشهرة ولا للشاعر لفلاني مهما سمحت له لظروف أن يقتحم الساحة الأبية دون وجه حق. القضية الحسينية ملك الجميع وليس من حق أحد أن يوهن مفاهيم وعظمة هذه القضية بكلمات تسطيرية تسطيحية بإمكان أي طالب إبتدائية أن يسطرها.. الحسين عليه لسلام عظيم فلا يستحق إلا كل عظمة. ولا يقدم له إلا كل ما هو عظيم وعلى المروجين لفلان وفلان والمسوقين للنصوص الركيكة أن يراجعوا أنفسهم ويحاسبوها . ويبدو أن الدور الأهم للمتلقين الذين يستمعون القول ولا يختارون أحسنه بالاتباع ثالثا: فلنتذكر وصية الإمام الباقر صلوات الله عليه لابنه حول الندب والبكاء إذ يقول الإمام الصادق صلوات الله عليه: قالَ لى أَبى: يا جَعْفَرُ! اَوْقِفْ لى مِنْ مالى كَذا وكذا لنّوادِبَ تَنْدُبُنى عَشْرَ سِنينَ بِمنى اَيّامَ مِنى.. وقد كان الإمام الباقر نفسه حين يتشرف بزيارة الإمام الحسين صلوات الله عليهما يستأجر نساء يعطيهن المال ليندبن الإمام الحسين عليه السلام وينحن عليه عند قبره وهو إمام معصوم. فلنتبع منهاج الباقر صلوات الله عليه ونحسن الندب ونؤجل في شهر محرم الحرام ندب أنفسنا والتجاذبات السياسية ونكرس أيام شهر محرم الحرام لندب سيد الشهداء سيد شباب أهل الجنة ونخلص ونصدق في هتافنا: لبيك يا حسين وبالقوافي أشير وأذكر وأختم: وتماوجت بدمي صلاة قريحتي ** وأتت قنوتاً خاليا من كل ظن الحرفُ في حذر يطاوع نشوتي ** فإطاعة الشعراء قد لا تؤتمن ما ماضيا أنا للوغى في قسوةٍ ** بل غير صنع قصيدةٍ لا أمتهن أصغيت حيث نداء نورستي أتى **بفصاحةٍ نطقت وما جاءت لكن حتى إذا صفة انتخابي شوهت **جاء الصدى مهلا رويداً يا حسن طرز بعطر الورد نص قصيدة **وانثر أطايبها على من لم يهن الشعر ليس بسيفِ غدر إنما **هو رمز تقديس وإبداعٌ وفن أحسن ظنونك بالأحبة لا تسر **وتقول سوء الظن من حسن الفطن لا تقتدح ناراً وفيها تصطلي ** فتلوم نفسك كيف راودها الضغن إن رمتَ تعبرُ بحر نظمك سالما **بالصفح شيد مركبا وابحر إذن الشعر فردوس الكلام وإنكم ** يا معشر الشعراء قد صرتم سدن لا تأذنوا لولوج مفردة أطا **عت رغبة الشيطانِ يوم لها ركن قيثار شعري قد أتى انغامه **من صوت نورسةٍ بها قلبي افتتن
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول
- البكاء على الحسين / الجزء الأخير