- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
لماذا قصّة قارون ..!؟. المرجعيّة على خطّى الأنبياء والرسل والأوصياء ( ع )
حجم النص
بقلم:نجاح بيعي ليس من الصعب على المتتبع لخطب منبر الجمعة , أن يلحظ أولاً أن المرجعيّة لم تنفك تتناول بخطابها الوضع العام السياسي للعراق , وإن كان بصورة غير مباشرة باستخدام القرينة التاريخيّة , منذ أن عزفت عن تناول الشأن السياسي العراقي في جمعة 5 / 2 / 2016, وأرجأته الى إشعار آخر حسب ما تقتضيه المصلحة في ذلك. ويلحظ ثانياً تنامي حدّة الخطاب وتصاعد وتيرته , حتى بات من المسلمات انصراف ذهن المتلقي , من أن الذي تشير إليه المرجعيّة بكلامها , هو الشأن السياسي والطبقة السياسية المتصديّة في العراق لا غير. وبالنسبة لنا ما كان علينا أن نتوقف عند (هذه الصورة) وهذا الحد وكفى , دون أن ندرك المعاني المهمة والالتفاتات القيمة المبثوثة عبر نص الخطبة ذاتها. وإذا ما قمنا باستقراء خطبة جمعة 2 ايلول / 2016 م بإمعان , بإمكاننا ان نلحظ الأمور المهمة التالية: 1 ــ تطرّقت المرجعيّة الى ذكر ثلاث محطّات تاريخيّة خطرة , ضمن خط المواجهة الإلهيّة بين الأنبياء (ع) وطواغيت زمانهم. وهم نبي الله إبراهيم (ع) مع نمرود , وتجربة نبي الله موسى (ع) مع قارون , والنبيّ الأكرم (ص وآله) مع طاغية قريش أبو لهب. وإنما فعلت ذلك فقط لتبيّن أنّ مثل هؤلاء الطواغيت المردة , لا يمكن أن يقارعهم أحد من الناس , ويكتب له الغلبة والنصر إلاّ (نبيّ) مسدّد من الله تعالى. ولنا أن نعرف أن العدو الذي يقف قبال الأنبياء , يعني حربه ضد الله. فالعدو هنا ليس كالأعداء التقليديين , والثائر المصلح هنا (النبيّ) ليس كباقي الثوار والمصلحين , في مجمل الصراع بين جبهة الخط التوحيدي المتمثل في الأنبياء والرسل , وجبهة الشرك والإلحاد المتمثل في الطواغيت. 2 ــ إنّ المهمة الملقاة على عاتق الأنبياء والرسل (ع) , في مواجهتهم للانحرافات العقائديّة والسياسيّة والاجتماعية والاقتصاديّة وغيرها عبر التاريخ , بسبب تسلّط الطغاة هي مهمة (إصلاحيّة) من الدرجة الأولى. وهي أيضاً (مهمة) لا تناط بأيّ كان , إلاّ بمن توفرّت لديه الأهليّة الكاملة في ذلك , وهم الأنبياء والرسل (ع) لا غيرهم. 3 ــ استمرار خط المواجهة الإلهيّة ذاك الى اليوم , متمثلاً بخط المرجعيّة الدينيّة , الكيان الذي وقع على عاتقه, بيان وتوضيح الأحكام الإلهيّة للأمّة جمعاء. ورجوع الأمّة (الناس) في أمور دينهم ودنياهم اليها. وهي مقام النيابة عن المعصوم (ع) في زمن الغيبة الكبرى. كما ثبّتها ورسم مهامها الإمام الثاني عشر ــ عج ــ (أما الحوادث الواقعة , فارجعوا فيها الى رواة حديثنا , فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) وسائل الشيعة ج18 ص 101. 4 ــ إذن فالمرجعيّة الدينية العليا اليوم , هي الجهة الوحيدة التي تمثّل نهج الأنبياء والرسل والأوصياء (ع) , في خط المواجهة الإلهيّة مع الطواغيت والمنحرفين. وهي الكيان الوحيد الذي له الحق أن يشير بالبنان الى مواطن الخلل والانحراف في المجتمع. والى مَن يقف وراءه من المنحرفين والفاسدين , ولا تأخذها بالله في ذلك لومة لائم. لأنها تقوم مقام النيابة المقدسة عن المعصوم (ع). كما ولها الحق أن تختار من القرآن الكريم ما تشاء , وتتبنّاه وتطرحه كمقاربة مع الواقع المعاش , لينصرف ذهن المتلقي اليه للاستخلاص النصيحة والعبرة عبر نهج التكامل الإلهي. ((القرآن عندما يصوّر قارون حقيقة , يوجد مَن يتشبّه في زماننا بقارون , والنفس نفس قارون. والذين معه والذين ارادوا واحبوا ايضاً هؤلاء نفس مَن كان مع قارون..)). واختارت المثال القرآني (قصّة قارون) لما في قارون من دّالة تدّل على الطبقة السياسية المنحرفة. 5 ــ لماذا قارون ؟. بإمكاننا رَصد الأمور التالية: أ ــ ربما لأول مرّة تشير المرجعيّة , الى ما أشار اليه القرآن الكريم بشكل واضح , مِن أنّ مثل قارون كظاهرة منحرفة في المجتمع , لم تكن لتظهر تنمو لولا وجود مَن يؤيدهم في المجتمع!. (قَالَ الّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَوةَ الدّنْيَا يَلَيْت لَنَا مِثْلَ مَا أُوتىَ قَرُونُ إِنّهُ لَذُو حَظٍ عَظِيمٍ). وهؤلاء يشكلون شريحة اجتماعيّة سلبيّة (مُعرقِلة).هم أيضاً يتحملون المسؤولية التاريخيّة والشرعيّة والأخلاقيّة في ذلك. لأنّهم يتشبّهون بالمنحرف الفاسد المُفسِد , سواء كان قارون (المثال القرآني) أو (الطبقة السياسيّة الحالية). ومعجبون بما عندهم , ويريدون أن يكونون مثلهم. ب ــ أشارت المرجعيّة الى أنّ (القارونيّة) كظاهرة , هي نتاج الحالة الفرعونيّة (النظام السياسي العام) في زمن موسى (ع) , إذن فالطبقة السياسيّة الفاسدة الحالية , هي نتاج النظام السياسي المنحرف (نظام المحاصصة والتوافقيّة السياسيّة) التي ابتلي بها العراق والعراقيين. فالعراق يعيش الآن الحالة (الفرعونيّة) المتجبرة. ج ــ إذا كان قارون قد استحصل ثراءه الفاحش , عن طريق ذكائه وجهده وحيلته (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) , و لم ينسب شيء من ذلك الى الله تعالى , فيكون بذلك قارون شخص قد اوكله الله تعالى الى نفسه. فكانت النتيجة هي الطغيان والتسلط والتجبّر على الناس والمجتمع والاعتداء عليهم. والمفارقة هنا أنّ الطبقة السياسيّة الفاسدة الحالية , لم تقل ما قاله قارون (أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) البتّة , ولم تتجرأ على ذلك لأنها تعلم أن ثرائها الفاحش , إنما جاء عن طريق الاستحواذ على المال العام , وسرقة ونهب وسلب أموال الدولة. وبمعنى اقرب أنّ (طبقتنا السياسيّة) فاقت (قارون) واساليبه , والقارونيّة ومفهومها , فراحوا يشترون الذمم والولاءات , وعبروا بطغيانهم من حالة الفساد الى الإفساد في المجتمع. د ــ وبالنتيجة أنّ كلاًّ من قارون و(الطبقة السياسيّة الفاسدة) لا يحبّون النصيحة فضلاً عن الناصحين انفسهم. ومثل ما نصح موسى (ع) أو قومه قارون(إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ), كانت المرجعية قد نصحت الطبقة السياسية الفاسدة و مرارا وتكرارا حتى بُحّ صوتها. هـ ــ الهلاك والاستئصال هو مآل قارون والقارونيّة (فخَسفْنَا بِهِ وَ بِدَارِهِ), ويعتبر الهلاك تهديد قائم لكل مَن هو على شاكلة قارون عبر التاريخ كسنّة إلهيّة. إذن فالمرجعية الدينية هنا بمقام (التهديد المباشر) للطبقة السياسيّة الفاسدة , وأنهم وبلا شك بانتظار الردّ الإلهي الحاسم. والمفارقة الغريبة هنا أنّ الهلاك والاستئصال , يجري أمام انظار الشريحة (القارونيّة) الاجتماعيّة المؤيّدة للانحراف , وبالرغم ذلك أنهم بمنجىً من العقوبة الإلهيّة , وذلك بفضل ومنّه , ليروا خطل وفساد موقفها وما كانت عليه من تأييد للمنحرفين (.. لَوْ لا أَن مّنّ اللّهُ عَلَيْنَا لَخَسف بِنَا وَيْكَأَنّهُ لا يُفْلِحُ الْكَفِرُونَ) المصدر:كتابات في الميزان