حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ تنقسم طبيعة التبريرات التي تصدر عن الجهات الأمنية وبعض السياسيين والتي تحاول "تفسير" ما يحصل عقب كل عملية إرهابية لاسيما إذا كانت نوعية وذات نتائج كوارثية.. تنقسم الى نوعين او صنفين كلاهما جاهز ومُقولب سلفا (كليشه) كأنها تنتظر ما سيُسفر عنه أي حادث إرهابي من حصيلة دامية وخراب شامل وذلك لوضع "الديباجة" الاستنكارية اللازمة لهذا الحدث مع تدبيج بيانات إنشائية لاتسمن من جوع تدعو دائما دعوات رومانسية حالمة لاتقدم او تؤخر كـ "تفويت" الفرصة على الأعداء و"ضبط" النفس والحفاظ على "اللُحمة" الوطنية وان داعش يعوض اندحاراته في الجبهات بهذه الأعمال الإرهابية وهي بيانات تكون جاهزة ايضا ومعدة إعدادا لتتناسب مع "المناسبة"، فالصنف الأول من تلك التبريرات يُلقي المسؤولية كلها على تنظيم داعش الإرهابي ومن يتشاطر معه تلك المسؤولية من البعثيين والصداميين وحواضنهم وامتداداتهم في دول الجوار، فيما يُلقي الصنف الثاني من التبريرات باللائمة على مجمل التناقضات والتناحرات والاصطراعات والتخندقات المتقابلة والاحترابات السياسية تلك التي يكتظ بها المشهد العراقي المأزوم سياسيا والمحتشد بالانسدادات والاستعصاءات السياسية، والمضطرب امنيا ما يعني أن التجاذبات السياسية خرجت عن نطاقها الأيديولوجي والحزبوي الى مجال آخر يلعب فيه العنف الدور الرئيسي وهو حديث لايبتعد كثيرا عن المناكفات والمماحكات السياسية.. ومهما كانت طبيعة او صفة تلك التبريرات ومدى صدقيتها ومهنيتها ودواعيها فالنتيجة تبقى واحدة ـ كما تبقى الأسباب ذاتها على حالها ـ وهي الدمار والخراب الذي يدفع ثمنه غاليا المواطن العراقي البسيط من روحه ودمه وممتلكاته والذي يبقى ينتظر دوره وحصته في سيناريو الخراب والدمار، وفي كلا الحالين(بصمات داعش او تجاذبات السياسيين) يبدو القصور في الأداء الامني اكثر وضوحا من الأسباب المعلنة ذاتها خاصة إذا تكررت المشاهد الدموية في أيام أضحت توصف بالدامية ولم تعد أيام الأسبوع الواحد كافية لاستيعاب هذا التكرار، ناهيك عن الحوادث الدموية الجزئية او اليومية المتفرقة التي تمر مرور الكرام في وسائلنا الإعلامية على سبيل التغطية الروتينية "اداء الواجب" المهني، في حين إنها لو حدثت في مكان آخر من العالم لحظيت بتغطية اشمل واهتمام أوسع. بيد إننا لم نجد يوما ما في أية وسيلة إعلامية كانت، اعترافا لمسؤول امني او عسكري وحتى سياسي بالتقصير أو الفشل ولو على سبيل الإشارة ولم نرَ مسؤولا امنيا او عسكريا واحدا يتكلم عن إخفاق جهته في درء أية عملية إرهابية او التقليل من تداعياتها قدر الامكان، عدا المحاولات المستميتة لإلقاء اللوم من قبل البعض على الجهات الأخرى ووضع العبء الأكبر في ملعب الآخرين ونفي التبعية عن نفسها كما لم تُعرف لحد الآن نتائج "الزوبعة" التي أثيرت حول شبهات الفساد بخصوص أجهزة كشف المتفجرات والتي لم تستطع أن تحمي قلب بغداد وفي صميم هذا القلب فأنىّ لها ان تحمي الأجنحة والأطراف ؟!! وكيف يحدث أكثر من يوم دام وفي المنطقة نفسها بل وفي الشارع نفسه!!! وكما يحدث وبشكل متكرر في مدينة الصدر الشعبية الفقيرة ؟ وبعد الذي حدث في سوق (أعريبة) الشعبي الفقير والكائن في حي الصدر وجدنا تكرار "المعزوفة المشخوطة " الجاهزة نفسها وذلك بالتنصل من تبعية ماحدث وإلقاء المسؤولية على الجهة الأمنية الاخرى فضلا عن مطالبات البعض بإقالة و"محاسبة " القادة الأمنيين والضباط المتصدين لهذا القاطع او ذاك وهم يعلمون علم اليقين بان "المحاسبة" لن تكون بأكثر من مناقلة البعض منهم الى أماكن اخرى وإحالة بعضهم الى التقاعد ليتكرر سيناريو الإرهاب مرة اخر في ذات المكان، وهكذا دواليك!!! فإلى متى يبقى الفقراء والبسطاء الكادحون من اجل لقمة عيشهم يتلقون الضربات دون حماية الأجهزة الأمنية التي تبتلع قسما كبيرا من ميزانية الدولة الخاوية على عروشها ودون أن يقدموا انجازا نوعيا واحدا كإحباط محاولة إرهابية واحدة في الأقل، والى متى تبقى هذه الأجهزة مخترقة ومترهلة ويشوبها الفساد الإداري والمالي او تكون عرضة للمضاربات السياسية وهي مازالت بأدائها الهش والهزيل تعطي أكثر من نصر مجاني للدواعش وحواضنهم وخلاياهم النائمة وبشكل يومي وليتمكن على سبيل المثال لا الحصر، الإرهابي (ابو سليمان الأنصاري) من أن يحوّل سوق (أعريبة) الشعبي الفقير الى ركام وحطام وأشلاء ومستنقع دم لأبرياء لاذنب لهم سوى فشل أجهزتهم الأمنية عن حمايتهم ودرء الإرهاب عن مضاربهم وشوارعهم، والى متى تبقى الأسباب جاهزةً والتبريرات تستبق الأحداث الدامية، والى متى تبقى الضبابية والشبحية تحوم حول "الفاعل" المستتر ويبقى المواطن الفقير والبسيط وحده يدفع ثمن أخطاء الآخرين والى متى تبقى بيانات الشجب والاستنكار رد الفعل الوحيد للمتصدين للأمن والسياسة في العراق من دون أي رد اعتبار لدماء الشهداء !!. سؤال موجه الى السياسيين ايضا عسى ان نجد تبريرا منطقيا واحدا للامعقوليات العراقية وما اكثرها !!!