- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الثورة الفرنسية 1789 وأثارها على شعوبنا في الوقت الراهن
حجم النص
بقلم: الباحث باسم عبدعون فاضل مع اقتراب القرن الثامن عشر من نهايته أصبحت الأفكار السياسية والاقتصادية والتطلعات لدى الإنسان في أوربا في ذلك الوقت تتجه إلى ما هو مغاير لم هو متوارث عليه منذ عصور قديمة، فالحاجة هناك أضحت ملحة للتغير ه وهذا التغير لا يجد ضالته من دون قبول وتبدل في عقلية من يحكم وتقبله لمدى الحاجة إلى ضرورات التغيير، الحاكم هناك كان يدرك إن التغير يفقده الكثير من أدوات واليات الحكم التي توارثها من أسلافه والتي يعدها مقدسة لا يمكن المساس بها، المواطن هناك في النهاية ونتيجة إلى تعنت الحكام في القبول بمطالب الجماهير لم يكن أمامه غير الانتفاض من اجل التغير وهذا ماحدث في فرنسا عام 1789، فقد أشعل الفرنسيون ثورتهم التي شع ضيائها في بلادهم ومن ثم أوربا والعالم والتي أتت بتغييرات جذرية في البنى المؤسسية لمجتمعهم فهي عملت على تبديل المجتمع هناك ظاهريا وجوهريا من نمط سائد إلى نمط جديد يتوافق ومبادئ وقيم وأهداف جديدة تنتج عنها في النهاية عصرا جديد عرف بعصر التنوير الذي جاء بنداء التخلص من الظلم السياسي للمجتمع الناتج عن الاستبداد في السلطة من قبل القائمين عليها والتمايز الطبقي في الحقوق والواجبات الذي كان مسببا لذلك الشرخ العميق بين أغلبية الشعب والسلطة التي تحكمه هناك، كل تلك الوقائع شكلت غليان شعبي أدى في نهاية المطاف إلى ثورة شعبية ضد النظام الحاكم وهذا ماحدث في فرنسا قبل أكثر من قرنين من الزمان، عامل الوعي والإصرار والإيمان لدى الجماهير هناك بقدرتها على التغير جعل من نتائج الثورة تأتي بما ويتوافق مع تطلعاتها،فضائل تلك الثورة تعددت وكان من أبرزها:- - سيادة مفهوم حكم الشعب رسخت تلك الثورة مفهوم وواقع سيادة الحكم الشعب على سيادة حكم الحاكم وجعلت الحكم من قبل الحاكم يسري وفق عقد بين الحاكم والمحكومين واي خلل من الحاكم بذلك العقد يحق للشعب فسخه. - المساواة التي رسختها في القوانين والتشريعات المساواة التي جاءت بها فكانت ابرز ما يمز مطالب الثائرين هناك وبالتالي خلفت المعايير المزدوجة القديمة في التعامل مع المواطنين على أسس الأسياد والعبيد أتت تلك الثورة بما هو يشكل انقلاب على تلك الأسس وهو المساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات. - الإخاء تميز تلك الثورة بتجسيد الإخاء بين أبناء الشعب الثائر وأصبحت المواطنة هناك رمز ومعيار للإخاء بدلا عن معايير رجل الإقطاع والبرجوازي ورجل السلطة وغيرها. - حقوق الإنسان التي نادت بها مثل حق الحياة وحق الرأي والرأي الأخر وحق التملك وحق التعبير عن الأفكار والآراء دون اي قيد شكلت منعطف جديد في حياة الإنسان هناك. الشرارة الأولى في اندلاع تلك الثورة كانت شبيهة ومع ما حدث من تحركات جماهيرية غاضبة ضد أنظمة الحكم في بلداننا اليوم، رغيف الخبز كان الثاقب في لهيبها، وهذا ما حدث في تونس من ثورة امتدت في عدوتها لتشعل في ما بعد ما تعرف بثورات الربيع العربي، فثورة تونس التي أشعلها الشاب بوعزيز هناك كانت تتطابق وشرارة تلك الثورة قبل قرون في فرنسا، مبدأ التدخل والتأثير الخارجي في الثورة الفرنسي والحيلولة دون السماح لها في تحقيق أهدافها من خلال حرف مسارها كانت الجماهير هناك له بالمرصاد، في بلدان الربيع العربي لم تكن الجماهير هناك حاذقة الانتباه لهذا الأمر وبالتالي سمحت الكثير من شعوب الربيع العربي للتدخل الخارجي تحت عناوين الصداقة والمساعدة في التخلص من الحكام لكنه في النهاية عادت عليها تلك التدخلات بالكارثة كما هو اليوم في ليبيا وسوريا واليمن وحتى مصر ويمكن استثناء تونس من ذلك إلى حدا ما، مفهوم المواطنة والتطلع للمستقبل والاستشراف العملي له كان حاضرا في الثورة الفرنسية، في المقابل نجد ثورات العالم العربي اليوم افتقدت له لذلك كان جل اهتمامها إسقاط الحكام دون أي رؤية لمرحلة ما بعد التخلص منهم والتأسيس المبكر ولو نظريا للمستقبل، في الثورة الفرنسية ذابت كل الفئات والطبقات الاجتماعية من اجل انجاحها بينما ثورات الربيع شابها الانقسام الشعبي بين المؤيد وبين الرافض وبين المتفرج لما تؤل إليه نتائجها، مرحلة ما تعرف بأكل الثورة لأبنائها الثائرين لم تدم طويلا في الثورة الفرنسية استطاعة الجماهير الثائرة هناك تجاوزها، الشعوب العربية في ثوراتها عاشت مرحلة الصراع الدامي وسفك الدماء بين رجال ما يعرف بالثورة، فالقتل والاغتيالات وبروز الحركات التكفيرية المتشددة هو سيد الموقف في نتائج ثورات الربيع العربي. في العراق وبعيدا عن ثورات الربيع العربية، ثراء الثورة الفرنسية في هذا البلد لم تكن ذلك المعطاء الإنساني الذي يمكن الاستفادة منه في وضع الأسس الصحيحة والمنطقية التي جاءت بها مثل منع التمايز الطبقي والعدالة والحقوق والحريات وإبداء الرأي والرأي الأخر دون أي قيود أو تبعات تضعها السلطة، فبالرغم من إن الدستور الذي وضعه العراقيين في عام 2005 كان حافل بتلك المواد التي ترسخ الإرادة الشعبية في الحكم إلا إن الواقع بات يوما بعد أخر يختلف ومناقض لما جاء بالدستور، الأمر هنا ينذر بشبح السخط الجماهيري الذي ربما ينتفض يوما ما وينسف كل تلك التشريعات النظرية التي لا تمت للواقع النظري بأي شكل يذكر.
أقرأ ايضاً
- الذكاء الاصطناعي الثورة القادمة في مكافحة الفساد
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري