حجم النص
بقلم:سمانا السامرائي اعتصام، تظاهر، انتفاضة، ثورة. هل ستغير هذه الحركات شيء؟ غالباً سيبقى الحال كما عليه في أحسن الظروف، أما في الواقع فهذه الحركات ستجري بنا نحو الهاوية السحيقة بأسرع من المعدل المفترض بعشرة أضعاف. هذه ليست نظرة تشاؤمية للأحداث، إنما هو ما يحصل تماماً على أرض الواقع، وستراه لو حاولت أن تكون صادقاً قليلاً مع نفسك. لا يعي المجتمع مدى ضرر المظاهرات وغيرها من أشكال الرفض على الوطن في الوقت الحالي، فلو نظرت للمظاهرات ستجد عدة نقاط، أبرزها:إن المظاهرات أصبحت موضة، ويمكن القول أنها أصبحت مرادفاً لقضاء وقت ممتع والتقاط صور مع الأصدقاء لنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي في الأعم الأغلب، وهناك قلة قليلة تؤمن بالفكرة التي تتظاهر من أجلها. المتظاهرون هم من الفئة الشابة، وهذه الفئة لم تتلق إلى الآن الثقافة المناسبة التي تؤهلها لفهم فقه الاعتراضات والمظاهرات،ولا تريد أن تتعلم تلك الثقافة، وتعتقد أن متابعة القنوات الإخبارية ومواقع الأخبار على الشبكة هو كافٍ ومؤهل للتحدث في السياسة، أو للخروج في مظاهرة و بدأ انتفاضة. وعليه حتى وإن نجحت حركة في الإطاحة بالنظام السياسي في المستقبل، فإن فرصة أن يصل إلى الحكم شخص ملائم للمركز يريد حماية الوطن هي فرصة ضئيلة إن لم تكن معدومة، وحتى وإن وصل ذلك الشخص للمنصب سيواجه خيارين:إما الموت على يد معارضيه، أو مظاهرة تطيح به أيضاً من أتباعه الذين اختاروه ليحقق لهم كل أحلامهم بغمضة عين وبلا أي تنازلات شكلية أو حقيقية، كأنه يمتلك عصاً سحرية، وحين فشل في ذلك استحق المظاهرة بنظرهم. المظاهرات حالياً هي شكل من أشكال إعاقة الأعمال والتعليم والحياة الطبيعية، وقد يستخدمها البعض للهروب من عمل مرهق أو نظام حياتي ممل.وهناك من يحرك هذه الجموع ويستغلها لتحقيق مآربه شخصية وهو يعلم تماماً أن المظاهرات لن تأتي بثمارها. فبين الساسة الذين لم تعد تخيفهم اندلاع مثل هذه المظاهرات عديمة النفع، والمجتمع الذي سئم وأرهقه تكرار المظاهرات التي قد تكون بلا سبب واضح وبلا أي نتيجة ملموسة، لن يكون الغد سوى نسخة أسوأ جودة من الحاضر. ماذا نحتاج للحصول على أمة كريمة إذن؟ نحتاج إلى أشخاص يصرون على نشر التعليم والثقافة في شتى المجالات ولا سيما السياسية منها والعلمية كإصرارهم على الخروج في مظاهرات يومية وأكثر، فالتحديات في مجال نشر العلم كثيرة، ليصنعوا شخصاً جديراً بالثقة، يتمتع بالذكاء والإصرار،ويحب هذا الوطن، يمكن أن يرتقي المنصب ويحرص على رعيته كحرصه على نفسه. ونحتاج لصناعة رعية تتخذ قرارات واعية بعد تفكير، وتعي كونها هي لبنة بناء الأمة وأساس التغيير والتقدم، ولأجل ذلك تعمل بإخلاص في الحقول التي تختص بها لتساهم في إنعاش الوطن في كل المستويات. هكذا نجحت الثورات العربية قبل ثمانين أو تسعين سنة، فقد كان نشر الثقافة دائماً من الأولويات – رغم صعوبة ذلك في تلك الأوقات مقارنة بسهولته في الوقت الحاضر في خضم التقدم التقني- وكان الأدباء والعلماء والمثقفون هم من يحركون الجموع. أمتنا يمكنها أن تبني لنفسها مستقبلاً أفضل إن تخلت عن كل هذا الاستسلام والجبن في مواجهة الحقائق والتعصب والعناد كردة فعل للوضع، وإن تخلت عن الكسل في التفكير والفكرة السائدة بأنها لا تستطيع أن تفعل شيء لخيرها ونفعها إن لم يأت من مصدر أعلى.
أقرأ ايضاً
- الدعوة إلى تجديد الخطاب في المنبر الحسيني.. بين المصداقية ومحاولة تفريغ المحتوى
- لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ ..اصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني