مر المنبر الحسيني بمراحل مختلفة من حيث شدة التأثير ومن حيث إقبال الناس عليه، ووراء ذلك عدة عوامل منها الواقع الاجتماعي والاقتصادي والفكري، إضافة الى ما يحمله الخطباء من مكانة في النفوس.
ومن اجل التطرق الى بعض التساؤلات حول المنبر الحسيني التقى موقع نون بسماحة آية الله السيد علي الميلاني أثناء تواجده في مدينة كربلاء
س: بدءا نود تعريف المنبر الحسيني من وجهة نظركم؟
ج: المنبر الحسيني وسيلة لاستمرار الآثار وبقائها، ولكن بشرط أن يكون المنبر بيد أهله وبحسب الموازين العلمية الشرعية، وعندئذ لاشك بتأثيره، والخطباء لهم دور كبير في بقاء هذه القضية وآثارها، والشعراء كذلك لهم السهم الكبير في بقاء هذه القضية وديمومتها وارتقائها الى المستوى المنشود.
س: هناك من يقول أن علينا تغير المصطلحات والمفردات بما يلائم مقتضيات العصر، فما رأيكم في ذلك؟
ج: أبداً، أنا لا أوافق على هذا، فالمذهب على ما عليه الآن يجب أن يبلـّغ، ومن أراد واستجاب لهذا المذهب ورغب فيه فأهلاً وسهلاً، ومن لم يرد فذلك عائد له أيضا، وأنا لا أرى أن من الصحيح أن نوجد تغييرات في المفردات العقائدية، أو في أحكامنا الشرعية العملية، أو حتى في آدابنا وسننا الشرعية، ونحن نقول بأن هذه الشريعة ككل وكمجموعة على ما هي عليه يجب أن تبلغ إلى الأمم، وتوضح لهم، أما أن نزيد شيئا أو ننقص، فهذا أمر غير صحيح.
س: هل على الخطيب أن يكون له نمط ثابت أم أن عليه دراسة مستوى الحضور في المجلس ثم المخاطبة وفقا لذلك؟
ج: هذا طبيعي لأن الخطيب عندما يرقى المنبر، ينظر إلى الحضور ومستواهم، فيجب أن يكلمهم على قدر عقولهم، ولابد أن يتكلم على المستوى الذي يمكنهم من استيعاب المطلب، فلكل مقام مقال، فعلى الخطيب عندما يرقى المنبر النظر إلى الحاضرين، والمحاور الأساسية الرئيسية التي لا تخرج عنها مطالب أهل المنبر والخطباء بصورة عامة هي ثلاث:
الأول/ العقائد: فلابد من تصحيح الفكر، و إعطاء العقيدة الصحيحة وتعليمها خاصة للشباب.
الثاني/ الأحكام الشرعية: أي الواجبات والمحرمات وغير ذلك، لابد من تعليمها وتوعيتهم بهذا المحور وهذا البعد.
الثالث/ القضايا الأخلاقية والاجتماعيات التي أدبنا بها أهل البيت (عليهم السلام)، فمدرسة أهل البيت لا تخرج عن هذه المحاور الثلاثة، ولو أن أنساناً استوعب هذه المحاور على حقيقتها وواقعيتها، حينئذ يكون ذلك الإنسان إنساناً كاملاً، والدليل على ذلك أن لكل بعد من أبعاد وجود الإنسان غذاءً خاصاً به، فلفكر الإنسان غذاء خاص به، ولأعضائه وجوارحه كذلك، وهي الواجبات التي يؤتى بها والمحرمات التي يجتنب عنها، وهناك بعد ثالث لوجود الإنسان وهو النفس، وهذه النفس يجب تهذيبها، والبعد الأخلاقي يتعلق بهذا الجانب، فإذا تمكن الإنسان من أن يصحح عقائده وفكره، ومن ثم يصحح أعماله ويطبقها وفق الموازين الشرعية، ويهذب أخلاقه حينئذ يكون إنسانا كاملا، بمعنى أنه يكون مستعداً لأن يرتقي ويصعد ويتقدم وأن يصل إلى المراتب المعنوية العالية.
س: وهل ما يطرح الآن من شبهات عقائدية وحوارات له تأثير ايجابي على مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ؟
ج: نعم، لأنه كلما طرحت هذه البحوث يفكر فيها أكثر ويشتغل فيها أهل الفكر ، فطبيعي أن المذهب يقوى يوماً فيوماً، والأطراف الأخرى تضعف، ولا يخفى عليكم أن المذاهب الأخرى في عصرنا هذا ليس لهم مطلب جديدٌ يطرحونه، وإنما يأخذون مطالب السابقين و يصوغونها صياغة جديد وكأنها مطالب جديدة، ولكن أهل العلم يعلمون وأهل الفضل مطلعون على أن هذه القضايا مطروحة من قبل وموجودة في كتبنا، والأمثلة على ذلك كثيرة.
س: هنالك شكوى من قلة المادة المترجمة الى اللغات الأجنبية فيما يخص مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فما هي أهم القضايا التي يجب التركيز عليها في هذا الصدد؟
ج: تعتبر قضية الإمام الحسين (عليه السلام) على رأسها، وذلك لما تتميز به من معرفة وشهرة، فضلا عن مضامينها الإنسانية والأخلاقية وغير ذلك، وقد ركز عليها علماؤنا وخطباؤنا منذ اليوم الأول، لذلك فإن تأثيرها أكثر، ولو أنها أخذت حيزها من الجهد والتعب من قبل الحوزات والفضلاء لآتت ثمارها دون أدنى شك، وبما أن القضية الأولى هي قضية الزهراء(عليها السلام)، ولذلك أنا دائماً أقول: إن قضية الزهراء (عليها السلام) هي الحد الفاصل بين الحق والباطل.
س: في وقتنا الراهن، من المسؤول عن النهوض بالواقع الثقافي العراقي؟
ج :أنا أيضا أتساءل مثلكم، هل هي الحوزة أم وزارة الثقافة أو التربية والتعليم أم المؤسسات المجتمعية الثقافية لان ما نشاهده الآن أن بعض الناس لا يميزون بين الحلال والحرام بالرغم من أنها أحكام شرعية، لذلك تجد عند اقل اختلاف بالرأي انه تحول الى مشادة كلامية تصل للسب والشتم وبنهاية المطاف تصل لإراقة الدماء، فيجب أن تكون هناك معالجة وأن لا تبقى هذه الأمور على هذا النحو.
وأما المشكلة الأخرى فهي وجود فراغ عقائدي استغلته بعض الجهات المعادية لأتباع أهل البيت(عليهم السلام) بترجمة بعض الكتب المنحرفة وتوزيعها بالمجان بين أوساط الشباب، والشاب فكره مهيأ لاستقبال أية شبهة أو فكرة عقائدية فنجده ينجر وراء هذه الكتب وتتلوث عقيدته، فمن المسؤول عن هذا أو من المتصدي لهذه المسألة الخطيرة، فلابد أن يصار الى عمل وأن يكون هناك دور فعال للمنبر وإكثار المجالس وانتخاب الخطباء الجيدين الذي عندهم إلمام عقائدي.
كذلك ينبغي على اتباع أهل البيت إعطاء الثقافة مقدارا من أوقاتهم كما كانوا في السابق وأنا اضرب لكم مثلا.. حيث أتذكر في كربلاء عندما كنت شابا سألت أحد الكاسبين من كبار السن وقلت له: ألاحظ عندك الماما بمقدار من الفقه والحديث وقصص الأنبياء فمن أين حصلت على هذه المعلومات؟ قال: نحن نعمل بمقدار ما نحتاجه من قوتنا اليومي ولا نفكر بغد فعند حصولنا على المقدار الكافي نغلق محلاتنا ونذهب للهيئات ونحضر المجالس وكان في صحن الإمام الحسين (عليه السلام) عدة محاضرات وكان هناك قراء للمنبر من فضلاء وعلماء جيدين وعلى مستوى عال من الثقافة.. اذن لو ركزنا على مسألة المجالس فنكون قد وفقنا لتقديم شيء يستفيد منه المجتمع.
وإن من جملة الأسئلة المتبادرة الى الذهن الآن هي.. أين ذهب أولئك الأفاضل؟ ولماذا عُدٍمَ الاهتمام بالمجالس؟ هل هي المعيشة أم التفكير بمسائل أخرى أم الاعتماد على التدريس الأكاديمي إن كان علميا أو جامعات إسلامية فينبغي أن يكون فيها مقدار قليل من تدريس الاصول وليس كما التدريس بالحوزة العلمية حيث يحصل الطالب على شتى علوم الحياة
كما أن هناك تساؤلا آخر هو أين دور المنتديات الثقافية من قبيل ما كان يعمله المظفر رحمه الله ولكن أتوقع بالأفق القريب - إن شاء الله- سيستعيد المثقف العراقي والثقافة العراقية عموما عافيتها والآن نرى بعض الأفاضل في حوزة النجف لهم مستقبل في تقديم شيء للمجتمع.
س: كلمة أخيرة توجهونها للشباب خاصة؟
ج: إن هذا المذهب هو المذهب الحق الذي جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبُذلت في سبيله الدماء وتحمل الأئمة (عليهم السلام) ما تحملوا في سبيل بقائه، وهذا المذهب لم يصل إلينا بشيء رخيص وسهولة ويسر، ولذلك فعلى الشباب أن يستوعبوه ويعوه جيدا، ولا يتأثروا بالشبهات التي تطرح على صعيد الشبكات والفضائيات وأمثال ذلك، ويجب عليهم دراسة هذا المذهب دراسة كاملة في جميع أبعاده، وعليهم أن يتحملوا المسؤولية اتجاهه كما تحملها آباؤهم، فينقلوا هذا المذهب إلى الجيل اللاحق ويؤدوا هذه الوظيفة بالأمانة الكاملة.
خاص موقع نون
حسين السلامي – يحيى حسن
أقرأ ايضاً
- تصل الى (29) تخصص في اربع فروع العتبة الحسينية: الاعدادية المهنية للبنات تدرس (5) اقسام الكترونية علمية
- تستقبل طلابها في العام المقبل :العتبة الحسينية تُشـّيد جامعة تقنية تضم معاهد واقسام نادرة في العراق
- بدعم كامل من العتبة الحسينية المقدسة اجراء (1701) عملية جراحية خاصة ضمن برنامج الاستقدام والاخلاء الطبي