حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ وهي دعوة لأرشفة التجربة الوطنية الناجحة تلك التي تأسست تلبيةً لفتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها اية الله السيد السيستاني في 13/ حزيران من العام الفائت (2014) اي بعد ثلاثة ايام فقط من اكتساح عصابات داعش لمدينة الموصل ام الربيعين (400 كم شمال العراق) وماتلاها من سقوط صلاح الدين والانبار وأجزاء من ديالى وهو واقع كان يُنبئ بان هذا الاكتساح كان مجرد مقدمة لابتلاع العراق كله ورأسَ رمح للاستيلاء على بغداد وبقية المدن المقدسة الاخرى وتنفيذا لإستراتيجية تنظيم داعش في الاتجاه المباشر للاستيلاء الكلي على الشطر الأهم (العراق) الذي يشكل شطرا من دولته المسماة بدولة "الخلافة" التي أسسها غداة احتلاله للموصل فيما تمثل سوريا الشطر الاخر من هذه "الدولة" وبعد ان تمركزَ في الجانب الشرقي من سوريا وعبر منه الى العراق بكسر الحدود التي لايعترف بها هذا التنظيم المتوحش تطبيقا لنظرية "كسر الحدود" التي تمثل احد اركان إستراتيجية التوسع والتمدد الداعشي بلحاظ ان العالم بأسره يكون مجالا حيويا لهذا التنظيم وهو مايحصل الان . وكما حظيت تجربة ثورة العشرين التي انطلقت بفعل فتوى الجهاد العيني التي اطلقها آية الله الشيخ محمد تقي الشيرازي بالكثير من الدراسات والبحوث وعلى توالي الحكومات العراقية وتعدد سياساتها ويبرز من تلك الدراسات الجزءان المهمان اللذان افردهما العلامة د. علي الوردي لثورة العشرين من كتابه الشهير (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) مسلطا الضوء على الجوانب السوسيولو ـ تاريخية التي رافقت هذه الثورة والنتائج التي تمخضت عنها وعلى اغلب تفاصيلها والى ان تم احتوائها من قبل الاحتلال البريطاني ومن ثم تأسيس الدولة العراقية الحديثة (التأسيس الدولتي العراقي الاول 921) بقيام نظام ملكي دستوري استمر حتى اندلاع ثورة تموز 58. وما احوجنا اليوم(توثيقا للأجيال المقبلة ولوضع الأمور في نصابها) الى موسوعة شاملة (انسكلوبيديا) تساهم في ارشفتها وتوثيق بنودها ومحاورها وبحوثها، نخب الانتلجنسيا العراقية ومراكز البحوث والدراسات الإستراتيجية فضلا عن الهيئات الأكاديمية واطاريح الدراسات العليا ووسائل الميديا والتواصل الاجتماعي بكافة انواعها ومتابعة مناسيب الراي العام واستطلاع الراي واصداء الحدث العراقي، تسلط فيها الضوء على ماهية الجهاد وأهميته في جوهر الفكر الفقهي الشيعي وكيف ولماذا ان الجهاد يمثل (اصلا) من الأصول الخمسة التي يقوم عليها هذا الفكر ودوره في اسطرة الميثولوجيا الشيعية والمخيال الشعبوي الشيعي، وما هي الأسس التي يعتمدها فقهاء الشيعة في إعلانهم للجهاد ولماذا لم تتكرر الدعوات للجهاد الا لمرات قليلة جدا تكاد ان تكون على عدد أصابع اليد الواحدة اذ من المعلوم أن المرجعية الدينية الشيعية تتأنى كثيراً وتتردد طويلاً قبل إصدار فتوى بالجهاد ولكن الظروف القاهرة قد تضطرها إلى إعلان الجهاد كحل أخير لمواجهة العدو المتربص بأرض المسلمين ومقدساتهم. وتسليط الضوء على الفرق مابين الجهاد العيني والجهاد الكفائي ولمَ اختار السيد السيستاني الجهاد الكفائي وبمَ يختلف مفهوم الجهاد بين المذاهب الاسلامية كدراسة اصولية / فقهية مقارنة مع الأخذ بنظر الاعتبار ان الظروف التي أحاطت بالعراق إبان اكتساح تنظيم داعش للعراق وانطلاق فتوى الجهاد الكفائي هي اخطر واكثر تعقيدا من الظروف التي ادت الى إطلاق فتوى الجهاد العيني إبان ثورة العشرين التي أُطلقت في خضم تشابك ظروف وملابسات إقليمية ودولية (بعد الحرب العالمية الاولى واحتلال العراق وتجربة سايكس بيكو) وهي اقل تعقيدا من ظروف وملابسات وتشابكات الظروف الإقليمية والدولية والمحلية لفتوى الجهاد الكفائي التي اُطلقت في ظرف كان فيه العراق على مفترق طرق بين ان يكون او لايكون بالوقوف بوجه مشروع لإزالة العراق من على الخارطة العالمية ضمن مخطط اقليمي سيا / طائفي تدميري واسع بعد ان استُنفدت جميع الوسائل الإرهابية الجزئية ضمن هذا المخطط فتم اللجوء الى مخطط شمولي اوسع هو أشبه بإعلان الحرب بعد ان كان هذا المخطط يبدو للوهلة الاولى كمحاولات "تجريبية" لتقويض التجربة الديمقراطية العراقية وهذا ما حدث طيلة عقد ونيف من بعد التغيير النيساني وحتى العاشر من حزيران الماضي . وتسلط الانسكلوبيديا الضوء ايضا حول فتوى الجهاد الكفائي كفكرة مجردة ولماذا افتى السيد السيستاني بوجوب الجهاد الكفائي وليس العيني مع العلم ان الواجب الكفائى قد يتحول لواجب عينى إذا لم يوجد إلا شخص واحد فقط فى مكان ما فيتحتم عليه شرعاً القيام في حين ان الكفائي يسقط عن البقية في حالة وجود من يقوم بالجهاد. ناهيك عن الأسباب التي دعت الحكومة العراقية الى مأسسة الحشد الشعبي وماهية الظروف التي تَشكّل بها الحشد بعد ان صار مؤسسة تابعة للقائد العام للقوات المسلحة فضلا عن توثيق الظروف والملابسات الإقليمية والدولية وحتى المحلية التي زامنت العمليات التي قام بها الحشد ناهيك عن الجهات(جميع الوان الطيف المجتمعي العراقي) التي لبت نداء المرجعية رغم انها مرجعية شيعية وكانت الفتوى كفائية ومن الواجب ايضا وتوثيقا للبطولات الملحمية لسرايا الحشد الشعبي (على اختلاف مشاربها وخلفياتها وانتماءاتها) توثيق اهم المعارك التي خاضها الحشد الشعبي في منازلات التحرير والتطهير وتوثيقها لتطلع عليها بقية الشعوب كتجربة عراقية وطنية خالصة انطلقت بعفوية وطنية رافقها اندفاع جماهيري هادر الى درجة عدم قدرة إمكانات الحكومة العراقية على استيعاب الأعداد المليونية التي لبت النداء وفي ظرف اقتصادي صعب يمكن ان يعد من اقسى الظروف الاقتصادية في تاريخ العراق الحديث بسبب تذبذب أسعار النفط في السوق العالمية وهو ما اثر بالتأكيد على مستوى تمويل وادامة المعركة ضد داعش وهي معركة مزدوجة سياسية / اعلامية / اقتصادية.. لقد ادرك السيد السيستاني دام ظله بنظرته الثاقبة مدى خطورة الإستراتيجية التي كانت تنوي عصابات داعش تفعيلها في العراق وخطورة الأجندات الإقليمية والدولية التي كانت تقف وراء هذه الهجمة الشرسة وان الامر لايتوقف عند حدود احتلال مدينة (الموصل) او بعض المدن الاخرى التي قد تكون موطئ قدم لداعش وان احتلال الموصل ليس انتصارا لحظويا او تكتيكا راهنا او هو مجرد أزمة طارئة سرعان ماتنجلي غبرتها، بل ان السيد السيستاني بإعلانه فتوى الجهاد الكفائي وليس العيني استشرف آفاق المستقبل المنظور والبعيد وأدرك وقبل ان تنجلي غبرة معركة سقوط الموصل بان داعش هو مخطط كبير اكبر من راهنية العاشر من حزيران ولحظويتها الصادمة بل هو مخطط اكبر من قدرات الأجهزة الأمنية العراقية ومنها الجيش العراقي الذي يعد فتيا قياسا الى الجيش السابق الذي حله بول بريمر، واكبر من قدرات الحكومة العراقية تجهيزا وتسليحا وحتى تدريبا، لذا كانت المرجعية مع الدعوات الدولية التي تريد الوقوف مع العراق ومساندته في القضاء على داعش ولكن دون المساس بالسيادة العراقية وليس في تحييد هذا التنظيم وتحجيمه اذ تريد الولايات المتحدة تطبيق إستراتيجية طويلة الأمد في القضاء على داعش وبما يخالف إستراتيجية العراق ومعظم دول التحالف الستيني المنضوي في الإستراتيجية الدولية للقضاء على داعش بالتعاون مع الحكومة العراقية وهي المعني الاول في هذه الإستراتيجية التي وضعت العراق في موقع الخط الاول في هذا القتال بل هو بحسب قول السيد العبادي ان العراق هو الدولة الوحيدة التي تقاتل الإرهاب على وجه الأرض ان لم يكن يقاتل الإرهاب نيابة عن العالم اجمع فالسيد السيستاني يعرف مديات القدرات الأمنية العراقية ومدى حاجتها الى ظهير قوي وليس بديلا عنها اذ أدرك مدى شراسة المعركة التي بدت انها ستكون معركة استنزاف طويلة الامد وقد جاءت فراسة السيد السيستاني في محلها.. والاهم الذي يجب ان تشير اليه الانسكلوبيديا ان السيد السيستاني وضع نصب عينيه ظروف العراق المادية والسياسية والاجتماعية ومدى مقبولية الفتوى في حال إصدارها وهي موجهة لكل العراقيين وليس لمقلديه من الشيعة فقط ولماذا وقّت السيد السيستاني فتواه بهذا الوقت 13 / حزيران ولم ينتظر اكثر او جاءت فتواه كرد فعل آني على الغزو الداعشي للعراق هذه وغيرها من الامور والقضايا التي يجب ان تسلط عليها الانسكلوبيديا الأضواء ومن ذلك ان الحشد الشعبي هو قوة عراقية هو ليس بمليشيات كما اشيع في وسائل الاعلام بل انه جاء بدوافع وطنية ويتحرك بهذه الدوافع ولم يكن في حسبانه التوجه بدوافع مذهبية، واستطاع ان ينال تأييدا دوليا كبيرا اضافة الى الولايات المتحدة كونه "الحل الجيد والواقعي لمحاربة داعش". كما انه بحسب خبراء أمنيين لم يخسر في أي معركة خاضها ضد داعش منذ ان تم تشكيله في حزيران 2014 ولغاية الان. فكان الحشد الشعبي الرقم الصعب الذي قلب معادلة التوازن الاستراتيجي في هذه المواجهة العسكرية لصالح الشعب العراقي.. ويبقى السؤال الاكثر واقعية ماذا لو لم يكن السيد السيستاني موجودا على قمة الهرم المرجعي الشيعي في النجف الاشرف ؟وماذا لو يطلق السيد السيستاني فتواه التاريخية المزلزلة والتي كانت الحدث النوعي المكافئ للحدث النوعي المتمثل بالهجمة الداعشية البربرية وبحسب الخبراء الإستراتيجيين ان هذه الفتوى قد جاءت في موعدها المحدد الضبط "ضربة معلم".. اعلامي وكاتب
أقرأ ايضاً
- اختلاف أسماء المدن والشوارع بين الرسمية والشعبية وطريقة معالجتها
- الثقة الشعبية بالمحكمة الاتحادية العليا
- أمة الحشد تنتصر