حجم النص
عباس عبد الرزاق الصباغ فتحت (عاصفة الحزم) الباب مشرعا على مصراعيه أمام شرق أوسط جديد ومختلف عن شرق أوسط سايكس ــ بيكو الكلاسيكي المتعارف عليه، فتحته على سياسة التمحور الطائفي بصيغة منظومة إقليمية واسعة وبتحالف عسكري سياسي يقوم على التدخل في شؤون الآخرين والتعامل معهم بأجندات سيا / طائفية مبيتة وفرض رؤى سياسية معينة تتسق مع السياسة العامة لهذا التحالف بعد ان كانت التمحورات تقوم بأجندات قومية او مناطقية او أيدلوجية ، ولكن ولأول مرة وبضوء اخضر من جامعة الدول العربية التي فشلت في وضع اي حل لجميع الأزمات العربية طيلة نصف قرن من عمرها وهي التي يحظر ميثاقها هكذا نشاط عدواني [المادة الثانية: 1- للشعوب كافة الحق في تقرير مصيرها والسيطرة على ثرواتها ومواردها ولها الحق في أن تقرر بحرية اختيار نمط نظامها السياسي وان تواصل بحرية تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.2- للشعوب الحق في العيش تحت ظل السيادة الوطنية والوحدة الترابية] كما لم تحظَ عاصفة الحزم السعودية بأي ضوء اخضر دولي فانطلقت بدون مظلة أممية وبما يخالف ميثاق الامم المتحدة نصا وروحا: [المادة 34 من البند السادس من الميثاق الدولي: لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي] فعاصفة الحزم تمثل انتهاكا قانونيا مزدوجا وصارخا لميثاقي جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، واغلب الأعضاء "العرب" العشرة المنضوين في تحالف عاصفة الحزم هم "أعضاء" منتمون في جامعة الدول العربية وهم ايضا اعضاء فاعلون في هيئة الامم المتحدة قد شنوا عدوانا عسكريا مع سبق الاصرار والترصد ضد دولة عربية مستقلة (اليمن) وهي عضو مؤسس في جامعة الدول العربية وعضو كامل العضوية في هيئة الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية التابعة لها وقد تكون اليمن المحطة الاولى في "تدشين" خارطة الشرق الاوسط الجديد والمختلف. وتأتي محاولة السعودية للعب دور اكبر من حجمها وقدراتها الجيو ستراتيجية في منطقة الشرق الاوسط كشرطي الخليج وفرض نفسها كندٍ قوي امام ايران بعد ان لعب شاه ايران رضا بهلوي (ت 1980) هذا الدور بحسب مقتضيات الحرب الباردة وهو ما يفسر تحفظ السعودية لبوادر انفراج ازمة ملفها النووي ونجاح مفاوضات لوزان بين ايران ودول (5+ ا) وهو انفراج تاريخي كان مرحّبا به من كافة الاطراف(باستثناء السعودية) بضمنها الولايات المتحدة نفسها فضلا عن دول المنطقة لانه يصب في صالح استقرار المنطقة، ومحاولة السعودية ايضا لجر البساط من تحت ايران في اليمن وضرب الجهات التي تساندها ايران وهم الحوثيون اعداء "الشرعية" بحسب سيناريو التلفيقات السعودية تمهيدا لابتلاع اليمن وبالتالي السيطرة على مضيق باب المندب الستراتيجي الحيوي والمؤثر بإطلالته في مجالها الجيو ستراتيجي والذي يشكل غلقه ازمة مالية كبيرة في الاسواق المالية العالمية وقد يشعل حربا عالمية ثالثة وايضا لتثبت ـ اي السعودية ـ بانها قادرة على خلق محور اقليمي واسع بقيادتها يقفز كقوة اقليمية مناوئة لايران (الهلال الشيعي مستقبلا وهو الهدف النهائي لعاصفة الحزم) من خلال تجييش الدول السائرة في ركابها كدول مجلس التعاون الخليجي ناهيك عن دول اخرى كانت تعد حديقة خلفية للسعودية كباكستان ذات الاقتصاد المتهالك ومصر ذات العمق العربي الاستراتيجي وتركيا الاخوانية والمغرب المتذبذبة ماعدا عُمان التي يبدو انها كسرت طوق "الشقيقة الكبرى". وتلِّوح السعودية في محاولاتها تلك بانها ومن خلال عاصفة الحزم(التي استهدفت البنى التحتية وجميع مرافق الدولة اليمنية) انها تريد تطويق ايران بطوق حديدي عسكري اقليمي يمتد من تركيا الى مصر وقص اجنحتها في الخليج لكن السعودية غابت عنها جملة حسابات منها: 1 انها تحولت من "شقيقة" كبرى ولاعب استراتيجي مهم في المنطقة الى لاعب يمني داخلي وبيدق من بيادق الاصطراع الاهلي اليمني بالحرب بالنيابة لفصائل يمنية موالية لها ولكن باجندات طائفية واضحة ومكشوفة 2 مايعني انها قد تدفع الثمن غاليا في مآلات ذلك الاصطراع وتقلباته في دولة لم تشهد استقرارا سياسيا او اجتماعيا او طائفيا منذ عقود وسيمتد اليها هذا اللااستقرار حتما بعد ان تورطت في الانزلاق فيه 3 قد يترك التدخل السعودي في اليمن اثرا سلبيا على الواقع الداخلي فيها لوجود أقلية شيعية كبيرة في المنطقة الشرقية من السعودية وقد لايقفون مكتوفي الايدي وهم يرون بني جلدتهم في اليمن تحت مطرقة حرب وحشية تقودها السعودية دون مبرر أخلاقي او سياسي او حتى غطاء دولي 4 تماس الحدود السعودية مع اليمن كمحافظة صعدة مثلا واحتمال عبور ردات فعل اليمنيين الثأرية والمسلحة اليها عبر الحدود المشتركة مع اليمن5 لم يتضمن سيناريو عاصفة الحزم اي مشروع دولتي او انساني لليمن التي قد تتحول تدريجيا الى صومال اخر او سوريا ثانية بانتشار العصابات الاجرامية المسلحة او استقواء تنظيم القاعدة او داعش من خلال استغلال ظروف الحرب وخروج عملية عاصفة الحزم عن "أهدافها" المرسومة لها 6 قد يخرج الصراع الداخلي اليمني من حدوده الاقليمية الى رحاب التدويل او دخول لاعبين إقليميين او دوليين جدد في هذا الصراع لم يكونوا في الحسبان مايجعل السعودية في زاوية ضيقة وقد تجد نفسها انها لوحدها في هذه اللعبة وربما يدين مجلس الامن التصرف السعودي ويجرّمه بقرار اممي ملزم، وبالجملة فان السعودية قد تضع نفسها تحت رحمة جملة مفاجآت وعرة وشائكة لن تكون في صالحها، اهمها رد فعل الحوثيين انفسهم او من قبل شيعة المنطقة الشرقية السعوديين انفسهم او من قبل المجتمع الدولي او من قبل ايران التي قد تجد نفسها امام حرب دفاعية اخرى على غرار حرب الخليج الاولى التي أشعلها نظام صدام حسين ما يضع المنطقة برمتها على كف عفريت. اعلامي وكاتب
أقرأ ايضاً
- كيف ستتأثر منطقة الشرق الاوسط بعد الانتخابات الرئاسية في ايران؟
- ثقافة تقبّل الآخر المختلف
- الشرق الأوسط الجديد