حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ تبددت آمال السوريين التي لم تكن معقودة اصلا على جنيف 2 لإيجاد بصيص ما في نهاية النفق لبلد ينزلق بخُطى متسارعة نحو الصوملة والافغنة واضمحلال الحلول المعقولة او البدائل المقبولة او الحسم العسكري وضمور الخيارات الجانحة نحو تسوية سياسية سلمية..جنيف 2 الذي عُقد لتطبيق بنود جنيف1بتشكيل "سلطة" انتقالية بكامل صلاحياتها التنفيذية وبدون الاسد اذ بعد مخاض عسير من قبل جهات دولية وإقليمية عديدة لإقناع أطراف النزاع في سوريا لحضور هذا المؤتمر والجلوس الى طاولة واحدة والدخول في مفاوضات قد تُفضي الى تسوية ما لإنهاء الصراع ووقف إراقة الدماء وقد تحقق هذا "الجلوس" وسط سقوف متدنية من التفاؤل لان مايجري على الأرض السورية لايدعو الى أي تفاؤل بالنجاح مع سقوف عالية جدا من المطالب والخطوط الحمر واللاءات والاشتراطات التي لاتؤدي الى أي درجة للتفاهم او التوصل الى حل سياسي وهو الهدف المعلن للمؤتمر بحسب الجهات الراعية والمنظمة والحاضرة مايمثل اربعين دولة ومنظمة يأتي في مقدمتها الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي فضلا عن عرابتي المؤتمر الرئيسيتين الولايات المتحدة، وروسيا يُضاف اليهما الصين وبريطانيا وفرنسا والسعودية وبإقصاء احد اهم الفاعلين الأساسيين في الأزمة السورية وهي ايران التي أقصيت بسيناريو دراماتيكي مقصود وبـ "طلب" من وفد المعارضة السورية(المنقسمة على نفسها) الذي اشترط حضوره بغياب ايران كونها حسب رؤيته لاعبا مؤثرا في مصلحة النظام واحد اللاعبين السلبيين في المشهد السوري ولم يتطرق الى تأثير لاعبين إقليميين آخرين لهم تأثير أكثر سلبية في رقعة الشطرنج السورية، وهو مايشكل انحيازا واضحا ضد نظام الأسد فيما أوجز وفد الحكومة السورية رؤيته في مسالتين رئيسيتين ؛ الاولى ان الصراع في سوريا هو صراع حكومة ضد فصائل إرهابية ذات توجه طائفي مدعوم من جهات إقليمية مكشوفة الايدولوجيا والتأثير وليس صراعا ضد "معارضة" مطالبا المجتمع الدولي بالتكاتف مع الحكومة السورية في هذا المسعى،والثانية وهي ان الاسد خط احمر ولاتفاوض حول رحيله او بقائه وهي مسألة تخص السوريين وحدهم ناسفا بذلك مقررات جنيف 1 التي تؤكد على تشكيل سلطة انتقالية بكافة صلاحياتها والغاية من جنيف 2 الذي يؤكد على تطبيق ذلك فضلا عن إقصاء الاسد نهائيا وهو ما يرفضه وفد الحكومة جملة وتفصيلا. يتضح مما تقدم ان كلا الوفدين لهما خطوط حمر لايستطيعان تجاوزها ولهما سيناريوهات بخطوات عريضة واملاءات اقليمية ودولية لايمكنهما العبور فوقها فكلاهما مكبل الإرادة،ولايعكس هذا التشنج طبيعة الصراع على الأرض فقط بل يعكس طبيعة التأثيرات والمؤثرات الإقليمية والدولية الجلية للعيان وطبيعة تحريك او تسكين المواقف والرؤى والأجندات ضمن مناكفات سياسية تغلفها احترابات مسلحة ولهذا فلم يتحقق الحد الادنى من النتائج المرجوة من هذا المؤتمر وهو ماكان متوقعا لجميع الأطراف وحتى ان حضور "المعارضة" الجزئي لم يكن بحد ذاته "نتيجة" إستراتيجية او تكتيكية مهمة لسببين الاول ان هذا الوفد لم يكن يمثل جميع الفصائل المناوئة للحكومة والثاني ان تسمية "المعارضة" حسب المفهوم الراديكالي والثوري الحماسي لها لاينطبق على الكثير من الفصائل المحاربة فأكثرها تنظيمات إرهابية سرقت الثورة وأهدافها الحقيقية من الفصائل التي أشعلت فتيل الثورة الشعبية ضد نظام الاسد الديكتاتوري الفاشسيتي، فوفد النظام يعتبر رأس هذا النظام خطا احمر بينما وفد المعارضة يعتبر بقاء رأس النظام خطا احمر، اما جوهر جنيف 1 و 2 المتعلق بتشكيل حكومة انتقالية بكافة صلاحياتها التنفيذية فبقي مطلبا عسيرا او مستحيل التنفيذ وسط تكهنات مرعبة حول عدم إمكانية حسم الصراع عسكريا على الأرض مع احتمالية فرضية التقسيم الجغرافي والمناطقي والمذهبي والقومي لسوريا وفرض "سايكس بيكو" محلية كواقع حال، إلا اذا تخلت مصالح الدول الكبرى وقلبت موازين هذا الصراع وغيرت الخارطة الجيبولوتيكية السورية بإعادة إنتاج خلطة سورية وفق المقاسات اللبنانية "اللبننة" او تقسم سوريا الى دويلات حسب مايرتئيه اللاعبون وسط هذه المخاوف والتصورات والافتراضات المرعبة سورياً واقليميا وحتى دوليا وتشابك الخطوط الحمر انتهى جنيف 2 بآليات هشة وتجاذبات وتخندقات اقليمية ودولية مؤثرة على مقاربات الصراع السوري ـ السوري الذي هو إحدى واجهات صراع اقليمي ـ اقليمي او دولي ـ دولي وكان بحق مؤتمر الفرص المهدورة او المضاعة او "المضيَّعة" من جميع الأطراف سواء الراعية او طرفا الصراع،والخاسر الوحيد في هذه اللعبة هو الشعب السوري الذي ليس له ناقة او جمل في هذا الصراع سوى ان يدفع الثمن باهظا(اكثر من 6 ملايين نازح / اكثر من 100 الف قتيل / تخريب البنى التحتية) ولم تكن الفواعل الرئيسية في هذا المؤتمر جادة في رسم خارطة طريق لحلحلة الأوضاع باتجاه تسوية سياسية ـ سلمية او مخرج يوقف نزيف الدم والدمار الهائل الذي لحق بسوريا شعبا ومرتكزات وبنى تحتية وقد غفلت او تغافلت ان النظام السوري له ما يؤيده على الساحة السورية وقد أسس على مدى أربعة عقود مؤسسات وقواعد ومليشيات ولايمكن التغاضي عن هذه الحقائق او الطلب بمحوها بجرة قلم، فالنظام أهدر فرصة تاريخية قد لاتتكرر في تقديم شيء من التنازلات وإبداء شيء من المرونة ولهذا لم تلق الدعوة التي وُصفت باليتيمة التي وجهها وزير الخارجية السوري بـ"التركيز" على مكافحة الإرهاب الذي يدعي بان حكومة بلاده تكافحه على الارض من خلال محاربتها للفصائل الإرهابية المسلحة ولم تبدِ الحكومة السورية ليونة ولم تضع مصلحة شعبها في الحسبان او طلبت مساعدة دولية او أممية في هذا المسعى مقابل تسليمها السلطة سلميا اي انها تتخلى عن السلطة مقابل جهد اممي في مكافحة الارهاب وتشكيل حكومة انتقالية او منتخبة وبرعاية أممية ايضا، في المقابل ان وفد المعارضة لم يكن حريصا على شعبه الذي يدعي بأنه يقاتل من اجله فهو بذات المستوى المناكف لوفد الحكومة باشتراطه عدم حضور إيران للمؤتمر لأسباب طائفية مكشوفة ولذات الأسباب كشف عن اصطفافه مع المحور الخليجي ـ التركي الفرنسي ـ البريطاني الداعم لسقوط الاسد وعدم تقديم أية تنازلات باتجاه الحل السياسي بإصراره على رحيل الاسد فخسرت المعارضة فرصتها هي الاخرى. اللاعبون الكبار من جانبهم (الولايات المتحدة روسيا الصين فرنسا بريطانيا السعودية تركيا) لم يضغطوا على طرفي النزاع لأنهم لم يكونوا جادين اصلا في حسم الصراع سياسيا رغم معرفتهم المسبقة ان هذا الصراع السيا/ طائفي والعمليات الارهابية التكفيرية التي تقوم بها اغلب فصائل "المعارضة" ممكن ان يتمدد عبر تخوم الشرق الاوسط كله ولايقتصر على الساحة السورية فقط باتجاه العراق ولبنان وإسرائيل ومصر وحتى تركيا وحتى دول المجموعة الأوربية التي بدأت "تصدِّر" الإرهابيين الى الساحة السورية، وتكمن عدم جدية الولايات المتحدة في حسم هذا الصراع سياسيا في جعل الساحة السورية بؤرة تتركز فيها المجاميع السلفية والتكفيرية والإرهابية ليتم تصفيتها بواسطة الحكومة السورية ومن ثم إعادة ترتيب البيت السوري اما غاية روسيا فتتمثل في حضورها القوي والفاعل في هذه اللعبة لتمركز قوتها في الشرق الاوسط عبر سوريا واستمرار حجة تواجدها في المياه الدافئة وهو حلم سوفياتي قديم يحاول الروس بعثه من جديد وفد منحت الاحداث السورية دفعا جديدا لهذا الحلم اما بقية اللاعبين فلاتُخفى مآربهم السيا /طائفية (السعودية، قطر، تركيا وغيرها). إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / 2
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة / 2
- عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الحادِية عشَرَة (20)