- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أيها الأعزاء : اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ
حجم النص
بقلم:حسن كاظم الفتال لكل مروجي ثقافة إلغاء وإقصاء وتهميش الآخرين وتغييبهم وإزاحتهم عن طرقاتهم بسحقهم بأخامص أقدام الهيمنة والنفوذ الممنوح بغير شرعية وغرور الجبروت.لكل مؤيديهم وداعميهم والمستجيبين لهم استجابة عمياء دون التحقق من النوايا. لكل المتسللين خلسة إلى مكاتب السلاطين والأمراء تحت جنح ظلام السهو والغفلة ليهمسوا بآذانهم بعد تقبيل الأيادي ولثمها لثما شديدا همسا بغيضا مقيتا طالبين منهم قطع أرزاق خصومهم قبل قطع أعناقهم. لهؤلاء نقول: سلاما ألم تقرؤوا قول الله تعالى ؟: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) أذكر أنني شاهدت كما شاهد الكثيرون مقطعا فديويا يظهر فيه مدير الأمن العام للانظام السابق وهو يحاسب أحد ضباط الأمن بمحضر جمع كبير من ضباط الأمن. وليس فينا من يجهل ما يجب أن يتحلى به الشخص وما هي المواصفات التي ينبغي أن يتصف بها أو المؤهلات التي يفترض أن يحملها لتؤهله لأن يكون عنصرا ناجحا أو ضابطا لأمن النظام آنذاك ولعل من أبرز المواصفات أو المؤهلات: • أن يكون بعثيا مؤمنا إيمانا قاطعا بأهداف الحزب والثورة وقد مضى على انتمائه للحزب فترة طويلة • يتعهد بتخليه عن كل القيم والمبادئ التي تفرضها عليه إنسانيته أو البيئة التي يعيشها • يكون جاهزا تمام الجهوزية وحريصا على محاربة كل أعداء الثورة والحزب بمفهوم الأخير وبوجهة نظره • أن يكون حريصا كل الحرص للقضاء على كل الخونة حملة الأفكار المناوئة للحزب والثورة • على أن لا يتقاعس أو يتوانى بأي عمل أو مهمة يكلف بها مهما كان الثمن الذي سيدفعه • أن يجمع كل ذلك وسواه بتطبيق مقولة سيده: (اطرقوا كل باب قبل أن يطرق من وراء الأبواب بابكم) هذا ملخص ما ينبغي أن يتصف به ضابط الأمن. وعندما يكون هكذا فلا يتيسر على أي كان أن يطيح به إلا بالصاق تهمة تحوله من صفته كأداة طيعة للنظام إلى صفة المناوئين الذين ينبغي أن يكون هو أول المحاربين لهم. فهو من مهامه أن يحارب المتدينين خصوصا الملتزمين بأداء الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر أولئك المصلون الذين يحسبهم النظام أعداء له. فحين يثبت أن عنصر الأمن متدين فلابد أن يصطف بصف المعادين للنظام وعند ذاك ينال جزاءه العادل المحتوم. فما شاهدته في ذلك الفلم أن أحد ضباط الأمن يحاول مسؤوله المباشر أن يلصق به تهمة لا يسهل عليه الانفلات منها. ويبدو أن هذا المسؤول قد عجز كثيرا في سعيه ومحاولاته عن إيجاد وسيلة مناسبة للإطاحة بهذا الشخص فأرشده مكره ودهاؤه إلى أقصر سبيل للوصول لما يسعى إليه وهو الإطاحة بهذا الشخص. وبما أن التدين والالتزام بالصلاة كان يعد أكبر جريمة يرتكبها قسم الناس تستحق العقاب الصارم فليس أفضل ولا أسهل من إلصاق تهمة التدين بمن يراد الإطاحة به. لذا يظهر في الفلم أحد المسؤولين يوجه تهمة التدين إلى أحد الضباط بمحضر مدير الأمن والجمع من الضباط فيقول: سيدي: هذا يؤذن في الجامع القريب من الدائرة ويؤدي الصلاة فيبادر المدير بتوجيه سؤال مباشر تفوح منه رائحة النية بالانتقام الشديد ولعله من أصعب الأسئلة التي توجه إلى أي شخص فيقول: أنت ضابط أمن لو مؤذن ؟ (سختچي)..! وهذه الـ (سختچي) طبعا ليست مفردة عربية وهي قرينة مفردة الـ (الكلاوچي) وذلك المسؤول لا يعلم ذلك. فإن مشاهدة مثل هذا المشهد يعيد للذاكرة أمورا كثيرة. ولعله يجدد الأحزان أو يثير الشجون. إذ سرعان ما تتبادر إلى الذهن عودة صور المآسي والآلام وكلما تجرع الناس وكيف قادت هذه العبارات وغيرها الكثير من الناس إلى أعواد المشانق أو على أقل تقدير إلى قعر السجون وقضاء بقية سنين العمر فيها دون أي ذنب سوى اتهام باطل من عدو أثيم أو متزلف للسلطة أو من حاقد أو حاسد يريد إزالة المحقود عليه أو المحسود أو أي خصم عن طريقه. ليس فينا من لا تختزن ذاكرته أشهر عنوانين لتهمتين باطلتين كانتا توجهان بحكمة وحبكة متقنة وبكماشة محكمة إلى من نرغب أن نبعثه إلى العالم الآخر دون أي نقاش أو جدال. هاتان التهمتان تتمثلان بعبارتي (خميني) أو (حزب الدعوة) أي أن الشخص إما أنه يؤيد فكر الإمام الخميني قدس سره ويعد مناوئا خطيرا للحزب والثورة ويصطف بصف المحاربين أو أنه ينتمي إلى حزب الدعوة المحظور والذي كان يعده النظام من أبرز واخطر وألد أعدائه. وهاتان العبارتان (خميني) أو(حزب الدعوة) كفيلتان بإرسال الفرد إلى المصير المجهول. وثمة عبارة لعلها ليست أقل قسوة من العبارتين السالفتين وهي التي يمكن أن تذهب بالملصقة به إلى مصير ما هو بأفضل مما سبق وهي عبارة: (ليس على خط الحزب والثورة) ولعلها أسرع من سواها من التهم والجرائم في تحقيق الهدف والتنفيذ في بعض الأحيان لأنها تجمع كل شيء بمنطوقها و مضمونها ومقصودها. لقد اعتمد مجتمعنا منظومة شعاراتية ربما سادت الكثير من المجتمعات وقد أسست المنظومة ثقافة سادت وأخذت الكثير من الأثر في انتشارها وبمرور الزمن راحت تخضع لفبركة بلورها مروجو ثقافة رفع الشعارات وتزويقها. وهؤلاء يتهمهم الناس بأنهم أبرموهم بكثرة كلامهم في هذه الأيام إذ أنهم رفعوا الشعارات وتحدثوا فيها وعنها الكثير ولكن دون جدوى ودون أي تطبيق أو أي مصداقية مثلما دون أي خجل ووجل. ويرى الآخرون أو ربما حتى رافعو الشعارات بأنها زائفة ومزيفة وأن معظم تلك الشعارات القديمة استُهلِكَت واستَهلَكت أصحابها وكم من متحدث برز بيننا متمظهرا بشعارات حديثة لفظية تملأ الأفواه يرمي رافعها تحقيق مأربه فاستبدل ما مضى منها بأخرى تختلف بالمنطوق واللفظ لكنها مشابهة بالمضمون والجوهر للسابقات وتتساوى في الإفراغ من أي محتوى صادق وصحيح هذا ما أنتج ظاهرة راحت تتمظهر فيها شرائح معينة إذ نستمع إلى المتندرين الذين يصفون بسخرية أساليب الاستبدال فمثلا: من المشهور أن كلمة (رفيقي) قد استبدلت بكلمة مولاي وكلمة (سيدي) بكلمة شيخنا أو سيدنا الجليل وسماحة وفضيلة وجناب والأقلام إلى خواتم وغير ذلك وأنا شخصيا سمعت هذا الوصف من بعض رجال الدين أنفسهم ومن على المنابر فإني لم آت بجديد. إلا أني أتساءل: ألا يشكل ذلك خطورة كبيرة على مسار حياة المدافعين بقوة عن شرفية المرحلة التي نعيشها ؟. ومن أجل أن نضع للإنصاف موقعا في الحديث والتعريف نقول: ليس كل الشعارات التي يرفعها أصحابها زائفة وباطلة إنما الأغلب يبدو هكذا وهذا ما أرشدنا إليه الوقوف على بعض التجارب والمنظار إلى التطبيق ومشاهدة ما لا يحمل إلا البريق واللمعان السرابي الخادع من أجل إن لم نقل إغراء الآخرين فنقول إقناعهم. كم تتطلب عملية الإقناع إلى قدر كبير من الحرفية والمهنية والفنية والى لباقة وبراعة فائقة. هذه البراعة واللباقة تحلى بها قسم لا بأس به من المتنفذين في هذا الزمن وأصبح أكثر امتيازا من سواه في إتقان مثل هذه العملية فإن استحواذه على أي منصب والتصاقه بكرسي المسؤولية منحه الحق في أن يتخصص في أجادة عملية استبدال الشعارات وترشيقها وتزويقها ببراعة أكثر من سواه. ومن الطريف أن نجد الكثير من المستبدلين يعدون أنفسهم من المتضررين من الحكم الجائر المستبد ويبدو أنهم اكتسبوا خبرة كبيرة من الفترة المظلمة خصوصا أولئك الذين يدعون بأن هذه الأساليب قد مورست ضدهم وذاقوا مرارتها. فبدلا من أن يحاربوا الظلم درسوا فن محاربة خصومهم بالظلم نفسه فأجادوا إجادة تامة عملية الإستبدالات المنطقية والجوهرية والمقصود منها الإقصاء والتهميش والإلغاء والتغييب وغير ذلك. فإن تهمة (خميني) أو(حزب الدعوة) تحولت إلى عبارات أخرى لنا أن نترفع عن ذكرها أما العبارة الأبرز والأكثر خطورة والتي كما قلت تجمع كل ما يسهل الإطاحة بالفرد عبارة: (ليس على خط الحزب والثورة) استبدلها هؤلاء بعبارة (ليس على خط المرجعية). وليس بالضرورة أن نقصد هنا المرجعية الدينية. إنما ما ترجع إليها المؤسسة التي يعمل بها الفرد التي توجه له التهمة. ولعل هذه العبارة هي الطريق الأقصر لإزاحة أي عنيد من قائمة الخصوم والمنافسين والمناوئين إحدى عشر عاما مضت على حذف عبارة (الولاء للحزب والثورة) من قاموس حياتنا. ترى هذه الفترة الم تكن كافية لاكتشاف ولاء الموالين ومن هو مع أو عكس الإتجاه والتوجه وفهم ما تتطلبه سياسة المؤسسة التي يعمل بها والسير على خطها ؟ أم أن الرغبة في الإنتقام عن طريق الإتهام بـ (اللا مولاة) هو الطريق الأقصر للوصول إلى الغايات لذا سلكناه ؟
أقرأ ايضاً
- أيها النواب.. الدولار يلاحقكم
- أيها النواب.. الدولار يلاحقكم
- تداعيات الإعتداء على الصحفيين في كربلاء.. ما هكذا أيها السادة !