حجم النص
بقلم :نـــــــــــــــزار حيدر
قبل ثلاث سنوات تقريبا استضافتني مجموعة من ضحايا الانتفاضة الشعبانية المباركة من سجناء (رفحاء) لحضور مؤتمرهم الذي عقدوه في ولاية ميشيغن للتخطيط لانتزاع حقوقهم الدستورية من مؤسسات الدولة العراقية، فالقيت كلمة صدرتها بقول الامام علي (ع) {ما ضاع حق وراءه مطالب} وها هو الحق الانساني والوطني والدستوري الطبيعي يعود الى سجناء رفحاء، بعد عمل شاق ومضن شارك فيه كل المخلصين لتضحيات المجاهدين، على الرغم من تأخر دام اكثر من عشرة اعوام.
قول الامام الانف الذكر يشير الى عدة حقائق في غاية الاهمية، وهي تتعلق بالانسان في كل زمان ومكان ولا يخص الحال في العراق او في غيره، هذه الحقائق هي:
اولا: ان الحق لا يقدمه احد لاحد على طبق من ذهب ابدا، فاشرف المسؤولين والزعماء والحكام قد لا يسرقك او لا يعتدي على حقوقك، ولكنه لا يهبها لك طواعية وبالمجان ابدا، ما لم تبادر للمطالبة بها.
ثانيا: ان الحق يضيع اذا لم يطالب به احد، مهما كان نوع الحق وعظمته ومهما كان صاحبه وهويته.
ثالثا: والمطالبة بالحقوق قد تطول وقد تقصر لحين تحقيق الغرض منها، فهذا امر يتوقف على نوعية المطالبة وقوة او ضعف المطالب بالحق، وقوة او ضعف الوسائل التي ينتهجها، الا ان المحصلة يصفها قول اخر للامام بقوله {لاَ يَعْدَمُ الصَّبُورُ الظَّفَرَ وَإِنْ طَالَ بِهِ الزَّمَانُ} او قوله {مَنْ طَلَبَ شَيْئاً نَالَهُ أَوْ بَعْضَهُ}.
الان وقد حقق المظلومون من ضحايا الانتفاضة المباركة مرادهم، فانتزعوا حقوقهم من (نوابهم) في مجلس النواب العراقي، ماذا يمكن ان نستفيد من هذه التجربة؟.
ابتداءا، يجب ان نعلم جميعا، وتحديدا ضحايا الانتفاضة، انهم انتزعوا، بالتشريع الجديد، حقا من حقوقهم، فهو ليس منة ولا منحة ولا هبة ولا مكرمة من احد ابدا، فليحذروا ان يشتريهم احد كلما قدم لهم حقا.
ان على العراقيين ان يحذروا المزايدات السياسية التي ستتسابق اليها مختلف الاطراف السياسية، والكتل البرلمانية، في محاولة لتوظيف التشريع لصالح اجندات حزبية او كتلوية ولصالح دعايات انتخابية رخيصة، بل على العكس فاننا نحملهم مسؤولية كل هذا التاخير في تشريع الحق، فكم من ضحايا الانتفاضة قضوا نحبهم في السنوات العشر الماضية، من دون ان يستفيدوا من حقوقهم شيئا؟.
اما الدروس فهي كالتالي:
الف: ان من كان يقول ان المطالبة بالحقوق (ميفيد) كان واهم وهو على خطا، فالاصرار على انتزاع الحق من الدولة امر في غاية الاهمية وهو يفيد ومفيد جدا جدا، والامر بحاجة الى الصبر والمثابرة ليس الا.
باء: لا تتحدث عن حقوقك مع نفسك، وانما اجهر بها، بالاعلام والدبلوماسية والعلاقات العامة وبكل الطرق السلمية والعقلانية، ففضاء الحق واسع جدا، بحاجة الى من يكتشف طرقه وسبله ومفاتيحه.
لقد شرع القرآن الكريم للانسان الحق بالجهر بالسوء اذا كان مظلوما حتى ينتزع حقه من ظالمه، فقال تعالى {لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} فللمظلوم الحق في ان يصرخ باعلى صوته بمظلوميته حتى ينتزع حقه من المعني بالامر، ظالما كان ام مشرعا ام مسؤولا، ومن حسن الحظ فان التكنلوجيا اليوم وضعت العالم بين يدي المظلوم، فليس لاحد، مهما طغى وتجبر وتفرعن، ان يكمم الافواه ويمنع صدى الصرخة او يقطع اسلاك الكهرباء والاتصال عن المظلوم ليمنع صراخه.
واذا كنا فيما مضى بحاجة الى ان نقطع المسافات، مثلا، لنرفع شكوى ضد هذا المسؤول او ذاك الزعيم، فان وسائل الاتصال الجمعي وضعت اليوم مجلس النواب ومجلس الوزراء وكل مؤسسات الدولة العراقية على راحة يد المظلوم، يمكنه ان يقول ما يشاء دفاعا عن حقوقه الدستورية، وليكن شعار المظلومين قول امير المؤمنين (ع) {لاَ يُعَابُ الْمَرْءُ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ، إِنَّمَا يُعَابُ مَنْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ}.
جيم: لقد ثبت بالتجربة ان عملية انتزاع الحقوق تكون اسهل وايسر واسرع كلما تكتل المظلومون ونسقوا جهدهم الاعلامي والدبلوماسي والسياسي، فاليد الواحدة لا تصفق، واذا صفقت فلا يصل صداها الى من يهمه الامر، ولذلك فليتكتل المظلومون وهم يطالبون بحقوقهم الدستورية، كل حسب نوعية الظلامة.
تعالوا ايها العراقيون، اذن، نتكتل من اجل انتزاع حقوقنا، فنتشكل بفرق عمل في كل مناطق العراق وحول العالم، نتبادل الخبرة والتجربة ونتعاون على البر والتقوى بما يخدم بلدنا وشعبنا.
واذا كان ضحايا الانتفاضة المباركة قد تكتلوا فانتزعوا حقوقهم، فان على بقية شرائح المجتمع العراقي ان تتكتل مع بعضها، كل كتلة تطالب بحقها، ولا ننسى ان نترك مجالا يفترض ان يكون هو الاوسع من بين كل التكتلات لانتزاع الحقوق العامة، فالعراقيون اليوم يستحقون حياة افضل وظروفا معيشية وخدمية وتعليمية وصحية وبيئية افضل بكثير مما هم عليه اليوم، وهذا يتطلب تكتلهم كاليد الواحدة وتحديد اولوياتهم ورسم السياسات العامة وخارطة العمل والتحرك بشكل سليم، لينتزعوا حقوقا استراتيجية، والتي تكبر معنا.
صحيح ان حقوق ضحايا الانتفاضة، امر مهم، وان المطالبة بالغاء تقاعد المسؤولين هو الاخر امر مهم، يستحق التظاهر والاعتصام والتحرك، ولكن تبقى مثل هذه الحقوق صغيرة مقابل الحقوق الاستراتيجية التي تهم كل العراق كبلد وكخيرات وكل العراقيين كشعب ضحى من اجل حاضر ومستقبل افضل.
ولعل من ابرز هذه الحقوق الاستراتيجية هو ان يكون للعراقيين حكومة قوية قادرة على حمايتهم من الارهاب ومن دول الجوار التي تسعى بكل ما اوتيت من مكر وخديعة لتدمير العملية السياسية.
ان من حقهم ان تكون لهم حكومة قوية منسجمة قادرة على تحقيق برنامجها الحكومي ضمن الخطط المرسومة لها، وليس حكومة هزيلة شاحبة اللون لا تقدر على حماية السجون فيفلت منها عتاة الارهابيين ممن حكم عليه بالاعدام اكثر من مرة لارتكابه جرائم بشعة بحق العراقيين، ليعودوا الى حواضنهم الدافئة ليمارسوا دور القتل والتدمير مرة اخرى، حكومة تحمي المال العام ولا تسرقه، وتحمي القانون ولا تعتدي عليه وتحمي حقوق المواطن ولا تتجاوز عليها، وتحمي الحريات الشخصية من عبث العابثين.
كذلك فان من حق العراقيين ان يكون لهم برلمان محترم قادر على اداء الدورين الدستوريين المناطين به بكل كفاءة ومسؤولية، الا وهما التشريع والرقابة، فان من حقهم ان لا يمثلهم نواب امعات لا طعم لهم ولا لون ولا رائحة الا رائحة اللصوصية والفشل.
كما ان من حقهم ان يكون لهم سلطة قضائية مستقلة، تقف على مسافة واحدة من كل العراقيين، سياسيين وغير سياسيين، فلا يؤثر على سير عملها مسؤول، ولا يبتزها آخر، فقوة الديمقراطية بقضاء قوي مستقل.
هذه بعض الحقوق الاستراتيجية التي يجب ان يتكتل العراقيون لتحقيقها كهم وطني وليس هما فئويا.
[email protected]
أقرأ ايضاً
- الصيد الجائر للأسماك
- ضمانات عقد بيع المباني قيد الإنشاء
- إدمان المخدرات من أسباب التفريق القضائي للضرر