حجم النص
بقلم :عباس عبد الرزاق الصباغ
يكاد ان يغيب عن الأفق السياسي/ السوسيولوجي للشرق الأوسط الخط البياني لثقافة الوسطية والاعتدال ومبدأ تقبل الآخر المختلف او المناوئ وسط تنامي وانتعاش تيارات متناحرة واتجاهات متطرفة ومتشنجة ومتحنطة أيدلوجيا تتمسح بلبوس الدين وتتقوقع داخل إطار الإسلام السياسي للوصول الى غايات بعيدة المرام ابعد بكثير من مدى "تطبيق" الشريعة و"الحفاظ" على الدين والمذهب وليس التطرف الديني المبني على دوغمائيات عقائدية وأيدلوجية سلفية متحجرة هو الذي يحاول ان يتسيد فحسب وإنما هناك التطرف السياسي والحزبي او السياسي الديني (الأخوان المسلمون أنموذجا) فضلا عن العقائدي ما يشي بالانقسام العمودي في البنى المجتمعية من جهة ومن جهة أخرى يؤدي التطرف الى الانفصام العقائدي والاحتراب المذهبي وتقسيم المجتمعات التي تقوم على تعايش هش وسلم أهلي نسبي الى كانتونات متخندقة يسهُل تمزيقها والسيطرة عليها والعبث بمقدراتها وثرواتها فضلا عن ان الاختلاف في الأمور السياسية بدأ يأخذ صفة التناحر الحزبي ذي الايدولوجيا المسلحة البعيدة كل البعد عن ثقافة التحزب وقبول الآخر .
ان الاختلاف في الأمور العقائدية كان اختلافا في وجهات النظر ـ لايفسد في الود قضيةـ ولم يخرج الى أفق ابعد من الاختلاف حيث إلغاء الأخر المختلِف وتسقيطه والإفتاء بإهدار دمه واستباحة عرضه وأمواله بسهولة ويسر والقيام ب "غزوات" جهادية لمقارعته والقضاء عليه واستئصاله كليا من على مسرح الحياة وليس الفعاليات السياسية او الدينية فحسب، والاختلاف هذا لم يثنِ عن التعايش على أديم الجغرافيا الحاضنة لجميع مكونات النسيج المجتمعي تحت خيمة عقد اجتماعي ينظم العلاقة بين الأفراد وبينهم والدولة ومن أهم شرائط هذا العقد هو ثقافة قبول الآخر المشترك مع الآخرين في نسق المواطنة العابرة لكل انتماء واتجاه وهي بحسب تعريف الموسوعة الشاملة : هي انتماء إلى مجتمع واحد يضمه بشكل عام رابط اجتماعي وسياسي وثقافي موحد في دولة معينة. فالمواطنة في ابسط تجلياتها هي قبول الآخر المتشارك في الوطن.
قد كان الاختلاف يتمحور في تفسير او تأويل او فهم النص الذي تستند عليه فرقة او طائفة معينة وقد لا يكون هنالك ـ في الأساس ـ أي اختلاف في نص معين وقد تتعدد الوجوه في نص ما لاسيما إذا كان حمال أوجه او يكون النص قابلا لأكثر من رأي فقد كانت دائرة الاختلاف تدور حول النص وفيه فيتشارك الجميع في فهم النص كل على طريقته ورؤيته بدون إلغاء وتكفير المختلِف الآخر في فهم النص وإخراجه من دائرة النص كليا وعدم قبول وجهة نظره أبدا باعتباره من "الكفار" وغلق أي باب في وجهه لكي لا يكون هنالك أي نقاش او حوار او مجادلة (وجادلهم بالتي هي احسن) ، فهذا اختلاف لما قبل النص، ونلاحظ ان بعض الاتجاهات ذات التوجه السلفي النكوصي قد تجاوزت حدود الاختلاف حول النص الى تبني النظرة الأحادية المتطرفة وإلغاء الآخر كليا وعدم قبوله او قبول رؤيته، وعلى هذا المنوال نسجت التنظيمات الإرهابية كتنظيم القاعدة والعصابات الراديكالية المتحجرة التي تنتحل العمل باسم الدين نشاطاتها الإرهابية التي أحرقت الحرث والنسل ودمرت البنى التحتية وما نشاهده في العراق وسوريا هو خير مثال على ذلك ومحاولة تأسيس هذا السلوك في ارض الكنانة مصر على يد الإخوان المسلمين الذين أضافوا بعدا آخر لعدم قبول الآخر ألا هو البعد السياسي متلبسا بمسوح الدين وتتخذ طبيعة الصراع الدائر في سوريا طابعا أكثر دوغمائية وحدَّة ومأساوية وانشقاقا وانشطارا وهو ما تحاول مستميتة القيام به العناصر الارهابية والتكفيرية في العراق التي تحاول ان تزرع بذرة عدم تقبل الآخر وتؤسس لتفتيت النسيج المجتمعي العراقي.
إعلامي وكاتب مستقل
[email protected]