- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
نظرة الإسلام للمرأة، وهل هي مضطهدة؟ / الحلقة الخامسة والأخيرة
حجم النص
بقلم : عبود مزهر الكرخي
وفي حلقتنا الأخيرة نحب أن نشير إلى مسألة مهمة في توضيح مكانة المرأة ومنزلتها في ديننا الإسلامي والتي يركز الكثير من المدعين على أنها مضطهدة ومسلوبة الإرادة وهذه المكانة العظيمة للنساء موجودة في القرآن الكريم والذي لا يأتيه الباطل من فوقه ولا من تحته و تبين منزلتها ومقامها والتي نقلتها من تفسير البيان للطبرسي ويقول :
"فهذه الآية حكماً رابعاً وتقول:(ولهنّ مثل الّذي عليهنَّ بالمعروف وللرّجال عليهنّ درجة). (1)
يقول الطبرسي في مجمع البيان أنّه يستفاد من هذه العبارة العجيبة والجامعة فوائد كثيرة جدّاً، فهي قد جرّت البحث إلى مسائل أهم بكثير من الطّلاق والعدّة، وقرّرت مجموعة من الحقوق المتبادلة بين الرّجال والنساء فتقول : كما أنّ للرّجال حقوقاً على النساء، فكذلك للنساء حقوق على الرّجال أيضاً، فيجب عليهم مراعاتها، لأنّ الإسلام اهتمّ بالحقوق بصورة متعادلة ومتقابلة ولم يتحيّز إلى أحد الطّرفين.
وكلمة (بالمعروف) التي تأتي بمعنى الأعمال الحسنة المعقولة والمنطقيّة تكرّرت في هذه السلسلة من الآيات اثنا عشر مرّة (من الآية مورد البحث إلى الآية 241) كيما تحذّر النساء والرّجال من عاقبة سوء الاستفادة من حقوق الطّرف المقابل، وعليهم احترام هذه الحقوق والاستفادة منها في تحكيم العلاقة الزوجيّة وتحصيل رضا الله تعالى.
جملة (وللرّجال عليهنّ درجة) تكمّل القاعدة السابقة في الحقوق المتقابلة بين الرّجل والمرأة، وفي الواقع أنّ مفهومها هو أنّ مسألة العدالة بين الرّجل والمرأة لا تكون بالضّرورة بمعنى التساوي في الحقوق وأن يكونا في عرض واحد، فهل يلزم أن يكون الجنسان متساويين تماماً في الواجبات والحقوق ؟
لو أخذنا بنظر الاعتبار الاختلافات الكبيرة بين الجنسين على صعيد القوى الجسميّة والروحيّة لاتّضح الجواب عن السؤال.
المرأة بطبيعة مسؤوليتها الحسّاسة في إنجاب الأبناء وتربيتهم تتمتّع بمقدار أوفر من العواطف والمشاعر والإحساسات، في حين أنّ الرجل وطبقاً لهذا القانون اُنيطت به مسؤولية الواجبات الاجتماعية التي تستلزم قوّة الفكر والابتعاد عن العواطف والأحاسيس الشخصيّة أكثر، ولو أردنا إقامة العدالة فيجب أن نضع الوظائف الاجتماعية التي تحتاج إلى تفكّر وتحمّل أكثر بعهدة الرّجال، والوظائف والمسؤوليّات التي تحتاج إلى عواطف وإحساسات أكثر بعهدة النّساء، ولهذا السبب كانت إدارة الاُسرة بعهدة الرّجل ومقام المعاونة بعهدة المرأة، وعلى أيّ حال فلا يكون هذا مانعاً من تصدّي المرأة للمسؤوليّات الاجتماعية المتوائمة مع قدراتها الجسميّة وملكاتها البيولوجيّة فتؤدّي تلك الوظائف والمسؤوليّات إلى جانب أداء وظيفة الاُمومة في الاُسرة.
وكذلك لايكون هذا التفاوت مانعاً من تفوّق بعض النّساء من الجهات المعنويّة والعلميّة والتقوائيّة على كثير من الرّجال.
فما نرى من إصرار بعض المثقّفين على مقولة التساوي بين الجنسين في جميع الاُمور هو إصرار لا تؤيّده الحقائق على أرض الواقع حيث ينكرون في دعواهم هذه الثّوابت العلميّة في هذا المجال، فحتّى في المجتمعات التي تنادي بالمساواة بين الجنسين في مختلف المجالات نشاهد عملاً بوناً شاسعاً مع نداءاتهم، فمثلاً الإدارة السياسيّة والعسكريّة لجميع المجتمعات البشريّة هي في عهدة الرّجال (إلاّ في موارد استثنائيّة) حيث يُرى هذا المعنى أيضاً في المجتمعات الغربيّة التي ترفع شعار المساواة دائماً.
وعلى كلّ حال، فالحقوق التي يختّص بها الرّجال مثل حقّ الطّلاق أو الرّجوع في العدّة أو القضاء (إلاّ في موارد خاصّة اُعطي فيها حقّ الطّلاق للزّوجة أو حاكم الشرع) ترتكز على هذا الأساس ونتيجة مباشرة لهذه الحقائق العمليّة".(2)
ومن هنا لايجد ديننا الحنيف من تبوء المرأة مراكز حساسة في المجتمع والدولة بما يتناسب مع قابليتها ونلاحظ ان المرأة مثلاً في مجتمعنا والكثير من المجتمعات قد تبوأت مناصب سياسية كأعضاء في البرلمان والوزارات وغيرها من المناصب ولا يمنع الشرع في ذلك وحتى تفوقت في مجالات علمية كثيرة وهي في نفس الوقت متزوجة وأم لأطفال ومحجبة فما يمنع ذلك من ان تكون محجبة وتمارس نشاطها العام سواء في السياسة أو العلم أو حتى على مستوى المجتمع كما نلاحظ أن المرأة قد برزت في قطاع التعليم وقيادة العملية التربوية بحكم عاطفتها وخبرتها في مجال تربية الأطفال لهذا لاحظنا دورها المميز في العملية التربوية حتى في مجال التعليم ، والتي سوف نورد على ذلك وكتأكيد على ما ذهبنا المهندسة المصرية ليلى عبد المنعم فيما بعد.
أما بالنسبة للحجاب والذين يدعون أنه يحد من تحرر المرأة وهو أدعاء باطل ويثير السخرية إذ ماعلاقة الحجاب بتحرر المرأة ومن جانب آخر لا يريد القرآن تحديد حرية المرأة ومكانتها من خلال فرض الحجاب ، بل أراد صيانتها بالحجاب دون تقييدها ، مع الإيحاء باحترام المرأة لدى نفسها ولدى الآخرين .
إذ أراد لها أن تخرج في المجتمع - إذا خرجت - غير مثيرة للغرائز الكامنة في نفوس الرجال ، فتكون محافظة على نفسها ، وغير مضرّة بالآخرين ، كما أقرَّ القرآن للمرأة بحق الاعتقاد والعمل وفق ضوابط محدَّدة ، ومنح المرأة الحقوق المدنية كاملة ، فلها حق التملك ، ولها أن تهب ، أو ترهن ، أو تبيع ، وما إلى ذلك .
كما منحها حق التعليم ، فوصلت إلى مراتب علمية عالية ، وأشاد بنزعة التحرر لدى المرأة من الظلم والطغيان ، فضرب لذلك مثلاً في آسية امرأة فرعون ، الَّتي ظلَّت على الرغم من الأجواء الضاغطة ، محافظة على عقيدة التوحيد ، التي آمنت بها ، فأصبحت مثلاً يُحتَذَى به .
فقال الله تعالى : ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ).
فإنه موقف صارم لا هوادة فيه ، ويختلف عن موقف مؤمن آل فرعون الذي وقف بوجه فرعون بلين وبلباقة .
وهكذا يكشف لنا القرآن عن مقدار الصلابة التي يمكن أن تكتسبها المرأة ، إذا امتلكت الإيمان والرؤية السليمة ، ويحدث العكس من ذلك لو حادت عن طريق الهداية كامرأة نوح ( عليه السلام ) ، فسوف تغدو أسيرة لعواطفها وأهوائها ، تحرِّكها أينما شاءت ، فتكون كالريشة في مهب الريح
وهذا وزير الداخلية الإيطالي الذي كان يواجه النزعات العلمانية المتطرفة التي تنادي بالتصدي لظاهرة الحجاب التي انتشرت بين النساء المسلمات في إيطاليا حتى النساء الإيطاليات اللاتي أسلمن، واعتبروا ذلك اختراقا خطيرا للثقافة المسيحية.
" أنه لا يمكنه معارضة ارتداء المرأة المسلمة في بلاده للحجاب ، وذلك لسبب واضح وبسيط وهو أن السيدة مريم العذراء والدة نبينا عيسى عليه السلام كانت تضع الحجاب على رأسها أيضا ،وهي أقدس امرأة عرفها التاريخ ( على حسب معتقده بالطبع )". وهذا في بلد علماني وغربي والذين العلمانيين يتمجدون بالغرب ويعتبرون الأنموذج الرائد لهم وهو في تصوري غير ذلك أطلاقاً ولكنه نأخذ هذا الدليل لإقامة الدليل والحجة.
وفي عصرنا الحالي فهذه المهندسة المصرية ليلى عبد المنعم حيث أن الدكتورة ليلى لها 100 اختراع حصلت من خلالها على جائزة الاستحقاق بلندن، ولقد مدحها أعضاء لجنة التحكيم، قائلين: "هي أم المخترعين التي تعمل في صمت أبو الهول وشموخ الأهرامات".
ولنرى ماذا تقول عن تحجبها وتمسكها بالدين :
تأثير القرآن الكريم عليها
تقول: "بدأتُ أتمعّن في آيات القرآن الكريم، ووجدتُ فيه حلاوة لنفسي القِلَقة، وأعني بها أن كل عالِم تنتابه لحظات قلق عندما تأتيه شرارة فكرة أو علم أو حدث لا يستوعبه، ويحاول أن يبحث في المراجع والموسوعات، وإن لم يستعن بالله ينتابه توتر نفسي، والحمد لله أنني ختمت القرآن الكريم".
"وقد وضح تأثير قراءة القرآن الكريم في حياتي الخاصة من خلال طاعة الزوج، وأصدقك القول بأن قوامة الرجل كما جاءت في القرآن الكريم ليست في الإنفاق فقط إنما في الحماية والأمان؛ فالنجاح لأي امرأة إذا بحثتِ عنه ستجدين أن وراءه رجلاً عظيماً". وبيّنت الدكتورة ليلى أن سر سعادتها في الدنيا تكمن في: "مقولة كنت أكتبها في كل كتبي وهي: اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. وأخذت بها في كل أعمالي وشؤون حياتي، فلم أفعل شيئاً من أجل نفسي أو للبشر إنما لوجه الله تعالى".
القرآن الكريم وذكر الله تعالى يقودانها إلى الاختراع
توصلت الدكتورة ليلى إلى أهم اختراعاتها من خلال تأملها وتفكّرها في القرآن الكريم الذي حفظته منذ صغرها؛ حيث ابتكرت خرسانة ضد الزلازل والصواريخ اقتبست فكرتها من الآية القرآنية في سورة الكهف: (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا *فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا)، وهذا الاختراع كان من الأسباب الرئيسة لحصولها على وسام الاستحقاق. تقول في إحدى الحوارات التي أُجريت معها: "ساعدني حفظ القرآن في الوصول لهذه الاختراعات وغيرها".
بالإضافة إلى أنّ كثرة ذكرها لله تعالى قادها إلى اختراع السُّبحة الإلكترونية.(4)
وهنا نوجه تساؤلنا إلى الأخوة العلمانيين وغيرهم هل منع هذه المخترعة حجابها وتمسكها بدينها من أن تصبح مخترعة وتنال هذا الكم من الجوائز بل بالعكس وهبها الله اختراعها الأخير من كتاب الله القرآن العظيم الذي من تمسك به لا يضل ولا يغوى وهذا أكبر دليل على بطلان كل دعواهم في اضطهاد المرأة.
حقوق الزوجة في السنّة النبوية :
"وكانت قضية المرأة وحقوقها كزوجة أو أمّ مَثَار اهتمام السنة النبوية الشريفة ، فيقول النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) : ( مَا زَالَ جِبرائِيل يُوصِينِي بِالمَرْأةِ ، حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّه لا يَنْبَغي طَلاقُهَا إلاَّ مِن فَاحِشَةٍ مُبِينَة ) .
ثم يحدد ثلاثة حقوق أساسية للمرأة على زوجها وهي : توفير القوت لها ، توفير اللباس اللائق بها ، حسن المعاشرة معها .
وفي ذلك يقول الحديث الشريف : ( حَقُّ المَرْأةِ عَلَى زَوجِهَا : أنْ يَسدَّ جُوعَهَا ، وأنْ يَستُرَ عَورَتَها ، وَلا يُقَبِّحُ لَهَا وَجْهاً ) .
وجاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني وإذا خرجت شيعتني وإذا رأتني مهموما قالت: ما يهمك، إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك وإن كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك الله هما، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): بشرها بالجنة وقل لها: إنك عاملة من عمال الله ولك في كل يوم أجر سبعين شهيدا. وفي رواية أن الله عزوجل عمالا وهذه من عماله، لها نصف أجر الشهيد.(5)
عن جابر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وأحصنت فرجها وأطاعت بعلها فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت. (6)
فالحديث أعلاه لا يقصر حق الزوجة على الأمور المادية الضرورية من طعام وكساء ، بل يقرن ذلك بحقٍّ معنوي ، هو أن لا يُقبِّح لها وجهاً ، وبتعبير آخر أن يُحسن معاشرتها ، لا سيَّما وأنها زميلته في الحياة ، وشريكته في العيش ، ومن الخطأ أن يتعامل معها باعتبارها آلة للمُتعة ، أو وسيلة للخِدمة ، فيعاملها بطريقة إصدار الأوامر".(7)
وهناك توجهات نبوية تحثُّ على التعامل الإنساني مع الزوجة وحتى استشارتها، وإن لم يرد الزوج أن يأخذ برأيها في ذلك المورد، لأن استشارة الزوج لزوجته معناه إجراء حوارٍ مستمرٍّ معها، وهذا مما يندب إليه العقل والشرع .
إذن لها حقٌّ معنوي مُكمل لحقوقِها المادية ، وهُو حقُّ الاحترام والتقدير ، وانتقاء تعابير مهذَّبة لائقة عند التخاطب معها تشيع أجواء الطمأنينة ، وتوقد شمعة المحبَّة ، فيقول الرسول ( صلَّى الله عليه وآله ) : ( قَولُ الرَّجل للمرأة : إنِّي أُحِبُّكِ ، لا يَذْهَبُ مِن قَلْبِهَا أبَداً ).(8)
فإكرام الزوجة ، والرحمة بها ، والعفو عن زَلاَّتها العادية ، هي الضمان الوحيد والطريق الأمثل لاستمرار العُلقة الزوجية ، وبدون مراعاة هذه الأمور يصبح البناء الأسري هَشّاً كالبناء على الرمل ، فقد ثبت أن أكثر حوادث الطلاق تحصل من أسبابٍ تافهة .
لقد فصل أحد القضاة في أربعين ألف قضية خلاف زوجي ، وبعدها قال هذه الجملة : إنَّك لتجد التوافه - دائماً - في قرارة كل شقاء زوجي ، فلو تحلَّى الزوجان بالصبر ، وغضّا النظر عن بعض الأخطاء التي تحصل من غير عَمدٍ ، لأمكن صيانة العش الزوجي من الانهيار .
حقوق الزوجة في فكر أهل البيت ( عليهم السلام ) :
يتطرق الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) في رسالة الحقوق لحق الزوجة ، ويلقي أضواء إضافية على حقها المعنوي المتمثل بالرحمة والمؤانسة ، فيقول ( عليه السلام ) : ( وَأمَّا حَقّ رَعيَّتك بِملك النِّكاحِ ، فأنْ تَعلَمَ أنَّ اللهَ جعلَهَا سَكناً ومُستَراحاً وأُنساً وَوِاقِية ، وكذلك كُلّ واحدٍ مِنكُما يَجِبُ أنْ يَحمدَ اللهَ عَلَى صَاحِبِه ، ويَعلَمَ أنَّ ذَلِكَ نِعمةً مِنهُ عَلَيه .
وَوَجَبَ أن يُحسِنَ صُحبَة نِعمَةِ اللهِ، ويُكرمَهَا، ويرفقَ بِها ، وإنْ كانَ حَقُّك عَلَيها أغْلَظَ ، وطَاعَتُك بِها ألزَمَ ، فِيمَا أحبَبْتَ وكرهْتَ ، ما لَم تَكن مَعصِية فإنَّ لَهَا حَقَّ الرَّحمَةِ والمُؤَانَسةِ ولا قُوَّة إلاَّ بالله ) .
والتمعُّن في هذه السطور يظهر لنا أن الرابطة الزوجية هي نعمة كبرى تستحق الشُّكر اللَّفظي ، بأن يحمد الله تعالى عليها ، وتستوجب الشكر العملي ، بأن يكرم المرء زوجته ، ويرفق بها ، ويعاملها باللطف والرحمة ، ويعقد معها صداقة حقيقية ، كما يعقد أواصر الصداقة مع الآخرين .
أما لو تصرَّف معها بالعُنف، وأحصى عليها كلّ شارِدة ووارِدة، فسوف يقطع شرايينَ الودّ والمحبَّة معها، ويكون كَسِكِّين حادة تقطع رباط الزوجية المقدَّس.
ولقد بين الإمام الصادق ( عليه السلام ) بكل وضوح السياسة التي يجب على الزوج اتِّباعها لاستِمالة زَوجتِه ، وعدم قَطع حبال الودِّ معها .
فقال ( عليه السلام ) : ( لا غِنَى بالزَّوجِ عَن ثلاثَةِ أشياءٍ فِيمَا بَينَه وبَين زَوجَتِه ، وهي : الموافَقَة ، ليَجتلِبَ بِها مُوافقَتها ومَحبَّتها وهَواهَا ، وحُسن خُلقِه مَعها واسْتِعمَاله استمَالَةَ قَلبِهَا بالهَيئة الحَسَنة في عَينِها ، وتوسِعته عَلَيها ) .
ومن الجدير ذكره أن هذه الأقوال ، ليست - مجرد - كلمات تنشر في الهواء يُطلقها الأئمة ( عليهم السلام ) من أجل الموعظة ، بل جسَّدها أهل بيت العصمة بحذافيرها على صعيد الواقع.
فلا توجد إشكالية انفصام في سلوك أهل البيت ( عليهم السلام ) بين الوعي والواقع ، ومن الشواهد الدالة على ذلك : يروي الحسن بن الجهم قال : رأيت أبا الحسن ( عليه السلام ) اختضَب ، فقلت : جُعلت فداك اختضَبْتَ ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( نَعَمْ ، إنَّ التهيِئَة مِمَّا يُزيدُ في عِفَّة النِّسَاء ، ولقَد تَرَك النِّسَاءُ العفَّة بِتَركِ أزواجهنَّ التهيئة ، أيَسُرّكَ أن تَراهَا عَلى مَا تَراكَ عَلَيه إذا كُنتَ عَلى غَيرِ تَهْيئة ؟ ) ، قلت : لا ، فقال ( عليه السلام ) : ( فَهوَ ذَاكَ ) .
فالإمام ( عليه السلام ) يُدرِكُ أن الاستمالة تشكل النقطة المركزية في الحياة المشتركة لكِلا الزوجين ، لذلك يراعي حقَّ الزوجة ، ويسعى إلى استمالة قلبها من خلالِ التهيئة ، ولأن عدم التوافق في هذا الجانب يعتبر من الأسباب الأساسية في الإخفاق في الزواج .
صحيح أن الزواج في الإسلام ليس هو إشباع شهوة الجنس ، فالجنس مجرد وسيلة للوصول إلى الغاية من الزواج ، وهي : رفد الحياة الإنسانية بجيل صالح ، إلاَّ أنَّ ذلك لا يُبرِّر إهمال حقّ الزوجة في المُتعة الجنسية ، لذلك لا يجوِّز الشرع هَجرها أكثر من أربعة أشهر .(9)
وحتى في العلاقة الزوجية يوضح نبينا الأكرم تلك العلاقة فيقول (لا ترتموا على نسائكم كالبهائم واجعلوا بينكم وبينهن رسولا).(10)
فأي دين عظيم نمتلكه نحن ولكن الكثير من الجهلة والعوام لا يعرفون قيمته والذي فصل كل شيء بدقة وفي أصغر تفاصيل الحياة وليعطيها كلها بعد إنساني عظيم لا يوجد في باقي الأديان وفي كل الشرايع الدنيوية الأخرى ويأتي من يحاججك ويدعي باستعمال العقل والمنطق في ضرورة تحليل ديننا الحنيف وأنه غير مناسب لما موجود في وقتنا وهو أدعاء فارغ وينم عن جهل مطبق بالإسلام وبكل الحياة ومكنوناتها.
ولتأكيد ما ذهبنا إليه ونختم به مبحثنا ماقاله الأمام علي زين العابدين(عليه السلام) حول المرأة وإعطائها تلك المنزلة السامية بقوله: خير نسائكم الطيبة الريح، الطيبة الطعام، التي إن أنفقت أنفقت بمعروف وإن أمسكت أمسكت بمعروف، فتلك من عمال الله وعامل الله لا يخيب [ ولا يندم ].(11)
ومن هنا نستنج أن ديناا الحنيف قد أعطى للمرأة كل الحق والرعاية باعتبارها مكون بشري وهبه الله للرجل ليكون مكمل وعون له في حياته وليس إنسان ومواطن أقل منزلة بل هو كائن بشري ووهبه الله كل المزايا التي تتيح لها العيش بحرية وكرامة في ظل ديننا الإسلامي وليس كما يدعي العلمانيين والكثير من الآخرين وما عرضناه هو غيض من فيض لما قدمه ديننا للمرأة من مكانه تبيح الحفاظ على عفافها وكرامتها ما يفوق كتاباتنا وقد وثقناه بأدلة مما يعزز كل أقوالنا وندحض كل الحجج التي يدعي بها للغير والتي تنم عن جهل مطبق بالحيثيات التي تحيط بالإسلام وما جاء بحق هذا الكائن اللطيف والجميل والتي أطلب لكل من يدعون الثقافة أو يعتبرون بأنهم مثقفين إن يطلعوا على أي موضوع يتم مناقشته ومحاورته لكي يتم على ضوئها النقاش بشكل موضوعي وعلمي بعيداً عن الادعاءات الفارغة والتي ليس لها أي دليل علمي ومنطقي وقد صدق قول سيدي ومولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) بقوله ((ما جادلت جاهل إلا وغلبني وما جادلت عالماً إلا غلبته)).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ [البقرة : 228]
2 ـ مجمع البيان : ج 1 327.
3 ـ [التحريم : 11]
4ـ موقع جمعية الاتحاد الإسلامي الرابط
دليلى-عبد-المنعم-النابغة-المخترعة-والعابدة-المتواضع http://www.itihad.org/content/
5 ـ كتاب مكارم الأخلاق للشيخ رضي الدين الطبرسي ص 199
6 ـ نفس المصدر ص 200
7 ـ مركز آل البيت العالمي للمعلومات ، مواضيع دينية ، حقوق الزوجة الرابط
http://www.al-shia.org/html/ara/osre/?mod=dinieh&id=10
8 ـ وسائل الشيعة 14 | 10 .
9 ـ مركز آل البيت العالمي للمعلومات ، مواضيع دينية ، حقوق الزوجة الرابط
http://www.al-shia.org/html/ara/osre/?mod=dinieh&id=10
10 ـ كتاب فأسالوا اهل الذكر للمستبصر د. محمد التيجاني السماوي ، ص 59 ـ 60.
11 ـ كتاب مكارم الأخلاق للشيخ رضي الدين الطبرسي ص 199