- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الجواهري الكبير ... في رثاء شقيقه جعفر، شهيد وثبة كانون 1948
حجم النص
* قراءة وتوثيق: رواء الجصاني
قبل خمسة وستين عاما بالتمام، وفي مثل هذه الأيام تحديدا عام 1948 ... يلقي الجواهري، في باحة جامع الحيدرخانة، وامام مئات المحتشدين، مطولةً عصماءَ بمناسبة مرور سبعة أيام على استشهاد شقيقه جعفر، برصاص شرطة العهد الملكي، اثر تظاهرات ومواجهات جماهيرية حاشدة في وثبة كانون الثاني الوطنية ، احتجاجاً على توقيع معاهدة "بورت سموث" البريطانية – العراقية... وقد جاء مطلعها:
اتعلم أم أنت لا تعلمُ ، بأن جراح الضحايا فمُ
فمٌ ليس كالمدعي قولةً ، وليس كآخر يسترحم
يصيح على المدقعين الجياع ، اريقوا دماءكم تطعموا
ويهتف بالنفر المهطعين ، أهينوا لئامكمُ تكرموا
والقصيدة التي يقرب عدد أبياتها من المئة، تكاد ان تكون في جميعها رسالة إلى جعفر، وحواراً معه، وتساؤلات إليه، مفعمة بالعاطفة والذكريات حيناً، وبتقديس الايثار والتضحية ، أحايين أخرى، ومن خلال كل ذلك : اصرارعلى اشاعة المفاهيم الوطنية والتنويرية، وهي الأساس في بيت القصيد كما نزعم:
أتعلم أم أنت لا تعلم بأن جراح الضحايا فمُ
اتعلم أن رقاب الطغاة ، أثقلها الغنم والمأثم
وان بطون العتاة التي ، من السحت تهضم ما تهضم
وان البغيّ الذي تدعي من الطهر ما لم تحز "مريم"
ستنهد ان ثار هذا الدم ، وصوت هذا الفم الأعجم
واذ تهدأ المشاعر قليلاً، ولو في بعض أبيات وحسب، تأتي المقاطع التالية من الملحمة الجواهرية التي نحن عندها، لتبدع في وصف "جعفر" الشقيق... فهو "رُواءُ الربيع" و"زهرة من رياض الخلود" و"قبسٌ من لهيب الحياة" و"طلعة البشر" و"ضحكة الفجر"... وما إلى ذلك من مشابهات متفردة تنبض بالمحبة، وتفيض بالعاطفة الانسانية الجامحة...
أخي جعفراً يا رُواء الربيع ، إلى عفن بارد يُسلَمُ
ويا زهرةً من رياض الخلود، تغولها عاصف مرزمُ
لثمت جراحكَ في فتحة ، هي المصحف الطهر إذ يلثم
وقبلت صدرك حيث الصميم ، من القلب منخرقاً يحزمُ
وعوضت عن قبلة قبلةً عصرت بها كل ما يؤلم
لقد توقف، عند هذه الرائية الجواهرية الوجدانية، الوطنية، التنويرية، كتاب وباحثون عديدون، وما برحوا... ومما نؤشر له ايضا في هذا السياق، ما جاء فيها عن استقراء الشاعر الخالد في واحد من مقاطع القصيدة البارزة، لتاريخ البلاد اللاحق، وتنبؤاته حوله، وهو ما تأكد بوضوح، والى حاضرنا الراهن على ما نرى:
اخي جعفراً لا أقولُ الخيال ، وذو الثأر يقظان لا يحلمُ
ولكن بما أُلهم الصابرون، وقد يقرأ الغيب مُستَلهمُ
أرى افقاً بنجيع الدماء ، تخضب واختفت الأنجمُ
وحبلاً من الأرض يرقى به ، كما قذف الصاعد السلم
وكفاً تمدُ وراء الحجاب ، فترسم في الأفق ما ترسم
وجيلاً يجيء ، وجيلا يروح ، وناراً ازاءهما تُضرمُ
أما في نهاية ملحمته، فقد راح الجواهري يستطرد ليصف، وبتشكيل بانورامي حاذق، أجواء الأحزان العائلية على رحيل الفقيد... فتلك امه "العجوز" الغارقة في التعبد، تضجر لأن "السماء لم تعد تغيث حريباً ولا ترحمُ "... وهذه اخت الشهيد "تشق عليه الجيوب، ويغرز في صدرها معصم" ..."نناشد عنه بريق النجوم، لعل جعفر من بينها ينجم "... وهكذا كانت، أو تكاد، حال الأصدقاء والأحباء من أهل البيت وخارجهم...
... أخيراً وقبيل اختتام هذه الكتابة ، دعونا نقتبس عن شاهد عيان ،وهو فلاح الجواهري، نجل الشاعر، سطوراً تصف فصلاً من مسيرة تشييع جعفر إلى مثواه الأخير:
"واصل الموكب طريقه إلى النجف وفيه كل الطلائع الثورية للشباب، وفيه نماذج من الكهول والشيوخ وكان يوماً مشهوداً في كل تاريخ النجف، حيث أغلقت الأسواق وعطلت المدارس وغصت الشوارع بالجماهير المستقبلة، وتناثرت أكاليل الورود من كل حدب وصوب..."
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- وقفة مع مذكرات الجواهري
- قل فتمنوا الموت إن كنتم صادقين... رعب اليهود مثالاً