- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
في شهر محرم الحرام ـ الجزء السادس ـ
حجم النص
بقلم : عبود مزهر الكرخي
نواصل تتبع المسيرة الخالدة لثورة الحسين والتي جرت أحداثها بكل ما فيها من قيم للبطولة والكبرياء والشموخ والوقوف بوجه الطغيان والكفر والظلم في شهر محرم وكذلك ما جرى فيها من مآسي والإيغال في الرغبة في هلاك العترة الطاهرة من ذرية رسول الله(ص) والتي يجب من أي كاتب ومفكر نزيه وشريف أن يتوقف ويفكر في هذا المفهوم الذي أصروا فيه بنو أمية وبقيادة رؤوس الكفر والطاغوت من يزيد إلى أبن مرجانة وأبن سعد وشمر وكل المجرمين من ذلكم الأوغاد لعنهم الله أجمعين على سفك دم الحسين(ع)الطاهر ودماء آل بيته وأصحابه المنتجبين الزكية سوى أنهم قالوا لا للظلم ولا للطاغوت ولا لكل مظاهر الانحراف التي طرأت على الدين المحمدي.
ويأتي هؤلاء الكتاب والمفكرين والعلماء من الدواب(أجلكم الله) لكي يصرحوا ويكتبوا بمقولات ما أنزل الله بها من سلطان ويتهجموا بهجوم لاذع بعيداً عن كل أدبيات النقاش والطرح الموضوعي والعلمي وعلى رأسهم هذا الذي يدعي العلم (العرور)والذي أنا أسميه (البعرو..) أجلكم الله تصديقاً لقول أحد الشعراء في هجاء أحد الأشخاص الذي كان يتهجم على الناس في حق أو باطل ويقول هذا الشاعر:
كأنك بعرةٌ في جحر كبش.......مدلاةٌ وذلك الكبش يمشي
أي أنه لا فيه فائدة مثل البعرة أجلكم الله تروح يمنة ويسرة فقط تنشر أذيتها على العالمين. ولنأتي إلى مقولات بعض الكتاب والمفكرين حول الحسين(ع) وثورته الخالدة .
يقول الكاتب والمفكر عبد الله العلايلي {جاء في أخبار الحسين : أنه كان صورة احتبكت ظلالها من أشكال جده العظيم،فأفاض النبي(ص) إشعاعة غامرة من حبّهُ،وأشياء نفسه،ليتمّ له أيضاً من وراء الصورة معناها فتكون حقيقية من بعد كما كانت من قبل إنسانية أرتقت إلى نبوّة(أنا من حسين)ونبوة هبطت إلى إنسانية(حسين مني) فسلام عليه يوم ولد}.(1)
وهذا عمر أبو النصر يقول {هذه قصة اُسرة من قريش.حملت لواء التضحية والاستشهاد والبطولة من مشرق الأرض إلى مغاربها.قصة ألّف فصولها شباب ما عاشوا كما عاش الناس،ولا ماتوا كما مات الناس.ذلك أنّ الله شرّف هذه الجماعة من خلقه بأن جعل النبوة والوحي والإلهام في منازلها، وزاد ندى فلم يشأ لها حظّ الرجل العادي من عبادة، وإنما أرادها للتشريد والاستشهاد وأرادها للمثل العليا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكتب لها أن تتزعم لواء التقوى والصلاح إلى أخر ما يكون في ذريتها}(2)
ويقول الكاتب أحمد حسن لطفي {إنّ الموت الذي كان ينشده فيها كان يمثل في نظره أروع من كل مثل الحياة، لأنه الطريق إلى الله الذي منه المبتدأ وإليه المنتهى، ولأنه السبيل إلى الانتصار وإلى الخلود، فهو أعظم بطل ينتصر بالموت على الموت}.(3)
ويقول الكاتب والمفكر عباس محمد العقاد {مثل للناس في حلة من النور تخشع لها الأبصار، وباء الفخر الذي لا فخر مثله في تواريخ الإنسان، غير مستثنىً منهم عربي ولا عجمي، وقديم وحديث فليس في العالم اُسرة أنجبت من الشهداء اُسرة الحسين عدّة وقدرة وذكرى، وحسبه أنّه وحده في تاريخ هذه الدنيا الشهيد ابن الشهيد أبو الشهداء في مئات السنين}.(4)
وعند قراءتنا لهذه المقولات الرائعة بحق سيدي ومولاي أبا عبد الله الحسين(ع) وهي مقولات صادرة من كتاب ومفكرين من المذهب المقابل وليس من قبلنا لنلاحظ مدى الرفعة والمنزلة التي حظي بها لدى كل مسلم وإنسان شريف يؤمن بالحق والعدالة وهذه المنزلة العظيمة التي خصها بها الله سبحانه وتعالى المولى أبا عبد الله الحسين (ع)نالها باستشهاده وهو آل بيته وأصحابه وسبي آل بيته والظلم الذي وقع عليهم بدون أي وازع ديني أو أخلاقي أو إنساني في طريقة يندى لها جبين كل إنسان حر وشريف والتي تعتبر من أكبر جرائم الإنسانية التي عرفتها البشرية.
ويجيء هؤلاء الكتاب والعلماء ومن لف لفهم من وعاظ السلاطين ويقولون أن إقامة الشعائر الحسينية لتخليد هذه الثورة العظيمة نوع من البدعة ولا يجوز ذلك وإلى أخر من هذا الكلام الذي بتقديري المتواضع تحريف الكلم عن موضعه مصداقاً لقولة تعالى في القرآن الذي يقول ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)).(5)
فإقامة الشعائر الحسينية هو تخليد لتلك الذكرى العطرة لثورة الحسين(ع) والتي بإقامة هذه الشعائر من ندوات إلى مأتم إلى لطميات وإلى فروعها بضمنها التشابيه تضمن بقاء فكر ومبادئ الثورة الحسينية والتي نادى بها سيدي مولاي أبو الأحرار في الإصلاح في امة جده فالدين كما هناك مقولة مأثورة يتداولها الموالين أن الدين ((وجوده محمدي وبقاؤه حسينيي)) ولهذا جاء الحديث الشريف المعروف والمسند من قبل كل الصحاح بقول نبينا الأكرم محمد(ص) ((حسين مني وأنا من الحسين ، أحب الله من أحب حسينا)).(6)
فهو بقى على الصورة الناصعة الوهاجة بفضل هذه الأفكار النبيلة التي نادى بها الحسين(ع) وأخيه العباس(ع)وآل بيته والصفوة الخيرة من أصحابه(رض) ويقول الأمام الخميني(رض) ((إن إقامة الشعائر الحسينية هي ضمان لبقاء ذكر الحسين حياً))وهذا صحيح وهنا لو راجعنا المقولات العالمية والتي ذكرها الهندوسي والزعيم السابق لمؤتمر الحزب الهندوسي توملاس بوندين والذي يقول(أن التضحيات الكبرى من قبيل شهادة الأمام الحسين قد خدمت الفكر البشري، وخليق لهذه الذكرى العظيمة أن تبقى الى الأبد ،وتذكر على الدوام).
وهنا أتساءل لماذا الهندوس قد عرفوا عظمة الحسين وما قام به من ملحمة عظيمة في سبيل تصحيح دين جده محمد(ص) فما بال النواصب والسلفية يغمطون هذه الملحمة العظيمة والدروس العظيمة لواقعة الطف الممثلة بالثورة الحسينية ؟.
ولهذا نلاحظ أن ابسط أبناءنا من الموالين تجده يعرف الفصول الكاملة والأحداث لواقعة الطف وكيف جرى من ظلم لآل بيت الرسول(ص) وهذا حدث نتيجة بقاء ذكرى الثورة الحسينية متقدة على مدى الزمان ولنأتي إلى القرآن فيقول في محكم كتابه((ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)).(7)
وقد قرن لإقامة الشعائر بالقلب لأن عندما يصفى القلب وتصبح فيه التقوى لأن بنقاء القلب وتقواه يصلح كافة أعضاء الجسم لأن القلب يتصل بالروح وهذا يعني صفاء ونقاء الروح وبذلك يصل الإنسان إلى المرتبة العالية من الإيمان وهو يكون أعظم وأعظم الأيمان السامي ونحن بذكرنا الحسين وإقامة الشعائر الخاصة باستشهاده فأننا نعظم هذه الشعائر لاستشهاد خامس أصحاب الكساء وسفك دمه الشريف مع معسكره في سبيل أعلاء كلمة الإسلام وجعل كل ذلك خالصاً لوجه الله سبحانه وتعالى والذي قدم هذا العطاء والذي هو بلا حدود والذي يقول في حديثه المشهور والتي بهذه الثورة الحسينية الخالدة قد ركز أمامنا على ترسيخ قيم ومفاهيم الدين المحمدي ورسالة جده نبينا الأكرم محمد(ص) والتي قالها بمقولته الخالدة ((والله ..أني لم اخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسدا ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي)).
لذا فمنزلته عند الله في عليين ولهذا إلا يجدر بنا أن نذكرها وأن نبين الأهداف والمبادئ التي نادى بها وجعلها نموذج ودستور نسير عليه في مختلف الأماكن والأزمنة لأنها لم تجيء لحقبة زمنية معينة بل هي دروس وعبر لكل الأجيال ونطبق مقولة ((أن الحسين عِبرة وعَبرة)) وذلك عندما نقف على الضريح الشريف عِبرة فسنتذكر كل الملاحم الخالدة والتي سطرت في واقعة الطف بأحرف من نور بسفك دمه الشريف ودم أخيه وآل بيته وأصحابه المنتجبين ونعرف كيف انتصر الدم على السيف والمظلوم على الظالم بهذه الملحمة والتي لم تقع مثلها لا في تاريخ الأولين ولا الآخرين ولحد يوم القيامة ونقف تحت القبة الشريفة لضريح أبي الضيم ونسكب العبرات لهذه الفاجعة والتي تم فيها قتل خير خلق الله من الثلة والصفوة الطيبة وماجرى عليهم من مآسي والتي تعتبر جريمة إنسانية بكل المعاني والتي لم يأتي التاريخ بمثلها والتي بها تم حتى قطع أصبع أبي الشهداء من اجل سرقة خاتمه وسبي وهتك حرمات ذراري رسول الله(ص) والتي هي سابقة لم تحدث من قبل ولهذا كان الحسين عِبرة وعَبرة وهذا ماوصفه خير وصف الشاعر محمد مهدي الجواهري في قصيدته العينية في رثاء الحسين والتي أورد الجزء الخاص بما ذكرته آنفاً وهي غاية في الروعة والوصف الدقيق والتي تقول :
شَمَمْتُ ثَرَاكَ فَهَبَّ النَّسِيمُ نَسِيـمُ الكَرَامَـةِ مِنْ بَلْقَـعِ***وعَفَّرْتُ خَدِّي بحيثُ استراحَ خَـدٌّ تَفَرَّى ولم يَضْـرَعِ
وحيثُ سنابِكُ خيلِ الطُّغَاةِ جالتْ عليـهِ ولم يَخْشَـعِ***وَخِلْتُ وقد طارتِ الذكرياتُ بِروحي إلى عَالَـمٍ أرْفَـعِ
وطُفْتُ بقبرِكَ طَوْفَ الخَيَالِ بصومعـةِ المُلْهَـمِ المُبْـدِعِ***كأنَّ يَدَاً مِنْ وَرَاءِ الضَّرِيحِ حمراءَ " مَبْتُـورَةَ الإصْبَـعِ"
تَمُدُّ إلى عَالَـمٍ بالخُنُـوعِ وَالضَّيْـمِ ذي شَرَقٍ مُتْـرَعِ***تَخَبَّطَ في غابـةٍ أطْبَقَـتْ على مُذْئِبٍ منـه أو مُسْبِـعِ
لِتُبْدِلَ منهُ جَدِيـبَ الضَّمِيرِ بآخَـرَ مُعْشَوْشِـبٍ مُمْـرِعِ***وتدفعَ هذي النفوسَ الصغارَ خوفـاً إلى حَـرَمٍ أَمْنَـعِ
ولنأخذ مثال من القرآن الكريم عندما ترك نبينا إبراهيم(ع) أبنه إسماعيل وزوجته هاجر بواد غير ذي زرع لا يوجد ماء فيها ولا زرع وبدأ الطفل إسماعيل بالبكاء طلباً للماء عند ذلك وأخذت تروح وتجيء بين جبلي الصفا والمروة في سبعة أشوط بحثاً عن الماء أو ناس تجلب منهم الماء فإكراما لهذه المرأة ونبينا إسماعيل(ع) ومن تحت رجل الطفل نبع بئر زمزم ومن ثم أصبحت السعي بين الصفا والمروة من شعائر وأركان الحج نتيجة لما عانته هاجر وكذلك أبنها بأن جعل لها هذه المكرمة التي أكرمها الله بها نبيه إسماعيل وأمه ونقول في الزيارة السلام عليك ياوارث إسماعيل ذبيح الله فإسماعيل ذبيح الله والتي تم فداؤه بكبش عظيم انزله الله أكراماً لامتثال إبراهيم وولده لأمر الله وصبرهم على ذلك فكيف بالحسين(ع) وهو قد قدم نفسه وكل ماعنده خالصاً لوجه سبحانه وتعالى والذي جرى ماجرى وهو صابر ومحتسب إلى الله والذي قال روحي له الفداء بعد ذبح ولده الرضيع عبدالله بعد طلب الماء وفي رواية المقرم يقول ((لما امتلأت يداه رمى بالدم نحو السماء ، ثم قال : هون ما نزل بي أنه بعين الله تعالى ، أللهم لا يكون أهون عليك من فصيل ! إلهي إن كنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه ، وانتقم لنا من الظالمين ، واجعل ما حل بنا في العاجل ذخيرة لنا في الأجل ، أللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمد)).(8)
ليجزي الله أبي الشهداء سيدي ومولاي ابي عبد الله الجزاء نتيجة صبره وهذا مصداق لقوله سبحانه وتعالى في محكم كتابه إذا ((َمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ )).(9) ويقول ((...قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)).(10) ثم ليختم قوله ووصف الصابرين والذين كان سيدي ومولاي أبي عبد الله الحسين(ع)خير مثال للمسلم الصابر المحتسب والتي توضحه هذه الآية الشريفة بقول الله جل وعلا في محكم كتابه((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)).(11)
ولنأتي إلى أبي الأحرار الذي جاد وأعطى كل شيء خالصاً لوجه تعالى والذي هو في لحظات الموت الأخيرة وكان جسده كالقنفذ من كثر السهام التي به وكان كل موضع في جسمه لأثر طعنة رمح وضربة وموقع سهم وهو في هذه الحالة مشغول عن الأعداء وما يقومون به في ذكر الله ويتمتم بكلمات ويقول ((ألهي أن كان هذا من سخطك فخذ حتى ترضى وإن كان هذا يرضيك فلك العتبى فخذ حتى ترضى))فبهذه المنزلة التي لم يدعي على معسكر الكفر والطغيان والطاغوت بل كل جوارحه منصرفة لرب العز والجلالة والذي يدعو في صبيحة عاشوراء وهو يرى جنود يزيد قد اكتظت في الميدان ما يربو على الثلاثين إلف فارس فيد ع (ع) بدعاء جده الرسول(ص) ويقول ((اللهم أنت ثقتي في كل كربٍ، وأنت رّجائي في كل شدّةً وأنت لي في كل أمرٍ نزل بي ثقةً وعدةً، كم من همٍ يضعف فيه الفؤاد وتقلً فيه الحيلة ويخذُلُ فيه الصديق ويشمت فيه العدوّ، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبة مني إليك ففرّجته عني وكشفته فأنت وليّ كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة)).(12)
فهذا هو التأدب أمام ربه وهذا هو الصبر والامتثال لقضاء الله وبلائه والذين به الله يرفع أنبيائه وأئمته إلى أعلى عليين فما من نبي إلا وابتلاه الله لكي يرفعه ويقربه إليه زلفى وهذا ما عمله مع الإمام الحسين(ع) لذلك كان له هذه المنزلة الرفيعة التي نالها باستشهاده والتي من المفروض من كل مسلم أن يعظم هذه الواقعة ويؤبن صاحبها وأن يقيم الشعائر الخاصة بها لكي تبقى ذكرى الحسين وأصحابه خالدة في ضمائر كل الموالين وكل المسلمين الشرفاء وهذا حديث لرسول وهو حديث مسند ومن صحيح البخاري في باب الزهراء عندما جيء بالحسين إلى النبي(ص) حمله ثم بكى فقالت له بضعته الزهراء(ع) ما يبكيك يا والدي فقال لها (ص) (( جاءني حبيبي جبريل وأخبرني بان أبنك هذا يقتل في أرض يقال كربلاء وحيداً فريداً ولا أنا ولا علي ولا أنت ولا أخوه موجودين)) فبكت فاطمة وقالت ((إذن ومن يقيم له العزاء؟))فقال لها ((إن شيعتنا سوف يقيمون له العزاء إلى يوم الدين، ولهم شفاعتنا يوم القيامة))فقالت فاطمة((هنيئاً إذن لشيعتنا)).(13)
ومن خلال هذه الحديث النبوي الشريف الذي فيه يأمر الرسول بإقامة العزاء لسبطه الحسين والذي لا ينطق عن الهوى إن وحيٌ يوحى والمكانة التي حظي بها سيد الشهداء عند الله عز وجل أصبح بالضرورة تعظيم الشعائر الحسينية وإقامتها لتذكر الواقعة وما جرى من مآسي وتذكر واستجلاء كل المعاني الخالدة للثورة الحسينية بأعظم معانيها السامية والعالية المضامين في كل معانيها الروحية ويبقى ذكر الحسين خالداً على مدى الزمان وهذا مصداق ما قاله الشاعر الذي يقول :
كذب الموت فالحسين مخلدا........كلما مر عليه الزمان ذكراه يتجدد
فهذه هاجر وابنها وما أعطاه من مكانة في السعي بين الصفا والمروة نتيجة صبرها على البلاء والامتثال لأمر الله وقضاؤه . فما بال الحسين والذي قدم هذه لبطولات النادرة والإباء والشموخ العالي والصبر على هذه المحن والذي تعجبت ملائكة السماء من صبره وقدم فيها أبنه اعلي الأكبر وكل أولاده وأخيه العباس(ع)وأهل بيته وأصحابه وسبي أهل بيته،إلا يستحق أن يكرمه الله ويجعل ذكره في عليين والذي ينال منزلة لا يدانيها أحد بسبب ما قدمه خالصاً لوجه الله تعالى والذي في صبيحة عاشوراء يبكي وتسأله أخته الحوراء زينب(ع) عن سبب بكائه وفي دالة على التعجب لأنها تعرفه غير مبالي وغير هيابٌ من الموت فيقول (ع)لها ((أبكي على هذه الجموع التي تدخل النار بقتلي وسفك دمي)) (14) فهكذا يكون أمام عصره وولي الله في أرضه وحجته على خلقه في أنه أخذ الكمال والعصمة الآلهية من ربه ولكي يجعله فيما قام من رفض للباطل والظلم وعدم مهادنته وطلب الإصلاح في أمة جده إن ينال هذه المكانة العالية التي جعلت أسمه في عليين وفي أرفع الدرجات عند الله ومعه أخوه أبا الفضل العباس(ع)وآل بيته وأصحابه المنتجبين (ع)الذين بفخر صفوة طيبة امتثلت لأمر الله وكما قال الكاتب والمفكر العلايلي الذي كتبناه في بداية مبحثنا { إنسانية أرتقت إلى نبوّة (أنا من حسين)ونبوة هبطت إلى إنسانية(حسين مني) فكانت والنبوة والإنسانية قد امتـزجت لتكوّن سيدي ومولاي أبي الشهداء الحسين(ع) فهو كما قال العقاد (وحسبه أنّه وحده في تاريخ هذه الدنيا الشهيد ابن الشهيد أبو الشهداء في مئات السنين}وليفتخر كل موالي ومحب لأهل البيت بهذا الإمام الخالد وعلى مر التاريخ لما أعطى من سفر خالد تظل تتذكره الأجيال وعلى مر الزمان ولتكون إقامة شعائرنا الحسينية هي الواجب الإلهي والدليل الحي على محبتنا للحسين ولأئمتنا ولمذهبنا وتبقى الثورة الحسينية ماثلة في عقولنا وضمائرنا ووجداننا وفي قلوبنا لكي بها نتقرب إلى الله وننال المرتبة العالية عند سبحانه وتعالى ونطبق حديث رسول الله(ص) الذي بشر به سيدي ومولاي أمير المؤمنين(ع) فقال له ((يا علي أنت وشيعتك الفائزون والعابرون يوم القيامة))(15)وليهنأ كل شيعي بهذه البشرى التي لن ينالها إلا بحب الحسين والتسعة المعصومين من ذريته وأهل بيته(عليهم سلام الله أجمعين).
ولنا وقفة في جزءنا القادم لكي نتعرف مقولات معاصري سيدي ومولاي أبا عبد الله وما قاله أئمتنا في زيارته ومقولات الغربيين في أبي الأحرار أن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ونسألكم الدعاء والمسألة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ الكاتب والمفكر عبد الله العلايلي في كتابه تاريخ الحسين(ع) ص 226
2 ـ عمر أبو النصر في كتابه آل محمد في كربلاء ص 30
3 ـ أحمد حسن لطفي في كتابه الشهيد الخالد الحسين بن علي ص47
4 ـ عباس محمد العقاد في كتابه أبو الشهداء الحسين بن علي(ع) ص150 طبعة النجف
5 ـ [سورة المائدة : 41].
6 ـ بحار الأنوار : 43 / 261 ، ومسند أحمد : 4 / 172، وصحيح الترمذي : 5 / 658 ح3775 .
7 ـ سورة الحج آية 32.
8 ـ موسوعة الأمام الحسين بن علي (الشهيد)صلوات الله عليه في موقع الميزان .الرابط
http://www.mezan.net/mawsouat/hussain/alradi3.html
9 ـ [آل عمران : 142].
10 ـ [البقرة : 249].
11 ـ [البقرة : 153].
12 ـ الإرشاد للشيخ المفيد ، ج2 ص96.
13 ـ كمال الدين: ج 2 ص 88 ـ 87. بحار الأنوار ج44ب29ص221ح3وراجع ج ص 43 260. الأمالي للطوسي ص367 ـ غاية المرام ج2 ص85 ـ بحار الأنوار ج44 ص250 ـ العوالم ص141
14 ـ عباس محمد العقاد في كتابه أبو الشهداء الحسين بن علي(ع) طبعة النجف.
15 ـ بحار الأنوار ج40 ، ص76. 110 مناشدات للأمام علي(عليه السلام) في مجلس الشورى للعالم الفاضل الحسين بن إسماعيل بن جغمان ، دار لقاريء بيروت . ص169. أمالي الصدوق ص 158.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول