حجم النص
قلم :علي الطالقاني
تشير الارقام الخاصة بعدد ضحايا الإرهاب والعنف في العراق الى خطورة الوضع القائم، فالإرهاب يستند على قواعد وله أرث من منظومة مخابراتية أمنية تمتلك خبرة وتتمتع بنفوذ دولي ودعم كبيرين.
ولاشك ان التحديات الأمنية والسياسية تتطلب رؤى مبنية على وقائق ودلائل مدعومة بخبرة في المجال الأمني والسياسي، ومن أجل توضيح أسباب استمرار التنظيمات الارهابية التي تسعى من أجل المحافظة على وجودها. نقدم رؤية ترتكز على خلاصة تحليلات مدعومة بأدلة خبراء ومحليين متخصصون بشؤون الإرهاب والسياسة. ومن أجل توضيح حجم وقوة الإرهاب في العراق لابد الإشارة الى عدد الضحايا عبر إطلالة سريعة بالأرقام.
تضرب العراق موجات إرهابية بشكل متكرر آخرها يوم الأربعاء الماضي، حيث استشهد 15 مواطن وجرح 100 آخرون، وخلال شهر تشرين الأول/اكتوبر الماضي بلغ عدد الضحايا 144 شهيد و300 جريج. وفي شهر ايلول/سبتمبر كان عدد الضحايا 365 شخصاً وأصيب 683 آخرون. وخلال تسعة أشهر الماضية من عام 2012 فان عدد الضحايا أكثر من 3187 عراقي.
اما في عام 2011 فان عدد الضحايا 2645 شخصاً بحسب الأرقام الشهرية. وفي احصائية أخرى فقد قتل4059 مدنيا خلال عام 2011 مقابل 3976 في 2010. اما عدد المدنيين ومنذ عام 2003 الى تاريخ انسحاب القوات الأمريكية فقد قتل أكثر من 144 ألف عراقي.
وفي تقرير آخر صادر عن وزارة حقوق الإنسان في العراق أكد سقوط 70 ألف قتيل وأكثر من 250 ألف جريح منذ عام 2003 جراء العمليات الإرهابية وهي نسبة أقل من نصف ما أعلنته منظمات دولية.
وأفادت وثيقة نشرها موقع ويكيليكس في عام 2010 بأن عدد الضحايا منذ عام 2003 بلغ 109 آلاف في حين أفادت معلومات نقلها موقع "عراق بودي كاونت" iraqbodycount الإلكتروني البريطاني بأن عدد الضحايا منذ عام 2003 حتى نهاية عام 2011 من 92000 الى 100000. ولا تشمل هذه الأرقام عدد القتلى من قوى الأمن الذين سقطوا في معارك أو عمليات عسكرية.
لا شك ان باقي الاعمال الارهابية لها أثر سيء في نفوس العراقيين، فقد أفادت معلومات مؤخرا ان تنظيم القاعدة يعمل بطريق ارهابية متعددة ويعتمد حاليا على خطف الأطفال. فقد قال مصدر أمني ان الأسبوع الماضي شهد خطف قرابة ثلاثين طفلا في مناطق مختلفة من بغداد. كما ان التنظيم يعمل على استفزاز المواطنين وخطف ذويهم ويطالب أموال مقابل اطلاق سراحهم. او يقوم التنظيم بخطف الأطفال، ومن ثم بيع أعضائهم خارج العراق.
أسباب رئيسية
المطلوب أولا من القادة العراقيين الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبتها الجهات الأمنية في شن الحرب ضد الإرهاب وتفادي هذه الأخطاء من أجل إحراز تقدم أفضل عبر استخدام أساليب جديدة يتوجب الالتزام بها.
فثمة أسباب رئيسية منها فكرية وأخرى فنية تقف خلف العنف وتجعل من التنظيمات الارهابية تنفذ عملياتها بشكل يومي.
السبب الأول: تفكير سياسي ضيق وممارسات أمنية محدودة
لاشك ان الأمن لا يخص جماعة دون أخرى فهو يخص حماية مصالح الدولة والمواطنين على حد سواء. ولذا ينبغي ان يكون للأمن ادوات ومعرفة تنطبق تماماً مه المسمى نفسه.
ويعد هذا السبب جوهر المعالجات الأمنية، فأن بنية عقلية بعض القادة الذين يديرون القضايا الأمنية والسياسية يمارسون سياسات لا تنطلق من الواقع المعاش ولا تعتمد على أسس صحيحة ومهنية وعلى رؤية صحيحة، فضلا عن تعمد البعض بأن يظهر بصفة القوي وبالتالي يبغي من وراء ذلك ان يكون المجتمع بحاجة اليه من أجل انقاذه، وربما صنع أحداث تشغل الشعب بقضايا حساسة، فهذا ما أكدته كتب فلسفة السياسة التي شخصت بعض افعال القادة خلال مسيرتهم، ان المشكلة في بعض الأفراد يعملون بدائرة حزبية أو فئوية ضيقة، مما أثر ذلك سلباً على سير العملية الأمنية بطريقة صحيحة.
إن أسباب نشأة هذا الضيق قد يكون سببه نفسي ومزاجي او يكون نابع من دوافع اقتصادية وسياسية، ويعد ظاهرة مركبة ومعقدة وأسبابها متداخلة.
وتعتبر الخلافات السياسية والخلاف على المناصب الأمنية في العراق سمة بارزة مما جعل من التنظيمات الارهابية ان تستغل فجوة الخلافات التي انعكست على الأوضاع الأمنية وحتى الاقتصادية. وربما يتم تحالف بعض رجال السياسة والأمن مع هذه التنظيمات من أجل الضغط على الحكومة وارغامها على تقديم تنازلات معينة.
السبب الثاني: صعود قيادات ارهابية جديدة
ظهور قيادات جديدة داخل التنظيمات الارهابية تعمل من أجل اثبات نفسها، وهذا ما أكدته معلومات من ان الانضمام إلى تنظيم القاعدة في العراق مستمر. وأن عدد أعضاء التنظيم ارتفع من 800 عضو إلى ثلاثة آلاف عضو في عام 2012. بحسب معلومات اوردتها صحيفة وورلد تريبيون الأمريكية.
وجدير بالذكر ان القوى الأمنية تعتقل بين فترة وأخرى مقاتلين عرب الجنسية وأمراء وقادة في تنظيم القاعدة ومن مناطق مختلفة آخرها اعتقال قياديين عرب وبحوزتهم منشورات تحريضية في قضاء البعاج غرب الموصل.
وكانت شرطة نينوى قد اعلنت، في شهر ايلول الماضي، عن وجود وكر كبير في المحافظة لكبار القادة العرب والعراقيين في التنظيمات المسلحة المتسللين من سوريا. كما القي القبض على ما يسمى بوزير الزراعة.
ويعتقد مراقبون أن التنظيم قد يلجأ الى وجود اوكار جديدة له في محافظات ديالى والبصرة وصلاح الدين وكركوك. وأقرت وزارة الداخلية العراقية ان تنظيم القاعدة يسعى إلى تعزيز وجوده من خلال العمل على تشكيل مجاميع مسلحة جديدة، مكونة من عناصر يحملون جنسيات مختلفة يتلقون تدريبات في مناطق صحراوية غرب العراق. ويعمل في مناطق سنية يتعاون معه ضباط أمن في هذه المناطق.
وان التنظيم أقام خمسة معسكرات تدريب صحراوية في الأنبار ويتلقى أموالا من دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية، حيث حذر مسؤولين عراقيين من عمليات واسعة للقاعدة في العاصمة بغداد.
وبحسب مسؤولين عراقيين وأميركيين فإن تنظيم القاعدة يعمل حاليا على إعادة تعزيز وجوده، وفي احصائية أخرى تقول أن عدد المقاتلين التابعين لمجاميع التنظيم ارتفع في غضون عام واحد في العراق من 1000 إلى نحو 2500 مقاتل.
وبطبيعة الحال يعمل قادة المجاميع الارهابية الجُدد بقوة واندفاع نحو تجنيد مقاتلين جُدد وهذا يترجم حركة التنظيمات الارهابية بشكل أكثر وضوحا من خلال الأعمال التي تنفذ. ورغم أن هؤلاء القادة يفتقرون الى الخبرة الكافية لكنه يجدي في عمل التنظيمات الارهابية كاستراتيجية للحرب الدولة.
السبب الثالث: ملاذات آمنة
لازالت مناطق عراقية تأوي تنظيمات ارهابية ووفرت لهذه التنظيمات ملاذات آمنة، وبعد عقد من الزمان على دخول القوات الأمريكية العراق ورغم الرهانات على انهاء ملف الإرهاب لازالت هناك مناطق في شمال وغرب ومحيط بغداد، تعمل وبقوة. ولا شك ان هناك مجاميع وخلايا في جميع محافظات العراق تترصد وتنتظر من أجل ان تحدث عمل إرهابية مستغلة فجوة او فراغ او مناسبة ما.
ولاشك ان التحديات الارهابية كبيرة تقف خلفها اجندات دولية فأتباع التنظيمات الارهابية مستمرون في تجنيد الشباب وفي مدن مختلفة من العالم فأزمة الإرهاب اصبحت دولية.
ويرى محللون أن هذا الإهمال سيثير قلقا لن يقتصر على مدينة معينة بل ربما يمتد الى مناطق أخرى ودول أخرى. وفي جانب معالجة الثغرات الأمنية ينبغي ان تكون هناك حكومة ديمقراطية وبالتالي توفر هذه الحكومة فرصة للحصول على حلفاء لمجابهة الارهاب الذي تسعى من خلفه جهات تريد الانتقام من الحكومة فهناك من يعتبر انه قد خسر الكثير عندما استلم الشيعة الحكم في العراق وان هناك طوائف وقعت ضحية، ومع الاسف نجد ان بعض الساسة العراقيين عززوا تلك المشاعر والأفكار.
والحل يمكن ان يكون بوجود تحالفات قوية وعمل جاد مع رموز ورجال من جميع المدن العراقية بعد ان يتم استقراء المناطق ودراسة الأوضاع بصورة جادة ومتابعة حثيثة وبمشاركة جهاز مكافحة الارهاب وفرق القوات الخاصة مع الأجهزة الأمنية الأخرى. ويمكن القول ان تعزيز قوى الأمن والاحتفاظ بها كوجود دائم قد يكون تجربة ناجحة، على ان يكون لهذه القوات قدرة وذكاء عند التعامل مع ملف الارهاب والعنف.
ويتوجب على الحكومة العراقية في نهاية الأمر اجراء تحالف قوي لمساعدتها بالحد من نفوذ المتطرفين وكذلك الأفكار التي تبث بين صفوف الشباب. فان الحكومة العراقية واجهزتها لم تجتهد كثيرا في هذا الاتجاه.
السبب الرابع: هشاشة الاستقرار السياسي والاقتصادي
لاشك ان هذا السبب قديم جديد فان بعض قادة الدول وخصوصاً المجاورة متخوفون من الاستقرار السياسي فأنه قد ينقلب سلباً على الأنظمة الحاكمة في الدولة المعنية فالعملية السياسية في العراق مدعومة بجهود دولية تنشد التقدم الديمقراطي وهناك قوى مختلفة تتنافس عبر الانتخابات، كما ان الاستقرار الاقتصادي قد يجعل من هذه الدول تقف في موضع المتأخر لأن العراق وثرواته قد يتصدر الاهتمام الدولي وبالتالي سيكون هناك تقدم اقتصادي قد يؤثر على سياسة باقي الأنظمة العربية.
ويرى خبراء اقتصاديون ان الارهابيين يفكرون بطرق حديثة تواكب مسيرة المتغيرات الاقتصادية، ويعملون على انتهاز فرص التقدم العلمي والتقني في تحويل الأموال والأفكار على حد سواء، من خلال الأنظمة المصرفية العالمية وشبكات الإنترنت...
خلاصة
في ظل التحديات القائمة لا يمكن أن تضع الحكومة العراقية نفسها في موقع المنتصر، ومن هنا يتضح عدد من المعايير السياسية والأمنية أمام الحكومة وأجهزتها الأمنية ان تلتزم بها.
أولا، مناطق الخوف والتحدي.
تعتبر المناطق المشتبه بها والقريبة من المدن تشكل خطرا كبيرا وبالتالي يجب التصدي لها عبر خوض عمليات قتالية تعزز دعم المؤسسات الأمنية. ولاشك ان المناطق الزراعية والصحراوية تشكل تهديدا مستمرا على المدن.
كما ينبغي الالتفات الى عمل الخلايا السرية التي تعمل من أجل احداث خلل تبغي السيطرة على بعض المناطق وتعمل باسم غير القاعدة من أجل حماية التنظيمات الارهابية من الهجوم عليها.
وربما يعمل تنظيم القاعدة بعد الضعف الذي اصيب به لبناء قاعدة سرية في المناطق النائية وحتى المدن ليتمكن التنظيم من الانطلاق مستقبلا لزعزعة استقرار عمل الحكومة.
بشكل عام، يجب على أجهزة الأمن أن تتسم بالقدر العسكرية الفاعلة واقامة علاقات واتصالات عميقة مع الجهات الساندة وهذا يقع ضمن مجال عمل أجهزة الاستخبارات. ويتطلب وجود قيادات أمنية بعد اجراء تقييم مهني دقيق لمستوى القيادات.
ثانيا، تجفيف منابع الارهاب وتمويله.
تتلقى التنظيمات الارهابية دعماً مادياً عبر دول عديدة تعارض مصالح العراق. كما ان القاعدة وباقي المنظمات الارهابية تعمل تمول نفسها داخليا من خلال القيام بأعمال مختلفة، مثل الخطف والاستفزاز، والسرقة...، لذا فعلى الحكومة العراقية أن تكافح هذا التمويل، ويؤكد مختصون وخبراء اقتصاديون على ضرورة تنفيذ جملة اتفاقات وحملات دولية تضيق الخناق على حركة رؤوس الأموال المشتبه بها والتي تقف خلفها جهات لها علاقة بالتنظيمات الارهابية.
ثالثا، التزام مجاميع الصحوات والاسناد.
يلزم ضم الجماعات التي تحمل السلاح بوجه الارهاب الى مؤسسات الدولة بشكل رسمي، على تكون هذه المجاميع منظمة ومدربة ومدعومة من قبل الدولة، وتشرف عليها جهات مختصة.
رابعا، تقييم عمل الأجهزة الأمنية.
تحتاج العديد من المؤسسات الأمنية الى تشخيص ذاتي لأنظمتها وشبكاتها ومعلوماتها. هذا التشخيص يعتبر مهماً واستراتيجياً وتفتقر هذه المؤسسات الى التفكير النقدي والأدوات التقنية والرؤية الى التهديدات التي يمكن أن تضر بأمن الدولة، وبعد ذلك يتم تحديد المخاطر والأولويات وايجاد العلاج للمشكلات.
من هنا ينبغي ان يكون هناك تقييم مستمر لأداء عمل الأجهزة الأمنية وان يكون هناك مواصفات قيادية ومهارات عسكرية يتمتع بها قادة الأجهزة الأمنية.
ولا شك ان هناك بعض الناشطين من السياسيين وممن يمتلكون خبرات أمنية يبغون العمل مع الحكومة على انهاء ملف الإرهاب وبالتالي سيقلل ذلك من تفكير هؤلاء الناشطين من الاحتكاك بالتنظيمات الارهابية. وإذا كانت الحكومة العراقية تريد ان تحظى بدعم المحافظات التي تعاني الارهاب عبر الوجود العسكري فعليها أن تحسن من أدائها وان تتفاعل مع قادة امنيين يتمتعون بمهارات عسكرية عبر الوصول الى تسوية مع بعض القادة ممن كانوا في النظام السابق وممن لم يشاركوا بأية جرائم.
كما أن لبعض المدنيين نشاطات فاعلة بهذا الاتجاه وعلى الحكومة العراقية ان تتعامل مع العناصر الفاعلة في المجتمع عبر الادارات المحلية وان تساعد المدنيين من خلال بناء علاقة جيدة مع السياسيين ورجال الأمن.
خامسا، التعاون والالتزام بالواجب العسكري.
وهي نقطة مهمة تتعلق بالتزام قوات الأمن بالواجبات المناطة اليها. كما يجب على افراد الأمن التحلي بالصبر والقدرة وتحمل ضغوط العمل وتنفيذ الواجب بأكمل وجه.
ويجب ان تكون هناك رؤية أكثر شمولية للقيادات العسكرية وتنسيق بين مختلف الدوائر الأمنية بشكل مهني ودقيق ومعلومات متبادلة. ويؤدي ذلك إلى منح القوات الأمنية طمأنينة توحي بأن الجميع متعاون وبالتالي سيكون هناك وضع عسكري جيد ومنضبط.
سادساً، تطهير الأجهزة الأمنية.
تشير معلومات الى أن قسم من أجهزة الأمن مخترقة وهناك عناصر تعمل من أجل تمرير قوانين جزئية تسمح بتسهيل عمل الارهابيين ولابد من تطهيرها من المفسدين. ويعتبر الفساد عاملا مشاركا بقوة في تقويض الأمن مما ينبغي التصدي بقوة وحزم على معالجة الفساد والروتين داخل مؤسسات الدولة.
ومن هنا يتضح ان المجاميع الإرهابية في العراق لها قاعدة دعم قوية تعمل على وضع العراق يعيش حالة صراع سياسي وأمني، وينبغي على الحكومة العراقية ان تجد شراكة سياسية حقيقية وان تكون هناك تحالفات وطنية قوية عبر التوصل الى تفاهم سياسي أمني مع مختلف الجهات السياسية وان يكون هناك اتفاق في الرأي على رص الصفوف والابتعاد عن الفرقة. كما ان للعراق اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية ينبغي ان يستغلها بصورة صحيحة وان يضغط باتجاه عدم التدخل بشؤون العراق من قبل هذه الأنظمة.
[email protected]
أقرأ ايضاً
- التعدد السكاني أزمة السياسة العراقية القادمة
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى