حجم النص
بقلم حسين درويش العادلي
هل تكون Plan C إنموذجاً لحل أزمات الدول الفاشلة الفاقدة للوحدة الوطنية والغارقة في صراع الهويات السياسية؟ وهل التقسيم المبطن أو الناجز هو الحل الأوحد لتضاد القوميات والطوائف والقبائل التي تشكل مادة الدولة الوطنية هنا وهناك والفاقدة لقدرة التعايش؟ وهل إنموذج Plan C سيسود لتلبية طموح الأحزاب الفئوية ونخب الملل الغارقة في الذاكرة التاريخية والمتقوقعة في شرانق قومياتها ومذاهبها والداخلة في حروب ضروس سعياً وراء السلطة بأي ثمن؟
من جانب آخر، هل يمكن من خلال انموذج Plan C الإستدلال على طريق تفكير بعض الدوائر الغربية المؤثرة في رسم الجغرافيا السياسية –الداخلية والإقليمية- للعديد من الدول المضطربة؟ وهل هي بداية العد العكسي لسناريوهات الحروب البينية بين دويلات ستتقاتل انطلاقاً من تعصبها وتعنصرها وتمذهبها ومصالحها الضيقة؟
Plan C
Plan C هي الخطة ج، أو الخيار الثالث،.. وهو اسم المشروع الذي تعكف على دراسته الآن الدوائر الأميركية والبريطانية المعنية بالشأن الأفغاني. صاحب المشروع هو البرلماني البريطاني توبياس إيلوود.
لتلافي الفوضى والحروب الأهلية بعد انسحاب القوات الأجنبية في 2014م من أفغانستان، يقترح توبياس إيلوود تقسيم أفغانستان الى ثمان ولايات شبه مستقلة مع مركز شرفي للرئيس لضمان عامل الوحدة بين الكيانات السياسية الجديدة.
بعبارة، فإنَّ مشروع الخيار الثالث يقضي بتقسيم الدولة الأفغانية لممالك لتلبية الطموح السيادي والمصالحي للقوميات والقوى السياسية (بما فيها طالبان) وأمراء السلطة،.. إنَّ مشروع الخيار الثالث يعلن موت وحدة الدولة الأفغانية التي ستبتعلها الدويلات الأفغانية،.. وهو حل يفرضه الفشل في إرساء وحدة وطنية تعبر عن كافة مواطني الدولة الأفغانية، وتفرضه الحروب الدائمة بين قومياتها وقبائلها وأمراء الحرب والسلام فيها.
مؤامرة
يحاجج البعض بأنَّ مخططات تقسيم الدول إنما هي مؤامرات أميركية غربية بامتياز، وأنَّ رؤية مراكز القرار الدولي تتمحور حول إعادة إنتاج جديدة للجغرافيا السياسية لأكثر من دولة وبالذات في العالمين العربي والإسلامي حماية للمصالح الستراتيجية للدول الكبرى،.. سيكون هناك أكثر من سايكس بيكو سيغير وجه المنطقة ويحدث انقلاباً في ثوابتها الراسخة لعقود خلت.
هل هذا يكفي؟
هل يكفي القول بوجود مؤامرات أميركية غربية لتفسير جميع هذه التداعيات والإنقسامات والتشرذم الحاصل والذي سيحصل لشعوب ودول المنطقة؟ المؤامرات موجودة وستبقى، إنها جزء من حرب المصالح الذي لا تتخلى عنه دولة صغيرة كانت أم كبيرة، هي حرب تتجدد وتتموضع وتتجلى حسب متغيرات التاريخ إن لم تكن هي الصانعة للتاريخ. بالمناسبة، ليس هناك فئة أو أمة أو دولة لا تمارس الدفاع عن مصالحها وتتحرى مختلف الوسائل لتحقيقها، بمعنى ليس هنالك من جهة لا تدخل حرباً مصلحية على تعدد مصاديق المصالح السياسية والإقتصادية والثقافية،.. أصلاً التاريخ هو سجل حروب لمصالح متضادة لأفراد وجماعات وأمم ودول.
المؤامرات موجودة وستبقى، إنه تنافس كوني وراء مصادر الثروة ومناطق النفوذ لتحقيق المصالح،.. ومنطقتنا هي مركز تقاطع كوني للثروة والجغرافيا، لذا هي مورد اهتمام استثنائي للعالم، لا ولن تترك.
المؤمرات موجودة وستبقى، ولكن، هل يعفينا هذا من تحمل مسؤولية انهيار أممنا ودولنا، وما هو دورنا المعلن والمبطن في تحقيق مصالح الآخرين على حساب مصالح أممنا ودولنا؟ ما هي الأسس والمعايير والسياسات التي تم اعتمادها في بناء مجتمعاتنا ودولنا والتي كانت ومازالت حاضناً للتشرذم المستدعي لتمرير المؤامرات؟
مّن نحن
بمرارة، نحن -بالأعم الأغلب والى هذه اللحظة التاريخية- مجتمع المجتمعيات الضيقة المتحيزة المنكفئة والرافضة للآخر الوطني، مجتمع العصبيات المذهبية والقومية والقبلية والمناطقية الغارقة في هوياتها الخاصة على حساب الهوية الإنسانية والهوية الوطنية الكلية،.. فشلنا بإنتاج دول المواطنة فأنتجنا دول القوميات والمذاهب المحتكرة للسلطة والقامعة للآخر الوطني المختلف عرقاً أو طائفة أو مذهباً سياسيا،.. وفشلنا بخلق المشترك الوطني فتضخمت لدينا الهويات السياسية الفرعية التي تسعى إما لإبتلاع الدولة أو للإنفصال عن الشريك الوطني الآخر،.. فشلنا في التعايش المستند الى قبول الآخر المختلف، فشلنا إنسانياً في تحري المشترك الإنساني المحقق لخصوصية ومصالح كل فئة فساد الصراع والإحتراب.
نحن –الى هذه اللحظة- مجتمع تسوقه الذاكرة التاريخية كعصبيات تنتج عصبويات عضوية تنفي الآخر، تكفره، تخونه، لتؤسس بالتبع للإستعباد والإستبعاد للآخر شريك الأرض والمصلحة والمستقبل.
إنموذج الدولة الذي أنتجناه طيلة العقود المنصرمة فشل، فشل كقيم واشتراطات وحواضن وسياسات، لقد أنتجنا دولة الإستبداد المحتكرة قومياً مذهبياً حزبياً نخبويا،.. أنتجنا دولة العرق والمذهب والقرية والرمز الضرورة ولم ننتج دولة الجمهور والمدنية والمؤسسة،.. لقد أنتجنا مسمى دول، كيانات سلطة تحتال على مفهوم الدولة وفسلفتها ووظائفها، مسمى دول خالية من ضمانات المواطنة والديمقراطية الحاضنة للحقوق والحريات المدنية السياسية الإقتصادية الثقافية.
لأننا لم ننتج مجتمعاً سياسياً فقد فشلنا بانتاج دولة الجمهور، وبفشل دولة الجمهور الوطني بقينا مجمع مجتمعيات إثنية عرقية طائفية مناطقية لا ترى غير هوياتها الذاتية ولا تدافع إلاّ عن مصالحها الخاصة،.. وبالنتيجة تم تغليب الجماعة على المجتمع والسلطة على الدولة والمكوّن على السلطة والحزب على المكوّن والرمز على الحزب..الخ فتعددت الهويات والسلطات والمصالح لتفترس المجتمع الوطني ولتبتلع الدولة والهوية الوطنية.
المجتمعات الفاقدة للوحدة الذاتية المتأتية من التعايش والتسامح وقبول الآخر، والدول الفاشلة القائمة على أساس من أفكار التعنصر والإستبداد والإحتكار والفساد،.. هكذا مجتمعات ودول إنما تحمل جرثومة الفناء في أحشائها سواء كانت هناك مؤامرات أم لم تكن.
هل الخيار الثالث حلا
ترى بعض الدوائر المعنية بالشأن الدولي أن مشروع Plan C هو نموذج جار تحقيقه لأكثر من دولة تعاني التصدع الداخلي، وأن توزيع السلطة والثروة لتلبية الطموح السيادي للقوميات والطوائف والإثنيات هو الحل، وأن التعايش السلمي لمكونات الدول المنقسمة على نفسها عرقياً وطائفياً وقبائلياً ومناطقياً مستحيل دون تسلح مكوناتها بمقومات السلطة التي ستدار بالتبع من خلال توافقها على المصالح. إن مشروع Plan C أو الخطة ج أو الخيار الثالث هو مشروع فدرلة بشكل وآخر،.. إنه إعادة إنتاج الجغرافيا السياسية الداخلية للدول على أساس من فكرة المكونات السيادية التي تمتلك كافة مقومات الدولة لكن ضمن الدولة.
هل الفدرلة حلا؟
هل الفدرلة حلاً للمجتمعات المنقسمة والدولة الفاشلة؟ هل يمكن للمشروع الفدرالي أن ينجح في بيئة مجتمعية وسياسية وثقافية تقليدية متصارعة متنافرة مخترقة تأن من الذاكرة وتعاني رسوخ العصبيات وتعيش هوياتها المنغلقة؟ أم هو مقدمة لتقسيم ناجز للدول؟
في تصوري ستقود الفدرلة مع غياب اشتراطاتها وحواضنها الى التقسيم، فلا يمكن تركيب نظام سياسي وشكل للدولة دون بنى تحتية قادرة على استيعابه وهضمه. يجب ألاّ ننسى صعوبة تطبيقات النظام الفدرالي حتى في الدول صاحبة البنى التحتية المجتمعية السياسية الإقتصادية المتطورة،.. حالياً النموذج البلجيكي يعاني من تصدع رغم البنى المتطورة والتجربة التاريخية.
النظام الفدرالي معقد غير بسيط وغير انسيابي وإرضائي يفتقد مبدأ الحسم، فإدارة الدولة تمر من خلال سلسلة اتفاقات وتوافقات عرقطائفية طويلة ومعقدة وإرضائية،.. وأيضاً يمتاز النظام التوافقي بتعطيل السلطة الإتحادية من خلال خلقه لنظام التوازن السلبي في الحكم، فبما أنَّ الكل مسلح بالفيتو، فسوف يخلق الفيتو توازن بين قوى المكونات المجتمعية في صراعها حول السلطة والثروة والسيادة.
تحتاج نخب الدول المنقسمة مجتمعياً وسياسياً إلى لحظة وعي وإرادة لحسم مصير دولها، إما إعادة الإنتاج على أساس من المواطنة الديمقراطية المدنية، وإما الإتفاق على تقسيم الدولة،.. الخيار الثالث ليس حلاً، إنه إعادة انتاج للإنقسام والإحتراب بصيغ جديدة.
رئيس مركز وطن-بغداد
[email protected]
أقرأ ايضاً
- هل حصلت مناعة القطيع (Herd Immunity) في العراق ضد فيروس كورونا المستجد COVID-19؟
- هل لفايروس كورونا (COVID-19) ان يمنع التصويت على كابينة الكاظمي؟
- العراق والنفط وأتفاق +OPEC