- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
لمحات من السيرة العطرة لفاطمة الزهراء(ع) / الجزء الثالث
حجم النص
بقلم:عبود مزهر الكرخي
ونستمر في بحثنا للسيرة العطرة لمولاتنا وسيدتنا فاطمة الزهراء(عليها السلام) والتي كلما نغوص فيها نجد الكثير من المعاني والدلالات والتي هي كالدر والتي يجب على كل موالي ومسلم إن يقرأها ليستنبط كل الدروس من هذه السيرة العظيمة لسيدة نساء العالمين.
ونحن عندما نبحث في التاريخ ونستخلص كل الأمور المفيدة والإيجابية والتي هي مهمة لكي نعرف تاريخنا الذي شابه الكثير من التحريف والتزوير ومافيه من التدليس الشيء الكثير ولهذا نحن نقوم بمراجعة التاريخ ووضع النقاط على الحروف لكي نستخرج الزبدة والشيء الصحيح الخالي من كل أنواع الكذب والتدليس والتحريف والتي ما قصروا فيها من وعاظ السلاطين والكتاب من عبيد الدرهم والدينار وبتوجيه من حكامهم وفي مقدمتهم بني أمية وبني العباس.
وقد يقول الكثير أن هذا نبش للتاريخ ولاداعي له! ونحن نقول هذا ليس نبش للتاريخ بل هو استقراء له وتصحيح ما فيه من حوادث ومفاهيم خاطئة ونحن نقول أن القرآن وفي كتابه الكريم قد أستعرض حادثة فرعون والنبي موسى (ع) وكذلك قصة النبي يوسف وما جرى فيها والكثير من الأمور والتي ذكرها في محكم كتابه فهل هذا هو نبش للتاريخ أم هو قصص وعبرة وهذا مصداق لقوله سبحانه وتعالى {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(1).
ثم من يأتي ويقول أنها امم من قبلنا ويستشهد بالقول {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(2) وهذا غير صحيح لأن الأمم تلك وكما في التفسير هي قصص لأمم قد ذهبت وأمم من أديان أخرى وأمم اندثرت .
ونحن نبحث في تاريخ امتنا ونصحح ما به من اعوجاج وما شابه وكما قلنا من تدليس لنضع النقاط على الحروف ولهذا نحن نبحث في هذه الأمور والخاصة بأهل بيت النبوة(سلام الله عليهم أجمعين) والذين نالوا ما نالهم من هذا الظلم الذي ذكرناه الشيء الكثير وبشكل لايصدقه العقل والمنطق.
ولنورد حادثة كدليل على كلامنا وهو ما يخص سيدتي ومولاتي خديجة الكبرى(ع) وهل كانت عذراء أم هي متزوجة من قبل ولنورد الحادثة كما هي ومن خلال الكثير يذكرون أن السيدة خديجة هي لم تتزوج من قبل وإنها كانت عذراء ليصل الأمر أن بنات الرسول وهي زينب وأم كلثوم هي ربائب لخديجة وهذا التفسير أوردناه إليكم لأنه أبضاً يخص سيدتنا فاطمة الزهراء باعتبارها وحسب هذا التفسير هي الابنة الوحيدة لنبينا الأكرم محمد(ص) والذي تقرؤونه وكما يلي :
هل تزوجت خديجة بأحد قبل النبي (صلى الله عليه وآله) ؟ !
ثم إنه قد قيل : إنه ( صلى الله عليه وآله) لم يتزوج بكرا غير عائشة, وأما خديجة, فيقولون : إنها قد تزوجت قبله ( صلى الله عليه وآله) برجلين, ولها منهما بعض الأولاد . وهما عتيق بن عائذ بن عبد الله المخزومي, وأبو هالة التميمي . أما نحن فنقول : اننا نشك في دعواهم تلك, ونحتمل جدا أن يكون كثير مما يقال في هذا الموضوع قد صنعته يد السياسة . ولا نريد أن نسهب في الكلام عن اختلافهم في اسم أبي هالة, هل هو النباش بن زرارة أو عكسه, أو هند, أو مالك, وهل هو صحابي أولا . وهل تزوجته قبل عتيق . أو تزوجت عتيقا قبله . ولا في كون هند الذي ولدته خديجة هو ابن هذا الزوج أو ذاك, فإن كان ابن عتيق, فهو أنثى وإلا فهو ذكر . وأنه هل قتل مع علي في حرب الجمل, أو مات بالطاعون بالبصرة . لا, لا نريد أن نطيل بذلك, وإنما نكتفي بتسجيل الملاحظات التالية :
أولا : قال ابن شهرآشوب : ( وروى أحمد البلاذري, وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما, والمرتضى في الشافي, وأبو جعفر في التلخيص : أن النبي (صلى الله عليه وآله) تزوج بها, وكانت عذراء . يؤكد ذلك ما ذكر في كتابي الأنوار والبدع : أن رقية وزينب كانتا ابنتي هالة أخت خديجة .
ثانيا : قال أبو القاسم الكوفي : {إن الاجماع من الخاص والعام، من أهل الانال ( الآثار ظ ) ونقلة الأخبار, على أنه لم يبق من أشراف قريش, ومن ساداتهم وذوي النجدة منهم, إلا من خطب خديجة, ورام تزويجها, فامتنعت على جميعهم من ذلك, فلما تزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله) غضب عليها نساء قريش وهجرنها، وقلن لها : خطبك أشراف قريش وأمراؤهم فلم تتزوجي أحدا منهم, وتزوجت محمدا يتيم أبي طالب, فقيرا, لا مال له ؟ ! فكيف يجوز في نظر أهل الفهم أن تكون خديجة, يتزوجها إعرابي من تميم, وتمتنع من سادات قريش, وأشرافها على ما وصفناه ؟ ! ألا يعلم ذوو التمييز والنظر : أنه من أبين المحال, وأفظع المقال.؟!}
وأما الرد على ذلك بأنه لا يمكن أن تبقى امرأة شريفة وجميلة هذه المدة الطويلة بلا زواج . فليس على ما يرام, لان ذلك لا يبرر رفضها لعظماء قريش وقبولها بأعرابي من بني تميم .
وأما كيف يتركها أبوها أو وليها بلا تزويج . فقد قلنا : أن أباها قد قتل في حرب الفجار، وأما وليها, فلم يكن له سلطة الأب ليجبرها على الزواج ممن أراد . وبقاء المرأة الشريفة والجميلة مدة بلا زواج ليس بعزيز .
إذا كانت تصبر إلى أن تجد الرجل الفاضل الكامل, الذي كان يعز وجوده في تلك الفترة .
ثالثا : كيف لم يعيرها زعماء قريش الذين خطبوها فردتهم, بزواجها من أعرابي بوال على عقبيه ؟ !
رابعا : لقد ذكروا : أن أول شهيد في الإسلام ابن لخديجة رحمها الله, اسمه الحارث بن أبي هالة, استشهد حينما جهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالدعوة .
ونقول : إن ذلك لا يمكن قبوله, حيث قد روي بسند صحيح عندهم, عن قتادة : أن أول شهيد في الإسلام هو سمية والدة عمار, وكذا روى عن مجاهد .
وعن ابن عباس : ( قتل أبو عمار وأم عمار, وهما أول قتيلين قتلا من المسلمين ) . إلا أن يدعى : أن سمية كانت أول من استشهد من النساء, والحارث كان أول من استشهد من الرجال . ولكنه احتمال بعيد, ومخالف لظاهر كلماتهم, لا سيما وأن كلمة شهيد تطلق على الذكر والأنثى بلفظ واحد, مثل قتيل وجريح . فإن معنى كلمة : ( شهيد ) : شخص, أو ذات ثبتت لها صفة الشهادة, لان المشتقات تدل على ذات ثبت لها وصف ما, فكلمة تقي معناها : شخص له التقوى, وقائم أيضا كذلك . وكلمة شخص أو ذات أو نحوها تصدق على الرجل على حدة, وعلى المرأة كذلك, وعلى كليهما معا .
وعلى هذا الأساس نفسر كلمة : طلب العلم فريضة على كل مسلم, بحيث يشمل الرجل والمرأة معا . أما إذا كان المشتق فيه { أل ) الموصولية}, مثل القائم والمتقي, فإن الامر يصبح أوضح وأجلى, وذلك لان ( أل ) بمنزلة ( الذي ) فالقائم معناه الشخص الذي له القيام . فيصح أن يراد بها الرجل, والمرأة، وهما معا أيضا . وعلى هذا الأساس جرت التعابير القرآنية, مثل : المتقين, المؤمنين الشاكرين الخ . . فإنها تشمل الرجل والمرأة على حد سواء . وذلك واضح لا يخفى . فتلخص مما تقدم : أن هذا النص لا يدل على وجود ابن لخديجة, ما دام أنه قد ثبت حصول الكذب في جزء منه . ولعل هذا الكذب قد جاء لأجل الايحاء بطريق غير مباشر بأن لخديجة ولدا من النبي ( صلى الله عليه وآله), وأن ذلك غير قابل للنقاش - ولكن - قد قيل : لا حافظة لكذوب} .
خامسا : لقد روي أنه كانت لخديجة أخت اسمها هالة, تزوجها رجل مخزومي, فولدت له بنتا اسمها هالة, ثم خلف عليها - أي على هالة الأولى - رجل تميمي يقال له : أبو هند, فأولدها ولدا اسمه هند .
وكان لهذا التميمي امرأة أخرى قد ولدت له زينب ورقية, فماتت, ومات التميمي, فلحق ولده هند بقومه, وبقيت هالة أخت خديجة والطفلتان اللتان من التميمي وزوجته الأخرى ؟
فضمتهم خديجة إليها, وبعد أن تزوجت بالرسول ( صلى الله عليه وآله) ماتت هالة, فبقيت الطفلتان في حجر خديجة والرسول (صلى الله عليه وآله). وكان العرب يزعمون : أن الربيبة بنت, ولأجل ذلك نسبتا إليه (صلى الله عليه وآله), مع أنهما ابنتا أبي هند زوج أختها وكذلك كان الحال بالنسبة لهند نفسه . ولربما يمكن تأييد هذه الروايات بما ورد من الاختلاف في اسم والد هند, فلتراجع المصادر التي ذكرناها ثمة(3) .
ولنأتي إلى الدليل الدامغ وإلى هذا الحديث الشريف من قبل الرسول الأعظم محمد(ص) بحق علي(ع) وهو قد روي عن أبي الحمراء، عن النبي [صلى الله عليه وآله] قوله: «ياعلي أوتيت ثلاثا، لم يؤتهن أحد ولا أنا، أوتيت صهرا مثلي، ولم أؤت أنا مثلي. وأوتيت صديقة مثل ابنتي، ولم أوت مثلها [زوجة]. وأوتيت الحسن والحسين من صلبك، ولم أوت من صلبي مثلهما، ولكنكم مني، وأنا منكم»(4).
وقريب منه ما روي عن أبي ذر، مرفوعاً.(5)
فلو كان ثمة صهر لرسول الله [صلى الله عليه وآله] غير علي [عليه السلام]، لم يصح قوله [صلى الله عليه وآله]: «أوتيت صهرا مثلي، ولم أوت أنا مثلي..» لا سيما وأن هذا الكلام قد جاء بعد ولادة الحسنين [عليهما السلام]. إذ أن الإشكال يصبح ظاهراً، فإن هذه الفضيلة لا تختص بعلي [عليه السلام]، بل يشاركه فيها عثمان.
ونحن ذكرنا هذا الشاهد للتوضيح وأخذ العبرة في تناولنا لمظلومية أهل البيت والزهراء بالخصوص (سلام الله عليهم أجمعين) والذي قد يكون قد نحي عن بحثنا ولكن وباعتقادي المتواضع هو يدخل في صميم البحث.
الولاية التكوينية والولاية التشريعية :
سوف نقوم في هذا الباب بشرح هذين الولايتين والتي يستند اليها كل شيعي في كل فقه وأن الكثير من المذاهب لا تعترف بذلك ليصل الأمر بقولهم على ان النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يملك من أمره شيئاً إلاّ ماملّكه الله بشكل طارئ ... وأيضا الأنبياء ونحن نقوم بشرح موجز بذلك لأنه بحث فقهي معقد ولكن لا بأس من المرور عليه ولنأتي الى مفهوم هذين المفهومين وحسب حسب استفتاء لآية الله السيد محمد صادق الروحاني .
المراد بالولاية التكوينية كون زمام أمر العالم بيد الولي وله السلطنة على جميع الأمور بالتصرف فيها كيف ما شاء إعداماً أو إيجاداً، وكون عالم الطبيعة منقاداً للولي، ومن هذا الباب معجزات الأنبياء والأولياء وهي ثابتة للنبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام.
والولاية التشريعية لها مراتب ومعان :
1 ـ وجوب الطاعة وقبول قول الولي في الوظائف الشرعية.
2 ـ ثبوت منصب الحكومة والرئاسة الدنيوية بإدارة شؤون الأمة للولي.
3 ـ نفوذ كل تصرف من الولي في أموال الناس وأنفسهم.
4 ـ وجوب إطاعة الولي في أوامره الشخصية العرفية الراجعة مصلحتها إلى الولي.
وجميع هذه المعاني ثابتة للنبي صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم. السلام.(6)
ومن هنا فأن الولاية التكوينية هي تفويض من الله سبحانه وتعالى إلى النبي أو الولي وهذا مايذكره
وفي الكلمات المكنونة للمولى العارف الكامل الفيض الكاشاني ( رضوان الله تعالى عليه ) كلمة فيها اشارة إلى النبوة والولاية : الإنسان الكامل إما نبي أو ولي ولكل من النبوة والولاية اعتباران : اعتبار الإطلاق ، واعتبار التقييد ، أي العالم والخاص . فالنبوة المطلقة وهي النبوة الحقيقية الحاصلة في الأزل ، الباقية إلى الأبد ، وهو اطلاع النبي المخصوص لها على استعداده من حيث انه الإنباء الذاتي والتعليم الحقيقي الأزلي المسمى بالربوبية العظمى والسلطنة الكبرى . وصاحب هذا المقام هو الموسوم بالخليفة الأعظم ، وقطب الأقطاب ، والإنسان الكبير ، وآدم الحقيقي المعبر عنه بالقلم الأعلى ، والعقل الأوّل ، والروح الأعظم ، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((أول ما خلق الله نوري ، وكنت نبياً وآدم بين الماء والطين)) ونحو كان أو وليا ، رسولا كان أو وصيا . وباطن هذه النبوة هي الولاية المطلقة ، وهي عبارة عن حصول هذه الكمالات بحسب الباطن في الأزل وبقائها إلى الأبد ، ويرجع إلى فناء العبد في الحق وبقائه به ، وإليه الإشارة بقوله : ((أنا وعلى من نور واحد ، وخلق روحي وروح علي ابن ابي طالب قبل أن يخلق الخلق بألفي عام)) ، وبعث علياً مع كل نبي سراً ومعي جهرا ، وبقول أمير المؤمنين عليه السلام : ((كنت وليا وآدم بين الماء والطين إلى غير ذلك)) . والنبوة المقيدة هي الأخبار عن الحقائق الإلهية أي معرفة ذات الحق وأسمائه وصفاته وأحكامه ، فان ضم مع تبليغ الإحكام والتأديب بالأخلاق والتعليم ، وبالحكمة والقيام بالسياسة ، فهي النبوة التشريعية وتختص بالرسالة ، وقس عليها الولاية المقيدة . فكل من النبوة والولاية من حيث هي صفة إلهية مطلقة ، ومن حيث استنادها إلى الأنبياء والأولياء مقيدة ، والمقيد متقوم بالمطلق ، والمطلق ظاهر في المقيد فنبوة الأنبياء كلهم جزئيات النبوة المطلقة ، وكذلك ولاية الأولياء جزئيات الولاية المطلقة ، ولكل من الأقسام الأربعة ختم ، أي مرتبة ليست فوقها مرتبة أخرى ، ومقام لانبي على ذلك المقام ولاولي سوى الشخص المخصوص به ، بل الكل يكون راجعا إليه وان تأخر وجود طينة صاحبه فانه بحقيقته موجودة قبله . وخاتم النبوة المطلقة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وخاتم الولاية المطلقة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والنبوة المقيدة إنما كملت وبلغت غايتها بالتدريج ، فأصلها تمهد بآدم عليه السلام ولم تزل تنمو وتكمل حتى بلغ كمالها نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ولهذا كان خاتم النبيين ، وإليه الإشارة بما روى عنه صلى الله عليه وآله وسلم : ((مثل النبوة مثل دار معمورة لن يبق فيها إلاّ موضع لبنة ، وكنت انا تلك اللبنة)) ، أو لفظ هذا معناه . وكذلك الولاية المقيدة انما تدرجت إلى الكمال حتى بلغت غايتها إلى المهدي الموعود ظهورة ، الذي هو صاحب الأمر في هذا العصر ، وبقية الله اليوم في بلاده وعباده ( صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه المعصومين ) . وقال بعضهم (7) : الولاية هي قيام العبد بالحق عند الفناء عن نفسه ، وعند ذلك يتولى الحق إيّاه حتى يبلغه مقام القرب التمكين ، وشرحه بعضهم بقوله : الولاية مأخوذة من الولي وهو القرب ولذا يسمى الحبيب وليا ، لكونه قريبا من محبه ، وفي الاصطلاح : هو القرب من الحق وهي عامة وخاصة ، والعامة حاصلة لكل نبي آمن بالله وعمل صالحا ، والخاصة هي الفناء في الله ذاتا وصفة وفعلا ، فالولي هو الفاني في الله القائمن به الظاهر بأسمائه وصفاته . وعن السيد نعمة الله الجزائري رحمة الله قال : الولاية بقاء العبد بالحق في حال الفناء . وقيل : هي التخلق بأخلاق الله تعالى بأخلاق الله تعالى والفناء بعد الفناء وصحو بعد المحو . وقال السبزواري في شرحه على الاسماء الحسنى ص 9 : الولي له معان كثير منها : المتولي لأمور العالم التصرف فيه ، إلى ان قال : وهو بما هو ولي أتم وأكمل منه بما هو نبي.(8)
وقيل في الفرق بين النبوة والولاية : اعلم أن النبوة وضع الآداب الناموسية والولاية كشف الحقائق الآلهية ، فان ظهر من النبي تبين الحقائق فهو بما هو ولي ، فان كل نبي ولي ولا عكس ، لان النبي كآمر لها وجهان : وجه إلى الخلق ، ووجه إلى الخلق ، فولايته من وجهه إلى الحق ، ونبوته من وجهه إلى الخلق .
وقيل : النبوة وضع الحجاب ، والولاية رفع الحجاب ؛ لأنّ دفع الفساد أهم في نظر النبي ، وهو لا يتأتى إلاّ بوضع الحجاب .
وفي شرح الصحيفة السجادية على منشيها آلاف الثناء والتحية ماملخصه : الولي فعيل : بمعنى المفعول ، وهو من يتولى الله أمره كما قال تعالى : ( وهو يتولى الصالحين ) (9) وقيل : بمعنى الفاعل أي الذي يتولى عبادة الله ، ويوالي طاعته من غير تخلل معصية ، وكلا الوصفين شرط في الولاية.
ففي كتاب التوحيد من الكافي ، في باب النوادر باسناده عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل : ( ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها ) (10) قال : نحن والله الاسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلاّ بمعرفتنا (11) .
ولو رجعنا إلى قرآننا الكريم لوجدنا هذه السلطة التكوينية قد أعطاها الله سبحانه وتعالى في قوله تعالى {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(12)
وهذه أعطاها لنبيه عيسى(ع) وهي ولاية تكوينية لأنها تختص برب العزة والجلال هذه الأمور وهذه الولاية جاءت بىية من الله سبحانه وتعالى وأمر منه وهي بأذن منه مصداقاً لقوله تعالى {اذ قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك ـ إلى ان قال ـ واذ تخلق من الطين كهيئة الطير بأذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بأذني وتبريء الاكمة والابرص بأذني واذ تخرج الموتى} (13).
ومن هنا نسنتنج أن الله سبحانه وتعالى قد وضع هذا السر الآلهي عند عيسى وأعطاه هذه الولاية.
ونأتي إلى حادثة اخرى عند نبينا إبراهيم(ع) وفي الآية الكريمة {واذ قال ابراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن اليك ثم أجعل على كل جبل منهن جزءً ثم أدعهن يأتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم}.(14)
وهذه من الآية تثبت وبشكل قاطع إعطاء الولاية التكوينية للأنبياء من قبل الله سبحانه وتعالى وهذا لايبين اختلال الأيمان عند النبي إبراهيم(ع) بل التثبت والتيقن من أعطاء الولاية التكوينية وليثبت للجميع كيفية الإيحاء وهو سؤال يسمى سؤال توكيدي وكما أنت تقول : أرايت زيداً؟ أي أن وجود الشخص مفروغ منه ولكن للتثبت.
ونأتي الى الأمر المهم في قصة نبي اله سليمان (ع) وفي الآية قصة سليمان وملكة سبأ : { قال يا ايها الملؤ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين * قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل ان تقوم من مقامك واني عليه لقوي أمين * قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد اليك طرفك فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أشكر ام أكفر... } (15) .
والذي يهمنا في هذه الايات قوله تعالى « قال الذي عنده علم من الكتاب » الذي يستفاد منه ان الذي عنده علم من الكتاب انما قال قوله هذا قبال من كان من الجن وهذا يدل على انه كان من الانس ، وقد وردت الروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام انه كان آصف بن برخيا وزير سليمان وانه كان كما قيل عنده اسم الله الأعظم ، وقد تصرف آصف بن برخيا في التكوينات عن طريق ولايته ، في ذلك حيث نقل عرش بلقيس بأقل من طرفة عين ، وهذا فيه دلالة واضحة على ولايته التكوينية على انه لم تقل الآية المباركة التي جاءت لسياق بيان هذه الولاية انها كانت بأذن الله تعالى وانما بينت القضية عن طريق العلم الذي بحوزته من الكتاب ، والمراد من هذا الكتاب الذي هو مبدأ هذا العلم العجيب الذي جعله يتصرف هذا التصرف إما جنس الكتب السماوية او اللوح المحفوظ والعلم الذي أخذه هذا العالم منه كان علما يسهل الوصول إلى هذه البغية ، وهذه كله ليس فيه تنافي من ان تكون ولايته بأذن الله تعالى لأنه هو الذي اعطاها له.
ومن هنا كان المفهوم الشيعي في إن نبينا محمد(ص) وأئمتنا المعصومين(سلام الله أجمعين) هم لهم ذلك السر الآلهي ومواريث الأنبياء والتي كان يتوارثها أئمتنا بدءً من الأمام علي (ع) لتنتهي بالحجة المهدي(عج) وهم لهم الولاية التكوينية والتي يجب أن لاتغيب عن مفهوم أي شيعي في الاعتقاد بهذه الولاية التكوينية والتي حباها الله لنبيه و(ص) ومن بعده أئمتنا المعصومين.
وتوجد المئات من الحوادث التي تدلل على كلامنا وما ذهبنا إليه والذي يثبت ما نقوله إن نبينا الأكرم محمد(ص) قال في حديثه الشريف عن علي (ع) { قسمت الحكمة عشرة أجزاء ، أعطيت لعلي تسعة أجزاء وجزء واحد للناس}.
والحكمة هي راس كل شيء وفي حديثه الشريف (( رأس الحكمة مخافة الله)) وحديث باب مدينة العلم والحكمة معروف للجميع وهو ما يعطي الدليل الراسخ على ترسخ الولاية التكوينية لدى نبينا محمد(ص) ومن بعده أهل بيته أئمتنا المعصومين(سلام الله عليهم أجمعين)
وفي جزئنا القادم سوف نناقش الولاية التكوينية لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(ع) أن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1 ـ [يوسف : 111].
2 ـ [البقرة : 134].
3 ـ المصدر: مركز الأبحاث العقائدية .
كتاب بنات النبي (ص)أم ربابئه؟ ص 83 ـ ص 125 للسيد جعفر مرتضى العاملي.. وكذلك أحدى الخطب للشيخ د. احمد الوائلي.. وكذلك مؤسسة السبطين العالمية alkadhum.org/other/mktba/sira/banat/03.html
وكذلكhttp://www.sibtayn.com/ar/index.php?option=com_content&view=article&id=13177&Itemid=3538
4 ـ ينابيع المودة ص255 وإحقاق الحق [قسم الملحقات]ج7 ص18.
5 ـ إحقاق الحق [قسم الملحقات] للمرعشي النجفي ج5 ص 74 وج4 ص 444 عن المناقب لعبد الله الشافعي ص50 [مخطوط] وعن مناقب الكاشي ص72 [مخطوط أيضا] والحديث موجود أيضاً في كتاب: نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص114 ولا بأس بمراجعة ص113، ومراجعة مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص109.
6 ـ المرجع الديني محمد صادق الروحاني.
7 ـ وهو الملا عبدالرزاق الكاشاني على مافي عقائد الإيمان.
8 ـ كتاب الأسرار الفاطمية محمد فاضل المسعودي . ص 246 ـ247
9 ـ [ الأعراف : 196]
10 ـ [الأعراف : 180] .
11 ـ الكافي ـ كتاب التوحيد : 2 | 115 .
12 ـ [آل عمران : 49].
13 ـ [المائدة : آية 110].
14 ـ [البقرة : آية 260 .]
15 ـ [النمل : آية 38 ، 40 ].
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول