- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
إسرائيل تتحدى العالم وقادته يخنعون ويخضعون
بقلم: مصطفى اللداوي - كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
عجيبٌ ما تقوم به حكومة الكيان الصهيوني ورئيسها بنيامين نتنياهو، وغريبةٌ هي سياستها وتصريحات وزرائها، فهي إلى جانب أنها شاذة وعنصرية، ويمينية متطرفة، وتشي بالكراهية والعدوانية، وتنز بالسوء وتطفح بالشر، فهي تتحدى العالم مجتمعاً، وتقف في مواجهة الإرادة الدولية، وتتبجح في مواقفها وتتشدد في سياساتها، وتعلن معارضتها الرأي العام الدولي كله، ومخالفتها القوانين والأعراف، ورفضها للنظم والمواثيق، وانتهاكها الصارخ للاتفاقيات والمعاهدات، وكأن الأمر لا يعنيها، والعقاب لا يطالها، والسؤال لا يشملها، والقوانين لا تلزمها، والمخالفات لا تعيبها، فتراها تعيث فساداً كما تريد، وتدمر وتخرب كما تشاء، وتهدد وترغي وتزبد وكأنَّ أحداً لا يستطيع ردها، ولا يقوى على منعها، ولا يجرؤ على مخالفة أمرها.
يبدو العالم اليوم ولو ظاهرياً أو شكلياً وكأنه يعارض السياسات الإسرائيلية، ويرفض ما تقوم به الحكومة وجيشها ومستوطنوها، ويقف في وجه رئيسها، ويندد بسياسته ويستنكر تصريحاته، وكأن الدول الكبرى والغربية الأوروبية، التي اعتادت دعم الكيان الصهيوني وتأييده، ولم تتوقف يوماً عن حمايته والدفاع عنه، ولم تمتنع عن تقديم المساعدات والهبات له، قد ضجت بالسياسة الإسرائيلية، ولم يعد لديها القدرة على تحملها أو الدفاع عنها، فقد باتت مكلفة لها وتهدد أمنها واستقرارها، وتعرض مصالحها للخطر وبلادها للتمزق والاختلاف، بعد أن باتت صور القتل والقصف والخراب والدمار التي يرتكبها جيش الكيان تنتشر في كل مكان، وتقتحم كل الأندية والصالونات، وتزاحم برامج الدول والحكومات، وتشير بوضوح إلى اشتراك الأنظمة الغربية والولايات المتحدة الأميركية في هذه الحرب وهذا العدوان.
فهذه المظاهرات باتت تجوب شوارع عواصم القرار الدولية، وغدت المسيرات الشعبية المعارضة نشاطاً يومياً ضد العدوان الإسرائيلي، واستنكاراً لتعاون الأنظمة والحكومات مع حكومة الكيان الصهيوني، وتعالت أصوات الطلاب في أكبر الجامعات الأميركية وأشهرها، ومنها انتقلت إلى جامعات أسترالية وكندية وألمانية وفرنسية، ويبدو أن كرة اللهب الطلابية الاحتجاجية ستكبر مع الأيام، وستحذو حذوها مئات الجامعات العالمية، وستتضامن معها وربما تنسق جهودها وتنظم فعالياتها، وتتعاون فيما بينها لفرض تصوراتها، وإجبار حكومات بلادها على الإصغاء لها والاستجابة إلى طلباتها.
وفي الوقت نفسه لا تتوقف تصريحات قادة دول العالم وكبار مسؤوليه، بمن فيهم الرئيس الأميركي جون بايدن وأركان إدارته السياسية والعسكرية، وغيرهم من الرؤساء والوزراء في المنطقة والإقليم، التي يعلنون فيها وجوب وقف الحرب وإنهاء القتال، واستعادة الهدوء وعودة الأسرى والمعتقلين، وضرورة رفع الحصار وإدخال المؤن والمساعدات إلى الفلسطينيين المحاصرين والمتضررين بسبب عمليات جيش الاحتلال العدوانية، ويحذرون رئيس حكومة الكيان الصهيوني وقادة جيشه من مغبة اجتياح محافظة رفح، التي قد يترتب عليها مأساة إنسانية مهولة، قد لا يقوى الضمير العالمي على احتمالها وتجرع تداعياتها الآنية والمستقبلية.
إلا أنَّ حكومة العدو لا تصيخ السمع لأحد، ولا تستجيب لغير نداءات القتل والدمار، ولا تتردد في الرد على الانتقادات الدولية بالمزيد من الغارات والقصف، وبمضاعفة جرائمها ضد سكان غزة، وكأنها تتهكم بقادة العالم وتهزأ بهم، ولا تعيرهم اهتماماً ولا تأبه لانتقاداتهم، ولا تخاف من تهديداتهم، ولعلها تمارس ضدهم الترهيب والابتزاز، وتجبرهم على الخضوع لها والقبول بسياستها، وتطلب منهم تفهم مخاوفها والقبول بإجراءاتها، وكأَنَّ لها كامل السلطة عليهم، فلا يقوون على معارضتها، ولا يجرؤون على إغضابها، ولا يستطيعون مخالفة سياساتها، وهي بذلك مطمئنة إلى أن الانتقادات الدولية لها ليست إلا مفرقعات صوتية، وفقاعات هوائية، لا قيمة لها ولا وزن، ولا نتيجة أو أثر، إلا امتصاص النقمة، وحرف الأنظار، وتحصين الكيان.
اليوم أبلغت قيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الوسيطين المصري والقطري، موافقتها على المقترح الذي تقدما به، وأعلنت أنها ستلتزم بكافة بنود الاتفاق ما التزم العدو الإسرائيلي بها، وأنها ستتوقف عن القيام بأي عملياتٍ عسكريةٍ ضد قوات جيش الاحتلال المتواجدين داخل قطاع غزة خلال المهل الثلاث المحددة، على أن تنتهي المدة بانسحاب جيش الاحتلال وفتح المعابر ورفع الحصار، وعدم الاعتراض على عودة المواطنين الفلسطينيين إلى بيوتهم ومساكنهم في الشمال والجنوب، إلى جانب تحرير عددٍ من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، مقابل الإفراج المتدرج عن جنود العدو ومجنداته الأسرى لدى المقاومة.
فهل ستتمكن الإدارة الأميركية وحلفاؤها من إلزام الحكومة الإسرائيلية باحترام الاتفاق وعدم خرقه، والالتزام بالتنفيذ الدقيق لجميع بنوده دون تلاعبٍ واحتيال، وهي التي كما تدعي قد سعت له وتوسطت من أجله، أم أنها ستصغي السمع لهم من جديد، وستوافقهم على الخرق والانتهاء، وستزودهم بالسلاح والعتاد، وستتفهم ادعاءاتهم وستقتنع بمبرراتهم، وستوافق على قرارهم في حال قرروا استئناف عملياتهم العدوانية ضد قطاع غزة وأهله، ويبدو أنهم قد نفذوا تهديداتهم وصفعوا الإدارة الأميركية ورئيسها، ولطموه وغيره على وجهه، فهل يخضعون لها ويخنعون، أم أنهم سيغضبون عليها ويضغطون.
أقرأ ايضاً
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- توقعات باستهداف المنشآت النفطية في المنطقة والخوف من غليان أسعار النفط العالمي
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب