حجم النص
في كل مرة يتدهور الوضع الأمني في العاصمة بغداد او في غيرها من المدن "الساخنة" منها او التي تحظى بمستوى معين من الاستقرار الامني النسبي او الجزئي وهذا التدهور يكون ممثلا إما بعمليات إرهابية نوعية أو بسلسلة عمليات متزامنة او متباعدة وفي عدة مناطق في اليوم ذاته او يكون متواصلا .. تشار أصابع الاتهام الجاهز نحو التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وفلول حزب البعث المنحل والمحظور دستوريا وشعبيا وبعض التنظيمات المليشياتية سيما إذا كانت تلك العمليات تحمل بصمات تلك الجهات المنفذة وذات الأجندات والأهداف المعروفة للجميع خصوصا الفرقاء السياسيين والرأي العام في الوقت نفسه وهو ما يؤكده المسؤولون الأمنيون خاصة بعد الاعترافات التي يدلي بها المجرمون المتورطون بهذه العمليات التي مايزال يذهب جراءها الكثير من رجال الأمن والناس الأبرياء مابين شهيد وجريح فضلا عن الآثار المادية والنفسية الكوارثية التي تتركها تلك العمليات وبشكل شبه يومي تقريبا.. وهذا التبرير رغم كونه اكثر التبريرات "جاهزية" الى حد التخمة الا انه قد يبدو أكثرها مقبولية ومعقولية ومنطقية وقد تتداخل معه "أسباب" اخرى من الممكن ان تساهم منفردة او مجتمعة في ذات النتائج المتوخاة من العمليات الإرهابية ، وهذا التداخل وان كان يحتاج الى وثائق دامغة وداحضة إلا انه في الآونة الأخيرة بدأ ينحو منحىً تصاعديا نحو تبرير أي عملية إرهابية او تدهور امني ومن أهم تلك الأسباب التي تشابكت في هذه المعمعة بروز نظرية "الخلافات" السياسية وما يرافقها من تناحرات وتخندقات واصطفافات ومنزلقات ومناكفات وتأثير ذلك كله على الفعاليات الأمنية وما يرافقها من خروقات وانهيارات في إشارة (لهذه النظرية) الى التأثير السلبي للسياسة على الأمن وهو تأثير ذو منعطفات خطيرة جدا من أهمها ــ إن صحت وصدق منظروها ومروجوها ومعتنقوها ــ إن جميع الكتل المنضوية (والمنتخبة) تحت يافطة العملية السياسية مشمولة بهذا التوصيف إذ لا حدَّ فاصلا مابين كتل او أخرى في إبعاد "تهمة" المساهمة في تأجيج الأوضاع وزرع الخراب البشري والمادي، وبما ان نظرية المؤامرة هي من اكثر النظريات قبولا في الوسط السياسي العراقي وبعض الأوساط الشعبية وبعض مناسيب الرأي العام فان اغلب دور الجوار العراقي سيما المحورية منها ستكون إحدى الفواعل المنزلقة في خضم الصراع السياسي العراقي كرها او طوعا من جهة ، ومن جهة أخرى "تحشر" تلك الدول برغبتها وبحسب أجندتها الخاصة في التعامل مع المفصل العراقي المناظر لها او حسب "الاتهامات" المتبادلة بين بعض الساسة ضمن المسعى المحموم بحسب نظرية الخلافات السياسية الى حرق الأرض نكاية بالأطراف الأخرى ولتحقيق بعض "المكاسب" السياسية من خلال انهيارات أمنية توحي بان "الطرف" الآخر هو عميل للجهة الفلانية او العلانية من دول الجوار (وهي "عمالة" ذات بعد طائفي غالبا) وهو يتشارك معها الأسباب والنتائج التي أدت الى هذا الخراب وهي محاولة مستميتة لهذه الجهة السياسية او تلك لإبعاد شبح تهمة العمالة والتشارك في زرع الخراب عن نفسها وإلصاقها بالجهة او الجهات المناوئة ولكن بحسب نظرية المؤامرة "القديمة" ونظرية الخلافات السياسية "الجديدة" فان جميع الفرقاء السياسيين هم "عملاء" لهذه الجهة او تلك بحسب التواشج الطائفي او القومي او العرقي او انهم كلهم مسؤولون عن أية عملية إرهابية تحدث وإذا ما تم المزج مابين النظريتين فإننا نستخلص نتائج غير مقبولة او غير دقيقة وغير مهنية ولا تليق بالعملية السياسية التي قدر لها أن تكون النموذج الأكثر تطورا وديمقراطية في الشرق الأوسط بعد سقوط آخر حلقة من مسلسل الديكتاتوريات التوتاليتارية الفاشستية الغاشمة وهذا غير منطقي تماما .
ومن غير المهني ايضا او الموضوعي إلقاء اللوم بدون دليل قاطع بالوثائق على الخلافات السياسية من قبل بعض المسؤولين الأمنيين في محاولة منهم للتنصل من مسؤولية اي كارثة أمنية او لعدم وجود تبرير عملي لما يحدث وبما يتناسق مع تصريحات بعض السياسيين انفسهم في السياق عينه والتي لاتخلو هي الاخرى من عدم الدقة ولخلط الاوراق وهو سياق سياسي ـ امني غير دقيق ، كل ذلك يحتاج الى مراجعة دقيقة لمجمل الفعاليات السياسية والأمنية في حال ثبوت صحة ان نظرية المؤامرة التي تعشش في مخيال الكثير من الساسة العراقيين هي حقائق قد تكون اخطر من الواقع بكثير، وان نظرية التأثير السلبي للخلافات السياسية وإسقاطها على الواقع الأمني هي نظرية صحيحة وليست مجرد أوهام، مع العلم ان بعض الساسة العراقيين ومسؤولي الامن لا يدركون خطورة تصريحاتهم وتأثيرها السلبي على الوضع العام وان كانت المحاصصات والتوافقات السياسية قد أفرزت الكثير من الظواهر والسلبيات التي ادت الى هكذا نتائج .
وإذا ثبت صحة ما تقدم فستكون العملية السياسية بحاجة ماسة الى إعادة ترميم شاملة وتأسيسها وفق الأجندات الوطنية والابتعاد قدر الممكن عن التحاصص والتوافق والتخندق العرقطائفي البغيض والاتهامات المتبادلة التي تبدد ثقة الشارع العراقي بمسؤوليه السياسيين والأمنيين معا او تشكيل حكومة الأغلبية ان سنحت الفرصة او استدعت المصلحة الوطنية لذلك فضلا عن وجوب مأسسة أجهزة الأمن على قاعدة وطنية عراقية بحتة كي لا تتكرر الانهيارات الأمنية وتتكرر معها التبريرات التي نتمنى من كل قلوبنا ان لا تكون صحيحة!!.
إعلامي وكاتب عراقي [email protected]
أقرأ ايضاً
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود
- التداعيات السياسية بعد قرار المحكمة الاتحادية
- العملية السياسية تستعيد عافيتها !!