- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
منح الجنسية العراقية للمجهول ..
(وادعوهم لابائهم هو اقسط عند الله)
( الجنسية ) كلمة بمعنى رابطة الانتماء , وحسب اصلها اللاتيني تعني الانتماء الى امة او عشيرة . ومن هنا جرى احترامها وصيانتها قانونيا . وقد راعت دول العالم حرمة هذه الرابطة , وعملت جاهدة على تعزيز ثقافة تقديسها , فشرعت لذلك عدة قوانين اسستها على مجموعة مبادئ , مراعية كونها – الجنسية – تمثل الهوية الوطنية التي تختزل ارث شعوبها وتأريخهم .
وقد اعتمدت هذه الدول مبدأين لمنح الجنسية , نختصرهما بالاتي :
- رابطة الدم .
- رابطة الولاء والمواطنة .
وفي الرابطة الاولى كان الاساس هو الانتساب الى الاب دون الام , لانه ما فُطرت عليه الانسانية , ولان الابناء يميلون الى ولاء ابيهم وينهجون منهجه غالبا .
اما الرابطة الثانية وهي رابطة الولاء والمواطنة فكانت رابطة حديثة , اتبعتها الدول ذات الكثافة السكانية المنخفضة والجالبة للعمالة , و احتراما لمبدأ الانتماء اشترطت هذه الدول مجموعة من الشروط المهمة لمنح الجنسية بناءا على هذا المبدأ .
ان جميع الدول ذات الكثافة السكانية العالية التزمت مبدأ رابطة الدم في منحها جنسيتها , حفاظا على ثقافة وقيم مجتعاتها , خلافا للدول المضطرة – اقتصاديا – لمنح جنسيتها .
وفي خضم استلاب التأريخ والارض العراقيين , وتحت ضغط دولي متعمد و اجواء منقسمة بين التقليد الاعمى لببغاوات السياسة وبين عمالة للمنهج المبني على تخريب العراق ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وكذلك السكوت القائم على المصالح الانية , في خضم كل ذلك التزم المشرعون القانونيون العراقيون مبدأ اعطاء الجنسية العراقية لمن يولد من ام عراقية بغض النظر عن والده , في استهانة واضحة برمزية هذه البلاد وحرمتها , وفي خطة مرسومة لزرع المجاهيل على هذه الارض المعطاءة والمقدسة .
لقد راجعت اشهر قوانين الجنسية في العالم , وتأملت كثيرا في سياسة منحها , فوجدت ان الدول التي تكون مستقبلة للهجرة بكثرة تضع شروطا قاسية في منح جنسيتها , كالولايات المتحدة الامريكية التي برز فيها مؤخرا نقاش واسع حول حقوق منح الجنسية وضرورة تقييدها , على الرغم من انها قامت على اساس الهجرة , وانها ذات تأريخ مبتور قائم على ابادة شعوب كاملة كانت تملك هذه الارض , وكذلك وضعت بريطانيا مؤخرا صيغ ومراسيم جديدة عند منح الجنسية , برغم انها من البلاد المستقبلة للهجرة .
وحتى الدول ذات التجنيس السياسي والطائفي كالبحرين انتبهت الى خطورة منح الجنسية عن طريق الام , على رغم حاجتها لتغيير الخريطة الديموغرافية سياسيا وطائفيا .
كذلك البلدان ذات التأريخ القانوني الكبير مثل مصر عرفت خطورة هذه الامر مبكرا واصرت على اجتنابه .
ان الدول التي خضعت متأثرة او مضطرة للتجنيس عن طريق الام اشترطت ان يكون اب المولود زوجا للمواطنة , بمعنى ان يكون هناك عقد زواج شرعي , وان يكون الاب مجهول الجنسية او لا جنسية له , هربا من مشاكل ازدواج الولاء او ازدواج الجنسية , وكذلك ان يقيم على اراضيها , وان يجيد لغتها وان يحترم ثقافتها , فيما اشترطت دول اخرى ان تكون ولادة المولود للمواطنة على اراضي دولة الام , وهي رغم ذلك لم تتخلص من الاثار الاخلاقية والاجتماعية والوطنية لهذا التجنيس الفوضوي .
والغريب ان بعض الساسة العراقيين يتجهون الى هذا الشطط في التجنيس في حين تدخل دول متقدمة فيما يُسمى ملفات حقوق الانسان والديمقراطية والمساواة نقاشاً حاداً حول قضية التجنيس ! , فقد رأينا دولة مثل المانيا عمدت خلال السنوات الثلاث الماضية الى طلب تقنين التجنيس , عبر اشتراط كون المجنس يمثل كفاءة تنفع الشعب والدولة الالمانية , بحجة المحافظة على القيم الخاصة بالشعب الالماني , على الرغم من حاجة المانيا الماسة للتجنيس . وكذلك دخلت سويسرا جدالا شعبيا وبرلمانيا واسعا لبحث قضية الجنسية , وهذه الجدالات رغم عدم تعلقها بمنح الجنسية عن طريق الام الا انها اظهرت تشددا وحرصا واضحا من قبل هذه الدول على ثقافة مجتمعاتها , رغم انها دول لا تتمتع باخلاقيات وقيم وعقيدة المجتمع العراقي !
اننا كمسلمين نجد ان الشريعة نسبت الابناء للاب , هذا اولاً , وثانياً اشترطت شرعية الزواج وان يقع ضمن ضوابط الشريعة .
ان المستقبل ينذر بجيش من ابناء الزنا يعيثون فسادا في هذا المجتمع المتدين بطبعه – وربما هذا هو هدف التجنيس الجديد - .
وربما تكون قضية منح الجنسية العراقية لمن يولد من ام عراقية سبيلاً لحل مشاكل الهوية ( للغجر الدوليين ) و ( المرتزقة ) وابناء ( الارهابيين ) لاسيما الذين اجتاحوا العراق بعد 2003 , فقد نقلت صحيفة الجوار الالكترونية في 8\1\2011مطالبة الناشطة العراقية في مجال حقوق الإنسان عطور عبد المطلب الجهات الرسمية بمنح الجنسية العراقية لعشرات الأطفال الذين ولدوا نتيجة زواج عراقيات من عرب دخلوا العراق خلال السنوات الماضية ويعتقد أنهم من عناصر تنظيم القاعدة, او ربما هي احدى سبل تجنيس ( اكراد الدول المجاورة ) المناهضين لحكوماتهم ليتمتعوا بحماية الدولة العراقية بصورة قانونية , او ستكون الطريق الامثل للتخلص من ابناء الليالي الحمراء في دول الخليج واوربا عبر دفع الاموال ( للمستضعفات من العراقيات ) في الخارج .
وإنه لمن المفيد أيضا قبل الارتماء في أحضان العواطف غير المدروسة الانتباه إلي نقطة جوهرية ومهمة وهي أنه إذا ما منحت الدولة العراقية الجنسية لأبناء العراقيات المتزوجات من أجانب فقد يترتب علي ذلك تقلد هؤلاء الأبناء لاعلى المناصب القيادية الإدارية أو الأمنية العليا وهذا من المتوقع إن لم يكن أكيدا وواقعا . فمن يستطيع أن يضمن ولاء هؤلاء الأبناء للوطن .
والغريب المريب ان الاجانب المتزوجين نساء يحملن الجنسية العراقية يكون ابناءهم يحملون جنسية ابائهم بمعنى يمتلكون جنسية اجنبية بالولادة, فلاي سبب يتم منحهم الجنسية العراقية , فهم ليسوا ( بدون ) ؟! بل الاخطر هو اعتبارهم عراقيي الاصل , او كما عبر بعض الباحثين : اصبحت ظاهرة عدم العدالة بالمجتمع العراقي و القانون ظاهرة بشكل مخيف .. بمعنى (يتمتع البعض بجنسيتين وبامتيازات دولتين.. في حين العراقيين بالعراق ليس لديهم غير الجنسية العراقية).. ونجد القوانين اليوم تمرر لخدمة فئة اجنبية ليست عراقية ولم تمرر لخدمة العراقيين لا بالداخل ولا بالخارج .
ان هدر حقوق العراقيين يوميا والادعاء باحقاق حقوق ابناء المجاهيل هو امر يستدعي كل علامات الاستفهام والاستهجان , وكذلك يؤكد ان القضية لا ترتبط بمبدأ الحقوق من قريب او بعيد , وانما تقع ضمن منطقة التلاعب بخريطة العراق الاجتماعية لمصالح تخريبية وفئوية .
وفي حين تترك السلطات القضائية في العراق الاف الارهابيين دون احكام جازمة , وتنسى العديد من ملفات الفساد في دواليبها , نراها تلتفت الى قضية لم تحسم السلطة التشريعية امرها !
وكذلك نرى الكتل الأكثر إصرارا على دفع امر هذا التجنيس الى التحقق على ارض الواقع , وهم الأكراد , يتسببون في ذات الوقت بمنع إخوتهم العراقيين من حق السكن والتملك – كمواطنين – في محافظات كردستان , ويعملون على تمييز العراقيين على اساس القومية !
ان وضع قانون يضبط قضية منح الجنسية العراقية هو ما اشترطه الدستور العراقي , وبالتالي لايجوز لاية محكمة عراقية البت بقضايا منح الجنسية قبل سن القانون , لذلك نشعر بالريبة من تحركات السلطات القضائية العليا باتجاه التدخل الكيفي في مسألة منح الجنسية قبل بت السلطة التشريعية حسبما اشترط الدستور العراقي .
وفي الختام يجب على كل المرجعيات الدينية العراقية وعلى كافة المذاهب وكذلك السياسيين العراقيين الوطنيين والحريصين على امن البلاد وتقدمها والإعلاميين والقانونيين ان يحاولوا جاهدين الوقوف بحزم أمام كل محاولات الهدم المتعمدة للهوية العراقية , وأساليب تشويه الإرث الاجتماعي العراقي . وعلى البرلمان العراقي وخصوصا الكتل الإسلامية التي تمثل غالبية أعضاءه ان يؤدي دوره الدستوري المغيب , وألا يكتفي بعض أعضائه بأناشيد مقاومة الاحتلال تاركين ثقافة البلد مخربة , او يذهب آخرون سارحين في ملكوت الله تاركين خلق الله , او ينشغل البعض بالسفر الدائم الخالي من الفائدة سوى لأنفسهم .
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً