الانتشار الهائل في الصحف بدول العالم المتحضرة أو النامية؛ إضافة إلى وسائل الإعلام الأخرى، لاشك يقال بأنّ هذا البلد ديمقراطي ويتمتع بحرية الصحافة وإشباع رغبات المتلقين بالمعلومات الجديدة، على عكس ما كانت عليه الصحافة في القرون التي جاءت بعد الطباعة وانتشارها في العالم الغربي ومن ثم العربي، حيث كانت هنالك الكثير من القيود التي تكبل وتكمّم أفواه الصحفيين وتشلّ تفكيرهم، أما الآن فباستطاعة كل شخص إصدار صحيفة؛ ولكن السؤال يأتي هنا.. ما فائدة كل هذه الإصدارات الصحفية ؟.. هل هي الحرية الشخصية أم الفوضى التي ضربت الصحافة وأثرت على مفهومها وأهدافها الحقيقية خاصة في العراق الذي يربو اليوم على مئات الصحف والمجلات المختلفة.
وعند تصفحّنا للصحف العراقية الصادرة يومياً نجد بأنّ معظمها يفتقد للموضوعية وكذلك السبق الصحفي الذي يبحث عنه \"الصحفيون\" وكذلك المستهلك العربي الذي يبحث عن البضاعة (الطازجة)، حتى أن بعض الصحف العملاقة الراسخة بدأت هي الأخرى تنهار وتصبح مجرد أوراق تمتلئ بالعنوانين والمواضيع التي تتناولها الصحف الأخرى ولم تقدّم شيئاً يذكر، وخصوصاً في مادة الأخبار والتقارير الصحفية والتحقيقات التي يجب أن تجذب شهية القارئ العراقي وتقدم له طبقاً مميزاً من المفاجآت الصحفية، ولكن كل هذه الأمور غائبة اليوم عن صحافتنا العراقية، ناهيك عن انهيار اللغة والأسلوب الصحفي الذي يشوه الكثير من الإصدارات وليست محافظة كربلاء بعيدة عن هذا الانهيار الذي ألحقه بها صحفيو العراق الجديد العاملن في الصحف الحكومية أو حتى المستقلة والذين ليس همهم سوى وضع صورة المسؤول الفلاني وبعض الكلمات الركيكة لإنجازاته وهي ليست سوى (حشو) من الكلام الساذج، ولم يقتصر هذا الأمر على المادة المعروضة فالأسلوب الفني وتصميم الصحيفة هو الآخر لا يلبي شهية القارئ وقد ينزعج منها عند قراءة الاسم فقط، ولو دخلنا إلى صرفيات الجريدة الفلانية التي توزع مجاناً على المواطنين والدوائر الحكومية فالطامة ستكون أكبر حيث ملايين الدنانير التي تصرف بغير فائدة على منشور لا يقدم أو يؤخر في مشوار الصحافة العراقية وإنما يجلب لها السمعة السيئة على ما أعتقد.
نحن اليوم في العراق نعيش في عصر التدفق المعلوماتي ولكنه غير محكوم للأسف الشديد بالضوابط والقوانين المهنية والفنية وهذا ما يؤثر سلباً على المتلقي الذي يعد الهدف الوحيد والرئيسي لكل ما ينشر أو يقال، فنحن ما فائدتنا كصحفيين نملأ الجرائد بالمواضيع الركيكة التي تضيق أنفاس المتلقي العراقي بدلاً من أن تكون لسان حاله ومتنفسه من الهموم الحياتية الكابتة على صدره وكاهله المتعب، ولو قدّر للعراق أن يسن قانون حماية الصحفيين فلابدّ أن يضع الدستور العراقي قانوناً لحفظ ماء وجه الصحافة وأن تشرع نقابة الصحفيين القوانين التي تحدّ من ظاهرة الصحافة الساذجة لا أن تشلّ حركتها وإنما تفعل دور التقويم وتذكر الصحفيين بمسؤوليتهم اتجاه القارئ خصوصاً وأنه يتجه لقراءة الصحف ومتابعة وسائل الإعلام أكثر من قراءته للكتب وبالتالي فلابدّ أن توفر الصحافة العراقية المادة الموضوعية (الراقية) وتصطحبه إلى عالم المعلومات الجميل.. نتمنى ذلك.
أقرأ ايضاً
- الضربات الأمريكية والسيادة العراقية.. الغلبة لمن؟
- الأزمة العراقية.. بوادر حل ومواجهة محتملة
- المرأة العراقية.. حقوق في يومها العالمي