- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل هي دعوة للتطبيع مع إسرائيل..الاحتجاجات العراقية.. وشجرةُ السلام!
رصد وكتابة: علي الشاهر
(محمّدنة) أو (الأستاذ محمد) هكذا بدون أي مقدّمات أو ألقاب، يسمّي أبناء الأنبار (رئيس مجلس النواب الحالي محمد الحلبوسي)، خصوصاً في تعليقاتهم على ما ينشره عبر صفحته على تويتر، ووسط القليل من الغضب والكثير من الرضا على أعماله وإنجازاته التي حقّقها في (الأنبار تحديداً) محافظته الأم، يمضي (الحلبوسي) جاداً وواثقاً نحو تغيير خارطة العراق والدعوة إلى التغيير بعد 16 عاماً من تغيير النظام السابق.
أما بالنسبة للسخط الذي يدور بين الأهالي الشباب، هو مطالبتهم بإيجاد فرص عمل مناسبة لهم، ولكن ما جرى في الفترة الأخيرة وبحسب مصادر مطلعة أنْ جرى (تعيين 73 موظفاً جديداً من بينهم 23 شخصاً لقبهم (الحلبوسي) وهذا نفس لقب رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي)، أما بالنسبة لبقية الشباب من العشائر الأنبارية الأخرى لا ندري له ضمن لهم تعييناً جديداً وهو ما ننتظر الإجابة عليه.
كما ويؤكد أهالي الأنبار في تعليقاتهم على دعوتهم له بإنصاف العوائل النازحة التي عانت الكثير خلال هجوم تنظيم داعش الإرهابي على الأنبار، وخصوصاً ما جرى على عوائل منطقة (بزبيز) التابعة لعامرية الفلوجة في الأنبار، وقد اشتهرت القرية (بحسب موسوعة ويكيبيديا) بجسرها الذي صار معبراً وحيداً لسكّان محافظة الأنبار من النازحين أو المتنقلين بين محافظة الأنبار ومحافظة بغداد بعد احتلال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لمحافظة الأنبار والمعارك الدائرة في المحافظة.
إلا أنّ الحلبوسي وفي (15 أيلول 2019)، أعلن عن إعادة افتتاح جسر (بزبيز)، بعد معاناة طويلة من العوائل المهجّرة، وعدم استطاعتهم الفرار من داعش صوب بغداد، بسبب إغلاق الجسر الذي يربط بالعاصمة من قبل توصيات حكومية عليا، على حدّ قول الأهالي، ونجح الحلبوسي بافتتاحه من جديد، لكنّ هذا الافتتاح يحمل رمزية كبيرة وهي أن التغيير الذي أراده سوف ينطلق من هذه المنطقة لإشعال ثورة في بغداد ستعمل على تقويض النظام الحالي.
وبتاريخ (3 تشرين الأول 2018) أي قبل عام، هنّأ الحلوبسي رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح ورئيس الوزراء الدكتور عادل عبد المهدي تسنّمهما لمناصبهم متمنياً لهما الموفقية والسداد، قائلاً: إن "يدنا بيدهم لخدمة العراق أرضاً وشعباً"، وبعد عام فقط ومع بداية شهر (تشرين الأول/ اكتوبر) انطلقت الاحتجاجات العراقية المطالبة بتغيير النظام الحالي، إلا أنّ المؤشر الأكبر هو ما موقف (الحلبوسي) سواء في تأجيج المظاهرات أو قمعها.. وهل هو مع تغيير الحكومة وتعديل الدستور، أم إبقائها وإعطاء الدعم الكافي لبقاء عادل عبد المهدي في السلطة؟!، كما وعد بذلك عند تسنم الأخير قبل عام لمنصبه كرئيس للوزراء، دون أن لا نغفل الأنباء التي تقول بأن للحلبوسي دوراً كبيراً باستمرار تأجيج هذه المظاهرات، من أجلِ تمرير ملف خطير يتمثّل بـ (صفقة القرن) التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية (وتحديداً دونالد ترامب ـ صاحب الصفقات) لإحلال ما أسماه بـ (السلام!!) بين الفلسطيين والإسرائليين، والذي يتضمّن نقطة مهمّة وهي اقتطاع جزءٍ من (الأنبار) باتجاه الأردن من أجل إسكان الفلسطينيين فيه، ولتكون فلسطين العربية الإسلامية للإسرائيليين فقط!!.
شجرة (سلام!!)
ظاهرياً، أكّد الحلبوسي في لقاءات عديدة تزامنتْ مع الاحتجاجات العراقية، أنّه مع هذه المطالب، وأكّد أنّه سيخلع (سترته) وينزل إلى ساحة التحرير، وفعلها الرجل، إلا أنّ هذه (السترة) أو الملابس التي ارتادها (الحلبوسي) في ساحة التحرير (قميص أبيض وبنطلون رمادي) القريبة من (الزيّ الجامعي أو المدرسي)، ظهر فيها بتاريخ (15 أيلول 2019) وهو يزرع (شتلة صغيرة) من ورد (الجوري) على مقربة من جسر بزيبز الذي كان مغلقاً أمام العوائل الأنبارية الهاربة من داعش، وكتبَ الحلبوسي على تويتر معبراً عن فرحه بزرع ما أسماها بالشجرة وعينه ترنو صوب بغداد: "أزرعُ شجرةَ السلام على مقربة من جسر بزيبز الذي شَهِدَ معاناة النازحين خلال الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي"، ومثل هذه المبادرة قد حظيت بإعجاب الكثيرين الذين رحّبوا بها، فيما سخط آخرون أو سخروا منها وعلّقوا على منشوره، أحدهم كتب: "نتمنى أن تزرع الفرحة في قلوب أهالي المغيبين من الصقلاوية او فرحة العودة لأهالي جرف الصخر التي وعدت بإعادة اهلها خلال أسبوعين".
وكتب آخر للحلبوسي: "أتمنى أن تزرع شجرة السلام في جرف الصخر أيضاً"، وجرف الصخر (النصر) كانت هي أول منطقة يسيطر عليها (داعش) الإرهابي، ونجح الحشد الشعبي في استعادتها.. ولكن هل تم إعادة أهاليها إليها..؟!، ثمّ لا يمكن أن تناسى بأنّ أهالي المحافظات الغربية وحتى في الموصل كانوا يرون دخول الحشد إلى أراضيهم أشبه بهجوم (طائفي ـ شيعي) يستهدف سنّيتهم.
فيما كتب متابع آخر: "أتمنى أن تزرع بذور دولة حقيقة بمحاربة الفساد والفشل والمحاصصة، دولة تحفظ سيادة العراق لا للخارج وتوفر عيشاً كريماً لأبنائه، ولكن النتائج تتبع المقدمات فالطبقة الحاكمة الْيَوْمَ وليدة المحاصصة والفساد والفشل وفاقد الشي لايعطيه".
أما أغرب تعليق رافق صورة الحلبوسي مع شجرته فكان: "هذه الشجرة ميتة لا محال!".
وبالنسبة لزرع (وردة الجوري) التي تعبّر عن الأمل والثقة العالية وذات الرمزية العالية (للحملات الصليبية الأوربية على المدن العربية والإسلامية!!)، فلم تكن مثل هذه الخطوة، من فكرة الرجل (الحلبوسي) نفسه؛ بل جاءت كقبول (تحدّي) أطلقتهُ ممثلة الأمم المتحدة في العراق (جينين بلاسخارت) بتاريخ (9 أيلول 2019)، عندما قرّرت أن تزرع شجرة في (مدرسة) بمحافظة أربيل عاصمة إقليم كردستان، إستجابة لتحدٍّ آخر من رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، وقبل أن نكتب عما قالته (بلاسخارات)، يجب أن نعلّق على ما هي الغاية من شجرة (السلام) التي دعت لها بلاسخارت، ولماذا زرعتها في أربيل دون أي محافظة عراقية أخرى، وكذلك لماذا لم يقبل فقط (الحلبوسي) بهذا التحدّي في زرع شجرة السلام على الرغم من أنّ بلاسخارات تحدّت الرئاسات الثلاث بزرع (شجرة السلام).. هل هو في الموافقة أو الرفض لموضوع (التطبيع مع إسرائيل).. أم هنالك أمور أخرى مبيّتة.. ثمّ لماذا الحلبوسي الذي يمثّل (العراقيين) الآن بوصفه رئيس مجلس النواب وليس ابن الأنبار، قد زرع شجرته في (الأنبار).. كان بإمكانه مثلاً أن يزرعها في (بغداد) بوصفها عاصمة العراق..!!
لقد نشرت بلاسخارات مقطعاً فيديوياً يظهرها وهي تزرع (شجرة السلام) في حديقة المدرسة بأربيل، وكان بعنوان "غرس شجرة من أجل السلام.. شمّروا عن سواعدكم وساعدوا في جعل العراق أكثر خضرة وأكثر سلاماً".
وقالت بلاسخارات في حديثه أثناء زرع (شجرة السلام) "الآن تمثل الأشجار رمزاً للسلام، هي تعطي الكثير من الطاقة لنا جميعاً، كما أنها مهمة أيضاً لمواجهة تغيّر المناخ، ففي 21 أيلول/ سبتمبر، نحتفل باليوم الدولي للسلام، ونحتفل به هذا العام تحت شعار "العمل المناخي" من أجل السلام".
وأضافت، "كما نعلم جميعاً، فإن تغير المناخ هو دافع متزايد للنزاع!!.. لذلك دعوتي هي لنا جميعاً، فلنشمّر عن سواعدنا ونعمل وفقاً لذلك.. لذا، فقد غرست شجرتي الآن، وسأتحدى الرئاسات الثلاث في جمهورية العراق أصحاب الفخامة أتوجه إليكم.. الرئيس برهم صالح، رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، أرجو أن تنضموا في تحويل هذه المبادرة الرائعة إلى تحدٍ وطني ـ غرس الأشجار في جميع أنحاء العراق".
وأكملت حديثها بتحدّي كبير: "المهم: هل تقبلون هذا التحدّي منّي؟.. وشيء مهم آخر: هل تتحدون آخرين لبناء عراق مزدهر ومستقر وآمن".
ولا ندري، ماذا تخبّئ لنا الأيام المقبلة.. وهل بلاسخارت فعلاً تسعى لإحلال السلام في المنطقة (العراق).. أم هنالك مآرب أخرى في زرعها لـ (شجرة السلام) وتحديداً في أربيل التي لم تشهد احتجاجات تشترك مع الاحتجاجات الدائرة في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، وكذلك بالنسبة للمحافظات الغربية ومن بينها (الأنبار) التي شتل بها (الحلبوسي) شجرته، أو أنّ بلاسخارت تعني بالسلام هو (صفقة القرن والتطبيع مع إسرائيل).. ثمّ أن الاحتجاجات العراقية الدائرة الآن يديرها شباب وأكثرهم من طلبة الجامعات العراقية (أصحاب القمصان البيضاء).. فبالعودة إلى تاريخ (6 آب 2019) نشر الحلبوسي على صفحته في تويتر صورة تجمعه مع طلبة عراقيين متفوقين وكتب "صورة لقادة المستقبل من متفوقي أبنائنا، بهؤلاء وأمثالهم سنتحدى الظروف ونراهن على كسب المستقبل ونكتب تاريخًا جديدًا للعراق".. عن أي مستقبل يتحدّث (الحلبوسي).. ولماذا اختار (طلبة الجامعات والثانويات) الذين خرجوا الآن بتزايد كبير نحو ساحات الاحتجاج مطالبين بتغيير النظام، مع إيقاف العملية التربوية والتعليمية طبعاً.
ومن المفارقات أن الحلبوسي وبعدما قبل التحدّي من بلاسخارت وزرع (شجرة السلام).. فهو لم يدعُ أحداً لتحدّيه، كما يجب أن تنص قواعد مثل هذه المبادرات أو التحدّيات.. وهل ترى كان تحدّيه عملياً الآن.. بتغيير النظام الحالي في بغداد!!
في الختام.. نتمنى فعلاً لعراقنا أن يتغيّر نحو الأفضل.. أن نتخلص من 16 عاماً من الخراب والطائفية والمحاصصة المقيتة.