- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الفساد المالي... تداعيات وحلول
الفساد المالي والتطاول على المال العام وأخذ الأتاوى والرشاوى من المواطنين وبوضح النهار، قد دق ناقوس الخطر وبات يثير الهواجس بأن المسيرة الديمقراطية لعلها تصاب بمرض عضال تخيف كل من يفكر بها أو يحاول تقمصها، ويبدو أن استفحال الأمر وعدم وضع حلول ناجعة له أو بالأحرى انهيار المساعي لاجتثاث تلك الظاهرة الخطيرة لحد الآن هي كلها تصب في هذا الإطار الذي تعمل أجندات داخلية وخارجية لتركيزه في المؤسسات حتى توصل المواطن إلى مرحلة اليأس والقنوط من النظام الديمقراطي، وكثيرة هي الأسباب الكامنة وراء فشل المساعي لمحاربة الفساد المالي المستفحل والضارب بأطنابه في مؤسسات الدولة.
ويبدو أن هيئة النزاهة والمفتش العام والرقابة المالية باتت تجر أذيال الهزيمة مقابل قوة الأحزاب وهيمنتها على المشهد السياسي العراقي، الذي بات الولاء الحزبي والقومي والطائفي أقوى من الولاء الوطني، فترى الوزير يغير على بيت المال ويختلس الملايين من الدولارات ويجعل من وزارته ودائرته مرتعا لعائلته وعشيرته وحزبه وقومه وطائفته يصولون ويجولون ولا من رقيب ولا حسيب، والتحرك هذا مصون بعدم محاسبته ولا استدعائه من قبل مجلس النواب لأنه يتحرك بتغطية من جماعته في المجلس الذي بات يأوي الكثير من المفسدين والإرهابيين والقتلة بذريعة الحصانة الدبلوماسية التي يتمتع بها!!
وفي مطلع كل عام يطلع علينا المسؤولون الكبار ويصرحون بأن هذا العام سيكون عام القضاء على الفساد المالي والإداري، بيد أن الذي نراه عكس ذلك تماما فيكون استفحال الفساد في جميع مفاصل الدولة والقضاء والاجتثاث يكون للنزهاء من أبناء العراق الشرفاء لأنهم ما زالوا يشكلون أقلية في دوائر الدولة التي يستحوذ على الكثير منها البعثيون والمفسدون بما لديهم من مطامع شخصية وأجندات خارجية لتخريب الأوضاع وإرجاعنا إلى المربع الأول حيث الديكتاتورية المقيتة وتحكم الأقلية في رقاب الأكثرية.
ومادام الوضع هكذا حيث المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية هي الحاكمة في مرافق الدولة المختلفة فإن الوضع من سيء إلى أسوأ، ولا منجي من المطبات الوخيمة التي وقعنا فيها والتي دفع ضريبتها المواطن المسكين حيث لازال حظه متعثرا في الخدمات وتدني المستوى الاقتصادي والثقافي وهو يعيش في بلد يعد من أغنى بلدان العالم مما حباه الله تعالى من خيرات في النفط والمعادن والأنهار والأراضي الصالحة للزراعة وغيرها من الخيرات وهو لا يستطيع استثمارها لصالحه نظرا للمؤامرات الخارجية التي تحاك ضده من كل حدب وصوب، فالمسؤول إذا أمن العقوبة وذلك بوقوف حزبه وجماعته معه والتغطية على سرقته وتطاوله وجرمه، فإنه يتجرى على القوانين لاسيما إذا كان بعيدا عن وازع الدين والضمير، ولا خلاص مما نحن فيه إلا بحكومة وطنية يكون ولاؤها للوطن والمواطن ولا تأخذها في الحق لومة لائم وتضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه التطاول على المال العام كائنا من يكون ولأي جهة يتبع.
وإذا لم نتجاوز المحاصصة البغيضة فإننا نبقى في دوامة مفرغة ويكون الفساد هو سيد الموقف وكذلك ما يترتب عليه من التجاوز المالي والإداري والقانوني على الصلاحيات المنصوص عليها وإتباع الأساليب المثيرة للشك بان من يمارسها يهدف من ورائها المصلحة الشخصية على حساب المصلحة العامة , فأصبحنا نرى الكثير من المسؤولين والذين كنا نتأمل منهم خيرا في بناء عراق جديد وعلى أسس سليمة باعتبارهم بدأوا من نقطة الصفر . هؤلاء استفادوا من وجودهم في وزارة معينة أو منصب حكومي ما, هم أول من حركوا عجلة الفساد على جسد دولة منهكة خرجت للتو من فترة مظلمة من حياتها بعمل صفقات ومقاولات وشركات وهمية وسرقات علنية أو تدريب فرق جيش وهمية أو من خلال التلاعب بالبطاقة التموينية وتهريب النفط الخام والمشتقات النفطية والقائمة تطول وتطول في ذلك، وهدفهم من هذا كله هو المصلحة الخاصة والمصلحة الحزبية والمصلحة الإقليمية, فمن المستفيد من عدم مسائلة هؤلاء عن ارتكابهم مخالفات تتعلق بنهب المال العام بالملايين من الدولارات ؟ وهنا لابد من تفعيل لجنة النزاهة والتفتيش في الوزارات والمؤسسات الحكومية للوقوف على معالجة مثل تلك الجرائم في ظل حكومة وطنية بعيدة عن كل أشكال المحاصصة المقيتة.
الفساد المالي والإداري الذي يضرب بأطنابه في جميع مفاصل الدولة ولاسيما مواقع مهمة في الدولة، وإذا ما بقى على نفس المنوال من التوافقات السياسية والتغطيات الحزبية التي لم تتوزع فيها المناصب بشكل يتناسب مع الكفاءة، وتبقى هي المؤثر الرئيسي في كثير من الأمور التي تمس حالة المواطن خصوصا الأمور الخدمية.
وهذه المواقع تتحمل مسؤولية مباشرة في الكثير من مفاصل الدولة وفي بناء الدولة وهو المفصل الإداري الذي يحرك القرار، وإن هذه المواقع تتحمل مسؤولية مباشرة جدا فالإعلام إذا سلط على المسؤول يمكن أن يقوم عمله وهو في تلك المواقع الحساسة والمهمة جدا، ماذا قدم هذا الشخص؟! وفي أي ساعة يأتي إلى الدوام؟! هل يؤدي عمله بشكل جيد؟! وما هي المنجزات التي أنجزها؟! وما هي شفافية الصرف في الوزارات والدوائر التي يخدم فيها؟! كل هذه الأمور حقيقة تتعلق بشخص الوزير أو المسؤول وهذه الحلقات هي التي يكون لها السبب الرئيسي في النجاح أو في الفشل.
والكثير من التلكؤات الحاصلة في هذه المواقع من أنها مواقع غائبة عن المواطن، لكن في مقام التحليل فإن هذه المواقع مهمة جدا، وعلى كل وزارة أن تختار الأشخاص الذين يتمتعون بالنزاهة والكفاءة ويعجّلون في عملية البناء ويفكرون تفكيرا مجديا في مصلحة البلاد عن دراية وواقعية، وأن هذه المواقع حساسة ومهمة وان الإعلام لم يسلط الضوء عليها لكن لها دور في تبدل قناعات الوزير أو المسؤول سريعا بسبب المزاج وللأسف لازلنا نعيش في أمزجة بعض المسؤولين التي هي تحدد المصلحة الوطنية من عدمها وهذه نظرية خاطئة في التضاد مما نعتقد من أن المصالح العامة مقدمة حتى على العبادات الخاصة، وأهم التداعيات والحلول التي تتضمن تلك الآفة الخطيرة وكيفية القضاء عليها نوجزها كما يلي:
1- إذا لم يضع المسؤولون الخطط الناجعة لمعالجة هذا الوباء المستأصل فإن تداعياته لا تقل خطورة عن الإرهاب، ومثلما هناك جهود حثيثة للقضاء على الإرهابيين فإن الأمر يتطلب جهودا مماثلة للقضاء على المفسدين.
2- تقوية السلطة القضائية وتعزيز استقلالها عن السلطات التنفيذية والتشريعية، وإنزال العقوبات الصارمة بحق من تثبت إدانته في التطاول على المال العام ليكون عبرة لكل من تسول له نفسه المضي على ذلك الطريق المعوج.
3- إلغاء الحصانة الدبلوماسية عن أعضاء مجلس النواب ولو بالأمور المتعلقة بالحق العام من اشتراك في قتل وتشريد وفساد مالي وإداري لمن تصدر عنهم مذكرات اعتقال من المحاكم الدستورية العراقية.
4- إلغاء كل ما من شأنه شرعنة المحاصصات الطائفية والعرقية والقومية وجعل صناديق الاقتراع هي سيدة الموقف في تبوأ المناصب السيادية في الدولة، وهذا وإن لم يرق لبعض المكونات العراقية من خسرانها لبعض المواقع، بيد أننا من المفترض أن نمهد قبول حكم الأكثرية لأنه هو الأصل في النظام الديمقراطي وما عداه فإنه لظروف استثنائية لا يمكن لها الاستمرار إلا بتغيير الصفة.
5- التوعية الشاملة لما تتمخض عنه آفة الفساد في المجتمع من ويلات ودمار وخراب وتخلف وفقر، يشترك فيها علماء الدين والمثقفون والإعلاميون والوطنيون الأحرار، وطرح البديل عنه وهو العدالة في الحقوق والواجبات والتوزيع المتكافئ لثروات البلاد على أساس المواطنة والكفاءة والنزاهة بعيدا عن أية اعتبارات أخرى.
6- الدولة القوية هي تلك الدولة التي يُحترم فيها القانون ويُطبق على الجميع دونما فرق بين أفرادها سواء كانوا متصدين للمناصب أم لا، والجميع أمام القانون سواسية كأسنان المشط، هذا ما سيعزز الثقة بين الدولة والمواطن وسيعطي للمواطن حالة من التفاعل إزاء العراق الديمقراطي الجديد.
وطالما إن تعدد الأحزاب في الدول المتطورة يعد مظهرا حضاريا تتقدم البلدان بتنافسها الشريف الذي يسعى دائما وأبدا في تقديم الخدمات وتطور البلد، وما الحملات الانتخابية التي تجري بين الأحزاب إلا للوصول إلى هذا الهدف النبيل، وتبعا لذلك نجدها من إبداع إلى إبداع ومن تطور إلى آخر ومن خدمة إلى أخرى، ويبدو أننا لم نستفد من التجربة الغربية في التنافس الشريف إلا القشور التي كانت وبالا علينا فاتخذنا من التعددية الحزبية تعددية تناحرية لجني الأرباح الشخصية بالتضاد مع فلسفة وجودها من أن في الإتحاد قوة ومنعة وأن يد الله مع الجماعة، تلك الجماعة التي يكون وجود المسؤول وما يحمله من صفات ذاتية ومكتسبة هي في خدمة المصلحة العامة التي تضمن المصلحة الشخصية وليس العكس، وهذه هي فلسفة وجود المسؤول في الحكم، أليس سيد القوم خادمهم؟! ولكن الميول الشخصية هي التي تقف حائلا دون تطبيق هذه الفلسفة الحيوية التي بها نحيى وبدونها فإن جميع أعمالنا خرط للقتاد.
أقرأ ايضاً
- الذكاء الاصطناعي الثورة القادمة في مكافحة الفساد
- كيف حارب السنغافوريون الفساد؟
- استرداد العائدات المتحصلة من جرائم الفساد